أمس، الثلاثاء الأول من فبراير، سيدخل تاريخ مصر كواحد من أجمل وأعظم أيامها.
أمس، كان يوم الحسم في مصر.. أمس، حسم الشعب المصري أمر النظام، وأمر مستقبل مصر.
أمس، كان اليوم الفاصل بين عهدين في تاريخ مصر.. عهد انطوت صفحته، وعهد جديد يطل.
أمس، خرجت مصر كلها الى الشوارع .
في "ميدان التحرير" وحده، الذي أصبح مركزا للثورة ورمزا لعنفوانها واصرارها، احتشد، بحسب كل التقديرات نحو مليون ونصف المليون متظاهر. واحتشدت في ميادين وشوارع المدن المصرية الاخرى، ملايين اخرى من المصريين.
تأملوا صور ومشاهد هذه الجموع الحاشدة التي لم تعرفها مصر أبدا في تاريخها المعاصر التي تبثها محطات التليفزيون وتنقلها وكالات الانباء، وسوف تلاحظون فورا ان مصر كلها بالمعنى الحرفي للكلمة، بكل قطاعاتها وبكل قواها وبكل توجهاتها وانتماءاتها، كانت في الشوارع.. الشباب.. الاطفال.. النساء.. الرجال.. الشيوخ.. رجال الدين.. المثقفون.. الاساتذة.. القضاة.. الفنانون.. العمال.. الموظفون.. ربات البيوت.. الخ الخ.. كلهم كانوا في الشوارع.
تأملوا مشاهد وصور هذه الحشود الهادرة، وسوف تلاحظون انها كلها تحتشد وتتظاهر تحت علم مصر، وتحت شعارات حب مصر.. هذه ثورة مصر كلها.
حين خرجت كل هذه الملايين من المصريين الى الشوارع، ماذا يعني هذا؟
يعني أولا، أن القطيعة أصبحت نهائية مع النظام، وأن كل ما أقدم عليه النظام من خطوات تجميلية في الأيام القليلة الماضية، أتت بعد فوات الأوان بكثير جدا، ولم تعد تعني شيئا بالنسبة الى المصريين، ولم يعودوا مستعدين حتى لمناقشتها أو النظر فيها.
كانت آخر هذه المحاولات اليائسة ما أعلنه النظام من استعداد لفتح حوار مع المعارضة. وعلى الفور، رفضت كل القوى السياسية بلا استثناء أي حوار مع النظام.
وما كان لأي قوة سياسية ان تجرؤ على أن تقبل بمثل هذا الحوار.. أي حوار مع نظام لم يتردد في قتل عشرات المصريين في أيام الثورة؟.. أي حوار مع نظام لم يتردد في ارتكاب أعمال الحرق والتدمير والترويع للمصريين وفق خطة إجرامية منظمة وضعها سلفا؟.. وأي حوار مع نظام، لم يعد للشعب كله من مطلب إلا ان يرحل بلا رجعة؟.
إذن، هي القطيعة الشعبية النهائية مع النظام أعلنها ملايين المصريين أمس لكل من مازال يتوهم غير ذلك.
ولذا، لم يكن غريبا أن كل هذه الملايين التي احتشدت في ميدان التحرير، مركز الثورة، وفي كل المدن المصرية، رفعت شعارا رئيسيا واحدا.. ان يرحل مبارك.
ومن الطبيعي ان يكون هذا هو المطلب الرئيس اليوم. الشعب المصري يريد ان يبدأ عهدا جديدا. ولا يمكن للنظام الآفل ان يقود مثل هذا العهد الجديد مهما تظاهر بعزمه الاصلاح والتغيير.. كيف يمكن ان يقود اصلاحا او تغييرا من عاث في البلاد فسادا وقهرا عبر ثلاثين عاما كاملة، واوصل الشعب الى حد انه لم يجد من خيار او بديل الا الثورة والتضحية بدماء الشهداء؟.
ولم يكن ممكناً ان تجرؤ أي قوة او جماعة سياسية او نقابية مصرية على ان تتخلف عن هذا المطلب الرئيسي الذي التفت حوله ملايين المتظاهرين. عشرات البيانات صدرت عن قوى سياسية ومدنية كلها ترفع نفس المطلب. ومثلا، خمسون منظمة حقوقية مصرية طالبت بالرحيل "حقنا لدماء المصريين".
ولا بد هنا من ان نسجل بالفخر والاعتزاز الدور الوطني التاريخي الذي لعبه جيش مصر العظيم في الوصول الى هذه اللحظة.. في الوصول الى يوم الحسم المصري امس.
البيان الذي اصدره جيش مصر عشية المظاهرات المليونية، كان بيانا تاريخيا بكل معنى الكلمة. كان البيان في حد ذاته من اكبر عوامل الحسم. جيش مصر الوطني اعلن ببساطة ان مطالب الشعب مشروعة، وان قواته لم ولن تستخدم القوة ضد شعب مصر العظيم.
لم يكن البيان موجها الى شعب مصر فقط، لكنه كان موجها في نفس الوقت الى النظام.. كان البيان رسالة واضحة لا تقبل التأويل الى كل من يعنيهم الامر في النظام الآفل، انه حين تأتي لحظة الحسم والاختيار، فإن خيار جيش مصر هو انه مع الشعب، ومع مطالبه النبيلة المشروعة.
بعد يوم الحسم هذا، لم يعد هناك من خيار الا الرحيل.
لا مجال للحديث بعد هذا اليوم الا عن ترتيبات الرحيل، وما بعد الرحيل.
"ميدان التحرير" مركز الثورة ومنه ارتفع صوتها الهادر، سوف يصبح في تاريخ مصر اسما على مسمى.. سوف يصبح مركزا ورمزا لتحرر مصر والمصريين.
بالطبع، يبقى السؤال الاساسي اليوم : وماذا بعد الرحيل؟.. ما الذي يمكن ان يحدث في مصر؟
الحديث يطول عن هذا الجانب، لكن الامر الواضح اليوم ان هناك في الخارج والداخل من يريدون سرقة الثورة، وسرقة نتاج الكفاح الذي خاضه المصريون.
وسنعود الى الحديث عن هذا الجانب ان شاء الله.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.