نردد مع الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان:
حريتي.. حريتي.. حريتي
صوت أردده بملء فم الغضب
تحت الرصاص وفي اللهب
وأظل رغم القيد أعدو خلفها
وأظل رغم الليل أقفو خطوها
وأظل محمولا على مد الغضب
ثروات هائلة وشعوب جائعة..
هل كان رغيف الخبز وحده هو السبب، هل خرجت هذه الجموع المباركة في ثورات ستكون فاتحة تاريخ جديد للأمة من أجل رغيف الخبز. وقد قال رضي الله عنه علي بن أبي طالب : لو كان الفقر رجلا لقتلته. وقال أبو ذر الغفاري : عجبت لمن لا يجد قوت يومه ثم لا يخرج شاهرا سيفه.
لكنه القهر الذي استشرى في عروق الأرض العربية، التوق إلى الحرية للخلاص من الجلادين الذين نهبوا الأخضر واليابس، وبالتالي ارتبط القهر والقمع برغيف الخبز. فكان لا بد من عود كبريت ليشعل الشهيد محمد البو عزيزي النار في جسده قربانا لثورة مباركة ازدادت بها تونس اخضرارا وتوهجا.
إذا، هو الرغيف أولا المشتاق لطعم الحرية، ولطعم الكرامة.
قال فكتور هيجو في كتابه "البؤساء": ما دام على ظهر هذه الأرض جهل وبؤس، فإن كتبا مثل هذا الكتاب لا يمكن أن تكون غير ذي فائدة. فقد سرق بطل الرواية جان فالجان رغيف خبز لإطعام أولاد أخته الأيتام السبعة، وبقي مطاردا من السلطة زمنا طويلا بعد هروبه من السجن. وكذا فعل الصعاليك العرب في عصور ما قبل الإسلام، ومنهم عروة بن الورد، حيث كانوا يسرقون من الأغنياء لإطعام الفقراء.
هي ثورة الشارع لألف سبب وسبب.
وقد قال الشهيد صدام حسين : إنني أعول على الشارع العربي، فهو مفتاح النصر، وأمريكا تتحرج من أي تحرك لأنها تعرف أن ثورة الشارع العربي إذا ما بدأت، فلا أحد يستطيع إطفاء جذوتها.
الاستعمار المقنع، يجثم على صدورنا. وسفاراته، حسب ما جاء في"ويكيليكس" هي مراكز تجسس على الشعوب المقهورة تعد أنفاسها ومدى مساحة احتمالها لهذا القهر، بالإضافة إلى استشراء الطبقية التي خلفها الفساد والمفسدون.
لقد انتصرت ثورة تونس العظيمة، وستبقى عربة البو عزيزي رمزا لكبرياء شعب قال كلمته أخيرا، وما يزال يصرخ : لا لحكومات تحوي بقايا نظام بائد. هذه البقايا التي تسعى لتشويه صورة الثورة النقية.
وفي ما يشبه كل هذا، وفي محاولة من السلطات لخلط الأوراق والتشويه، يقول حسين المناصرة في قصته المعنونة" عدس" من مجموعته" داريّا وبقايا من الهذيان" (1999):
"بدأت المظاهرة الساعة السادسة صباحا. وانتهت السادسة والنصف بعد أن اعتقل الجميع. حمدوا الله أنهم ضربوا على مؤخراتهم. وبعضهم حمدوا الله أنهم ضربوا على رؤوسهم. وبعضهم أيضا حمدوا الله أنهم ضربوا ضربات شاملة. وبعضهم بكى بحرقة لأنه لم يضرب. والسبب أن المضروبين قالوا عن غير المضروبين : إنهم مع السلطة.
تناولوا كلهم وجبة العدس الوحيدة في العاشرة ليلا. وحينها كان التلفاز يهذي بكلام كثير، منه أن المعتقلين هم من المتعاونين مع الاحتلال. أفرج عنهم في الثانية صباحا، فتوزعتهم الطرق باحثين عن عن بيوتهم المجللة بستائر الليل".