بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
When you pray for others، God listens to you and blesses them،
When you are safe and happy، remember that someone has prayed for you
حينما تصلي لاجل الاخرين الله ينصت لك ويباركهم، وعندما تكون سالما وسعيدا تذكر ان شخصا ما صلى من اجلك
حكمة غربية
هذه الملاحظات هي صلاة من اجل تونس وسلامتها ونجاحها في شق طريق الحرية، والصلاة واجبنا القومي الاول كعرب، ولذلك فان تراتيلها المقدسة هي الحوار مع اشقاءنا في تونس وهم يمرون بمرحلة حرجة. واول التراتيل هذه هو ما يلي : من يقول بان الانتفاضة الشعبية التاريخية في تونس كانت متوقعة قبل شهر من حدوثها يقع في خطأ فاضح، ومن يقول انها (عمل امريكي لتغيير الوجوه) يقع في خطأ مدمر، فالانتفاضة كانت عفوية تماما، لم تعلم بها لا امريكا ولا فرنسا ولا الاحزاب الوطنية التونسية، ولا الاتحاد التونسي للشغل. الانتفاضة اذن كانت ثمرة تراكمات شعبية هائلة من الضغظ والاضطهاد اللذان زادا قوة بالاضطرار للصمت او الهمس المفعم بحزن شعب عظيم محب للحرية مغلوب على امره ضد النظام، لكن ذلك كله انفجر بغتة بقرار فرد قرر الاحتجاج على وضعه المعاشي وكان فعله يشبه من امسك بدبوس وثقب بالونا ضخما فانفجر، وتلك كانت الشرارة التي اشعلت النار في تونس واسقطت خيار الصمت او الاحتجاج اليائس. قرار فرد واحد هو الشهيد الاول للانتفاضة محمد بوعزيزي اراد التعبير عن احتجاجه على بؤسه الاجتماعي والفساد المسبب له فاحرق نفسه ليكون ذلك القرار بوابة دخول الجماهير التونسية الباسلة عصر الانتفاضة الشاملة من اجل الحرية والخبز والكرامة.
وبسبب هذه الطبيعة العفوية للانتفاضة فانها فاجئت كل الاطراف : الاحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية في تونس كما في الوطن العربي والعالم،، وكانت المفاجئة الاعظم تلك التي اصابت اجهزة المخابرات الامريكية والفرنسية وغيرها التي كانت تتوقع كل شيء الا الانتفاضة، خصوصا حينما نجحت الانتفاضة في تحييد القوات المسلحة، رغما عن جنرالات كبار، وشقت طريق نجاحها التاريخي المذهل في تغيير النظام بقوة الاستشهاد وبروح التضحية من اجل تونس حرة مستقلة ومستقرة تسودها العدالة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وكان الوعي الشعبي يسبق وعي النخب السياسية لذلك لم تكتفي الانتفاضة باسقاط رمز النظام بل اصرت على اسقاط النظام برمته واستئصاله من الجذور وهنا تكمن عظمة الشعب التونسي وخطورة الانتفاضة على القوى المعادية.
وهذا الحدث وقبل كل شيء اسقط الدعايات النمطية الغربية والصهيونية التي تقلل من شأن الامة العربية والشعب العربي وتصفهما بالتخلف والتردد والانانية والخوف…الخ، فقد رأينا العربي التونسي بطلا لا يهاب الموت من اجل تونس ويسفح دمه على طريق تحقيق اهدافة السياسية والاجتماعية، لذلك فان الانتفاضة التونسية تضاف الى مفاخر المقاومة العربية الباسلة في العراق وفلسطين والاحواز وتزيد امام العالم المتأثر بسطوة الاعلام الغربي ترجيح صورة العربي الشجاع والمقاوم والذكي، كما راها في مقاومة العراق وفلسطين، على صورة العربي النمطية في الغرب وهو (العربي الخائف والمتردد والاناني).
ولكن ونحن في غمرة الاحتفال بهذه الانتفاضة المباركة لابد من حمايتها ومنع اجهاضها او احتواءها او تغيير المسار الشعبي الذي اختطه الشعب التونسي الشقيق من خلال ابناءه ومناضليه خلال عقود، عن طريق الانتباه للضمانات المطلوبة لحمايتها وتحويلها من مجرد خطوة وبداية لمرحلة تاريخية خطيرة في تاريخ تونس المشرق الى مسيرة طويلة يثبتها ويجسدها واقع متجذر يعبر عن طموحات الجماهير وقواها الوطنية ويكافئ ارواح الشهداء وعوائلهم، بجعل الانتفاضة مقدمة للتغيير الجذري والثوري الحقيقي في تونس وليس مجرد تغيير اشخاص.
انني بصفتي مناضلا عراقيا تشرف بالعيش لفترة في تونس واحبها واحب شعبها العظيم وولد احد ابنائي فيها وسط رعاية الاصدقاء التونسيين ومحبتهم، اجد ان واجبي القومي كعربي ان اقدم مقترحات واراء هي ثمرة تجربة اكثر من نصف قرن من النضال الوطني والقومي والاشتراكي، وعاش ازمات الامة كلها وكان في بعضها متفاعلا معها وفي بعضها الاخر فاعلا فيها، خصوصا تجربة ما بعد احتلال العراق وتفجر اعظم واخطر مقاومة في التاريخ العربي وهي المقاومة العراقية، وهذا التقويم للمقاومة العراقية لا ينبع من عاطفة بل من واقع انها تقاتل وتهزم العدو الرئيس للامة العربية وصانع العدو الصهيوني وحاميه ومديم وجوده وغزواته وهو الولايات المتحدة الامريكية، التي تعد وبحق اقوى واشرس قوة استعمارية في التاريخ البشري. اننا في العراق نخوض الحرب العالمية الثالثة ونقاتل امريكا ومن معها من عرب وعجم منذ عام 1991 وحتى الان بدون دعم خارجي من اي طرف سوى دعم الجماهير العربية وشرفاء العالم، وهنا تكمن عظمة المقاومة العراقية اليتيمة ولكن الفاعلة لدرجة الحاق الهزيمة باعظم قوة استعمارية، من هنا فان تجربتنا ربما تكون مفيدة لاخوتنا ورفاقنا في تونس وهم يدخلون مرحلة جديدة وحساسة من تاريخ تونس.
وفيما يلي ملاحظات مختصرة واولية :
1 – من الضروري عدم تجاهل ان الانتفاضة عفوية ولم يتم تنظيمها من قبل القوى الوطنية رغم انها كانت في ضمائرها، وهذه الحقيقة تفرض على الجميع نقل الانتفاضة من العفوية والتي ادت وظيفتها الى التخطيط والعمل الستراتيجي الشامل لتجنب اغتيال هذه البذرة الطيبة وهي صغيرة ورقيقة. وبمقتضى هذا المقترح من الضروري جدا الاتفاق بين القوى الوطنية، او اغلبها اذا تعذر اتفاقها كلها، على تبني ستراتيجية عمل وطني مرحلية واضحة تقود الى نقل تونس جذريا من النظام الفاسد الى نظام ائتلافي ديمقراطي، وتتضمن الاهداف الوطنية للمرحلة الانتقالية وتحدد اساليب تحقيقها بوفاق وطني ثابت.
2 – بالاضافة لذلك فان الانتفاضة بقيت حتى الان انتفاضة موحدة ضد نظام اريد الاطاحة به ولم تتحول الى مقدمة لشغب واسع النطاق يتحول الى حرب اهلية بسبب عدم وجود انشقاقات بين الشعب التونسي طائفية او اثنية كي تستغل لاشعال فتنة مدمرة كما حصل في العراق ولبنان. وذلك هو التحدي الذي يواجه اجهزة المخابرات الغربية والصهيونية التي تريد تقسيم كل الاقطار العربية على اسس سايكس – بيكو الثانية القائمة على تقسيم الاقطار العربية في المشرق والمغرب العربيين على اسس طائفية وعرقية، والتي نرى تطبيقاتها في العراق والسودان ولبنان ومصر وغيرها. لذلك فان من البديهي ان تحاول اجهزة المخابرات خلق ثغرة تشق القوى الوطنية على اساس ايديولوجي حاليا وذلك لعدم وجود اقليات او طوائف في تونس، فالصراعات بين القوى الوطنية والاشتراكية والدينية هي الخيار الوحيد الان لاجهزة المخابرات لنشر الفوضى والتشرذم في تونس، والذي يراد له ان يفضي الى خلق تناقضات جديدة لم تكن موجودة في تونس ولكنها تصطنع عمدا بعد شق القوى الوطنية.
3– ان امريكا وفرنسا والعالم كله فوجئ بالانتفاضة واكثر من فوجئ هو اجهزة المخابرات، لذلك اتسم رد الفعل الامريكي والاوربي بالحذر والترقب، والان وبعد نجاح الانتفاضة في تحقيق الهدف المباشر لها وهو تغيير راس النظام اصبح الاقدام على تحقيق الاهداف الاخرى حتميا لان تغيير راس النظام مجرد خطوة اولى ووسيلة وليس هدفا نهائيا، ومنها تحقيق اهداف ستراتيجية مثل بناء واقع تونسي ديمقراطي حقيقي يضع حدا للفقر والفساد والتمييز الطبقي وغيره من الظواهر المدمرة للمجتمع، وهذا عمل شعبي منظم ينقل الانتفاضة من مجرد فورة عاطفية وطنية الى برنامج وطني ستراتيجي شامل لتغيير الوضع. من الاكيد ان اجهزة المخابرات تلك بدأت تعمل بنشاط استثنائي لا يقل عن استثنائية الانتفاضة التونسية من اجل منع التغيير الثوري السلمي واحتواء الانتفاضة وادخالها في مسار غير المسار الذي يريده الشعب التونسي. اننا اذا لم نتوقع ذلك فسوف نرى الانتفاضة تغتال كما اغتيل شهداءها ويتم احتواءها ويصبح ما حدث محض تغيير وجوه.
4– من الضروري عدم نسيان ان الكثير من ضباط الجيش وقوى الامن الداخلي تدربوا في امريكا ودخلوا دورات (تأهيلية) فيها عسكرية ومخابراتية، لذلك فان التحوط ووضع خطة وطنية لتحييد اي شخص عسكري او يعمل في مجال المخابرات قد يكون مرشحا ليكون بديلا لبن علي سواء بصورة فرد او مجموعة حاكمة من خلف الستار وتستخدم واجهة مدنية ضعيفة لها.
5 – ان العمل المخابراتي سيكون بالغ الحذر والدقة لان المناخ الشعبي العام في تونس لا يسمح بعودة صريحة للنظام السابق بوجوه جديدة ولكن بنفس الاهداف الكبرى، لذلك فان الديمقراطية ستستخدم لتكون حصان طروادة الذي ينجب برلمانا ثم حكومة تبدو ديمقراطية ظاهريا لكنها في الواقع نتاج المؤثرات التي تملكها الحكومة المؤقتة الاعلامية والمالية والسيطرة على اجهزة الدولة كالجيش وقوى الامن الداخلي. وسيقترن هذا التغيير الديمقراطي باجراء اصلاحات اقتصادية تخفف من البطالة والفساد لاجل احتواء الغضب الشعبي والعثور على من يعد هذا التغيير الجزئي انجازا كبيرا يجب دعمه ومواصلة السير خلف من قام به منحه الدعم. من هنا فان الاصلاح المنتظر ليس الترقيعات بل بناء واقع جديد مختلف كليا تبنيه القوى الوطنية المتحدة والمتفقة على ستراتيجية مرحلية واضحة وليس الحكومة الحالية.
6– ان التركيز الاساس لاجهزة المخابرات سيكون محاولة استغلال حالة عدم التوحد او التحالف بين الاحزاب والقوى الوطنية التونسية وابقاءها مشتتة ومنع توحدها في جبهة شعبية وطنية شاملة، فذلك هو الطريق الرئيس لبدء تطبيق خطة تبديل الوجوه دون تبديل النظام. وفي هذا الاطار فان اللعبة الاساسية ستكون دعم حزب او شخصيات وطنية او مجموعة احزاب وابعاد احزاب اخرى، واستخدام اغراءات الدولة لتحقيق هذا الغرض، بالاضافة لاستغلال الخلافات الايديولوجية والسياسية بينها لتشتيتها ومنع توحدها. ومن الاكيد ان الهدف القادم للقوى المعادية هو اثارة مشاكل بين ابناء الشعب التونسي على اسس جهوية او عرقية او دينية او مصلحية صرفة. نعم تونس منسجمة سكانيا وليست فيها اقليات كبيرة يمكن استغلالها لاثارة الفتن ولكن انظروا الى مصر التي كانت منسجمة سكانيا ولكنها الان وبفضل العمل المخابراتي المنظم تواجه مشكلتين فتنة صراع مسيحي – اسلامي ومشكلة جديدة ودخيلة عليها ولم تكن موجودة اصلا وهي الفتنة الشيعية – السنية وان كانت اصغر من الفتنة الاولى لكنها مرشحة بقوة للتعاظم.
هل تونس محصنة ضد هذا المخطط الشامل؟ من الضروري افتراض الاسوأ، وعدم الاكتفاء بايجابيات الوضع الديني والاجتماعي الحالي، لتجنب الاخطر وهو ان يكون الجواب نعم ممكن ان تجر تونس الى نمط من الازمات ليس موجودا فيها الان ولكن يمكن خلقه.
7 – ان ما حصل يوم 14/1/2011 من اعمال اجرامية كالنهب والحرق ومهاجمة دور مواطنيين عاديين كان مؤشرا لما سيحدث لاحقا لانه كان رد فعل سريع للقوى المضادة، ولهذا علينا توقع اعمال منظمة ومدعومة من الخارج لاشعال الفتن في تونس وايصال القطر الى حافة الانهيار مثل مصر والسودان والعراق ولبنان.
8- من الضروري جدا عدم نسيان ان من مصلحة العدو المشترك، وهو امريكا والكيان الصهيوني وايران، احداث فتن واضطرابات تخلط الاوراق واذا لم تؤدي الى حرب اهلية فانها تعرقل وصول قوى وطنية للسلطة من خلال اشعال صراعات بينها، من هنا فان الوعي الستراتيجي يعد اهم اسلحتنا في هذه المعركة لانه يمكننا من تحديد مايخطط له العدو المشترك وما يمارسه من تكتيكات خطيرة وخبيثة. يكفي فقط تذكر ان التكتيك الرئيس للعدو المشترك هو اغراق الامة العربية بكافة اقطارها بمستنقعات خطرة من الازمات الداخلية الحادة التي تشغلها عن المواجهة مع العدو المشترك ومحاربته واسقاط مشاريعه، فتغلق بذلك سبل حل الازمات الحالية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لصالح الوطن والشعب، وهو ما نراه في مصر والسودان والعراق المحتل ولبنان والان جاء دور تونس. ان القوى الوطنية التونسية تواجه الان اختبارا ستراتيجيا واستخباريا حاسما وعليها ان تفهمه جيدا ولا تقلل من شأنه. وفي هذا الاطار فان الاعتماد على ضباط مخابرات تونسيين وطنيين حقيقيين من ذوي الخبرة امر ضروري لتحديد الخطوات المتوقعة من العدو واحباطها، ان الجبهة الوطنية المتحدة بحاجة ماسة لا غنى عنها لانشاء خلية مخابرات تابعة للقوى الوطنية تساعدها على اكتشاف الالغام الخطيرة ونزع فتائلها قبل انفجارها. ان العمل الاستباقي هو احد عوامل النجاح الثوري.
9- من المؤكد ان اقصاء بن علي قد تم بقرار امريكي – غربي وهو قرار واضح جدا حتى قبل وقوع الانتفاضة، وما تسريات ويكيليكس الانتقائية المنظمة بدقة من قبل اجهزة امريكية حول فساد النظام في تونس ولا ديمقراطيته الا ممهد للتحول الحالي، كما ان دعم اوباما للجماهير المنتفضة برفضه استخدام العنف ضدها مؤشر اخر لرفض بن علي لان التجربة التاريخية والحالية تثبت ان امريكا لا تسمح بسقوط نظام تريده ان يبقى. ومن الواضح ان المطلوب امريكيا هو دفع تونس لفوضى كبيرة تبتز الشعب وتجبره على قبول اقل الخيارات سوءا وليس التمسك بالخيار الوطني الكامل والسليم، واقل الخيارات سوءا هو الاستقرار في ظل نظام جديد لا يختلف الا شكليا عن نظام بن علي ومماثل له في النهج العام. ان عدم تعود تونس على الازمات الخطيرة والدموية والافتقار لدروسها ومعانيها سوف يكون عاملا مهما في دفع بعض الجماهير لقبول الخيار غير الوطني وغير الجذري من خلال تكتيك تصعيد الازمة وعدم حلها بسرعة من اجل انهاك الجماهير ووضعها بين خيارين لا غير خيار مواصة العمل الاحتجاجي بدون امل او قبول اصلاحات سطحية.
10 – تثبت التجربة التركية الحالية ان دور العسكر قد تراجع في السترتيجيات الغربية، خصوصا الامريكية، والتي كانت الداعم الرئيس للعسكر في تركيا، فغياب ما سمي ب (الخطر الشيوعي) ورفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان جرد الغرب بشكل عام وامريكا بشكل خاص من القدرة على القيام بانقلابات عسكرية ضد حكومة وطنية منتخبة كما حصل في تشيلي ضد سلفادور الليندي اوتركيا ضد عدنان مندريس وغيره في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. كما ان دعم التيارات الدينية – الاسلاموية والمسيحية واليهودية والهندوسية – خصوصا المتطرفة يعد احد مداميك الستراتيجيات الغربية والصهيونية منذ سبعينيات القرن الماضي لانها افضل من يضمن تمزيق الشعب طائفيا ودينيا شر ممزق كما تثبت تجارب العراق ومصر والسودان ولبنان وغيرها من جهة، كما انها افضل من يشعل حروب الحضارات والاديان في العالم لتحل محل الصراعات التحررية ضد الراسمالية والاستعمار من جهة ثانية. وكتعبير عن هذا التغيير المهم جدا فان حكومة تركيا الاسلاموية الحالية تحظى بدعم امريكي مباشر وصريح وصل حد تكليف اوباما تركيا الاسلاموية بالتحرك في العراق لايجاد حل لازمة الاحتلال على حساب المقاومة وتحرر العراق وتخويلها حق الاتصال نيابة عنها بكافة الكتل السياسية العراقية والتنسيق مع ايران وسوريا والسعودية لاجل الوصول لذلك الحل. والسبب هو ان تركيا الحالية تحت قيادة اردوجان تسهم في ابقاء التيار الاسلاموي في الوطن العربي قويا ويسد الطريق على التيارات الوطنية والقومية والاشتراكية ويمنعها من الصعود مجددا، ولاجل تحقيق ذلك يجب تقليم اظافر عسكر تركيا، الذين بقوا منذ اتاتورك يتحكمون بالسياسة التركية ويسقطون كل حكومة تهدد بازالة او اضعاف ما يسمى ب(تركيا العلمانية الاتاتوركية)، ومنعهم من اسقاط حكومة اردوجان ودعمها رغم انها توجه الضربة تلو الضربة للعسكر ونفوذهم التقليدي، وتلميعها امام الراي العام العربي.
ويكفي ان نذكر هنا ان بروز تركيا مؤخرا بدعم امريكي مباشر وصريح قد تم على حساب اي دور عربي رئيس وفعال وفي ظرف التغييب المتعمد للدور العراقي مع ان العراق كان القوة الاقليمية العظمى الاكثر قوة وفاعلية، والاهم ان الدور التركي يصور كانه (دور سني) اقليمي معادل ومحدد للدور (الشيعي) الايراني الاقليمي!!! مما يعني نقل الصراع الطائفي من صراع داخل الاقطار العربية الى صراع اقليمي طائفي (سني – شيعي) بين تركيا (السنية) وايران (الشيعية) كما قيل وروج، فتوجه ضربة اخرى لحركة التحرر الوطني العربية تساهم في اضعافها وفسح المجال للتيار الستراتيجي الرئيس وهو التيار الامريكي ليطغى ويتحكم في مسار التطور وهو تيار صراع الاديان والحضارات والطوائف، وهذا هو جوهر المخططات الامريكية – الصهيونية – الايرانية كما نراها في العراق ولبنان بصورة انموذجية.
اذن نحن بازاء تطور غربي كبير في النظرة الى دور العسكر في الحكم وهو يقوم على اضعاف العسكر ودعم صعود حكومات مدنية مدعومة غربيا الامر الذي يحجم العسكر ويجعلهم منضبطين في دعمهم للحكومة المدنية الموالية للغرب. هذه الحقيقة الستراتيجية يجب ان تكون حاضرة في اذهاننا عندما نحاول فهم ما جرى في تونس مؤخرا وما سيجري في الفترة القادمة لتجنب سوء الفهم والتقدير والوقوع في فخ امريكا ولكن عن طريق حكومة مدنية تدعمها. فهل يمكن تفسير دعم امريكا لاسقاط بن علي خارج هذا الاطار الستراتيجي العام؟ وهل يمكن فهم لغز بقاء حكومة محمد الغنوشي التي شكلها بن علي وعبرت عن نهجه وسياساته خارج هذا الاطار؟
يتبع
22/1/2011