* لأن التاريخ في النهاية هو الذي يقول الكلمة الأخيرة، بعد أن يكشف رجاحة أو بطلان وجهات النظر كلها، سواء السياسية أو الاستراتيجية أو غيرهما، فإنه وعبر الوقائع ايضا يسقط الكثير من النظريات الفاسدة رغم الرواج الاعلامي لها، ولا شيء تنطبق عليه اليوم كلمة التاريخ والوقائع بقدر (الاستراتيجية العربية للسلام) التي اعتقد معتنقوها انها الطريق الآمن للاستقرار والابتعاد عن الحروب المباشرة، فاذا بالعرب لا يحصدون الحروب المتراكمة حدها منذ حرب الخليج الاولى وانما يحصدون معها كل اشكال الفتن الطائفية والعرقية، وسيناريوهات التقسيمات القائمة على استراتيجية مضادة تتبناها قوى الهيمنة الكبرى، التي تنظر الى (مشروع الشرق الأوسط الكبير) باعتباره مشروعا للتفتيت والتقسيم وتشجيع النعرات الطائفية والعرقية، وهكذا حتى تتكاثر الدول العربية من 22 دولة او 23، لتترشح الى مزيد من الأعداد والأرقام تصل الى ثلاثين دولة كبداية، مرشحة بدورها إلى تقسيمات اخرى لاحقة، وعليه فان الشرق الاوسط يصبح على وقعه وعلى وقع سايكس – بيكو2 شرقا أكبر، أي يصبح شرقا أوسط كبيرا.
{ منذ ان تبنى العرب استراتيجية السلام دخلوا بتزامن غريب افق استراتيجية الفوضى، التي واجهت بها الولايات المتحدة ومعها اسرائيل في ظل الصهيونية العالمية، نيات العرب السلمية بكثير من الخبث والاستغفال، والحق يقال فإن هذه الاستراتيجية المضادة لاستراتيجية العرب السلمية، لم تكن لتلقى مثل هذا النجاح، الا لأن النظام العربي سلّم (بتشديد اللام) قياده الى اعدائه تحديدا، وغفل عن معالجة القضايا الداخلية المتعلقة بالطموحات الشعبية، وضج اغلب الحكومات العربية بالكثير من اشكال الفساد الداخلي، فاشتعلت الدول العربية بالجمرة الخبيثة التي عنوانها تزايد حجم الهوة بين الأنظمة والشعوب في مختلف القضايا، وعلى رأسها السياسات العربية التي تظهر بوضوح متخبطة في الضعف والهوان وعدم استخدام الاوراق العربية، وما اكثرها! لتسيير المصالح العربية سواء الداخلية المتعلقة بشعوبها، او الخارجية المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني، الذي مهما تغافل النظام العربي الرسمي عنه، فانه سيبقى المحرك الاكبر والدينامو الحقيقي للكثير مما حدث في المنطقة العربية، وما يحدث الى اليوم.
{ قد يعتقد البعض ان المشهد السوداني – رغم المرارة فيه بانفصال الجنوب عن جسده الاكبر- هو آخر المطاف في السودان، ولكن الحقيقة تقول ان السودان مرشح إلى المزيد من الانقسام والتقسيم، وقد يسير (دارفور) بتشجيع غربي مماثل كما حدث للجنوب، في طريق المطالبة بالانفصال وهكذا دواليك، ليس (العراق) ببعيد عن ذات السيناريو التفتيتي وبقية أخرى من الدول العربية، فلعبة (الدومينو) التي تبناها الغرب الصهيوني ضد المنطقة العربية، تستمد قوتها الحقيقية من كل اشكال الضعف العربي، فلا الخليج بمأمن ولا مصر المحروسة بمنأى عن الفتن، وانما الخريطة العربية من المحيط الى الخليج تسير في ذات الدرب، الذي اختطته الأنظمة العربية حين تبنت استراتيجية السلام من دون سند القوتين الذاتية والخارجية وانما على أساس الضعف والتبعية.
{ لا شيء تحقق ولا شيء يتحقق في الوطن العربي، سواء على مستوى السلام أو على مستوى الاستقرار والأمنين الوطني والقومي، وانما تتصاعد ضربات الفوضى، وتعلو معها اصوات التمرد التي يعرف الغرب الصهيوني كيف يغذيها ويجعلها بؤر توتر وابتزاز دائمين، ولعل ذلك واضح في كل ما نراه اليوم سواء في السودان أو اليمن او مصر أو فلسطين أو لبنان أو الجزائر أو تونس أو المغرب وهكذا حتى خاتمة الدول العربية، التي لا يخلو أي منها، من ضجيج الفوضى أو الفتن أو التقسيم أو المطالب الحقوقية الشاذة، او عن باطل، والسبب تهافت العلاقات الداخلية بين اغلب الانظمة وشعوبها من جهة، وتسليم زمام الأمور العربية للصهيونية العالمية، التي تدير كلا من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني واغلب دول الاتحاد الاوروبي، حتى وصلت الاختراقات الاسرائيلية وحدها الى نخاع الدول العربية، وما تم كشفه في بعض تلك الدول انما هو غيض من فيض.
ولأنه عالم متحول ومتغير ومليء بالتحديات واطماع الدول الكبرى التي تسعى الى تأسيس امبراطورياتها، فإن تلك الاطماع لن تتوقف، حتى إن تراجعت مشاريعها عبر الحروب العسكرية المباشرة، فهناك ألف طريقة وطريقة لتمرير تلك المشاريع، عبر التلاعب بكل بؤر ومقدمات الفتن الداخلية في البلاد العربية، وعبر الضغوط وعبر الهيمنتين السياسية والاقتصادية، وكما يبدو فان واضعي الاستراتيجية العربية لا يريدون مراجعة استراتيجيتهم في البحث عن السلام، رغم ان الوقائع والتاريخ ومسار الاحداث، كلها معا، تبين لهم (الحصاد المر) الذي يجنونه اليوم، والذي ستزداد مرارته مع الايام، بعد ان نجد أنفسنا امام خريطة عربية فسيفسائية، هي الغاية والهدف الاخيران، من (مشروع الشرق الأوسط الكبير) الذي قرأ القادة العرب سطوره ولكنهم فشلوا حتما في قراءة ما بين السطور.
وللحديث بقية.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.