في اعقاب جريمة الاسكندرية الارهابية، بدأت على الفور حملة سياسية واعلامية واسعة في الغرب تتحدث عما اسموه "اضطهاد المسيحيين العرب"، وعن ضرورة التدخل لحمايتهم.
بابا الفاتيكان تحدث عن حماية الاقباط في مصر، مع انه ، كما قال الدكتور يوسف زيدان، يقاطع الكنيسة المصرية ولا يعترف بها، والكنيسة الارثوذكسية المصرية تعادي باباوات روما.
والرئيس الفرنسي ساركوزي، المعروف بعنصريته السافرة، لم يتورع عن الحديث عن عمليات "تطهير ديني" يتعرض له المسيحيون العرب.
ووزراء خارجية اوروبيون طلبوا ان تناقش قمة الاتحاد الاوروبي التي ستعقد في اواخر الشهر الحالي ما اسموه بـ "مسألة اضطهاد المسيحيين في المنطقة واتخاذ تدابير لحمايتهم".
وفي نفس الاتجاه تتحدث كثير من الصحف واجهزة الاعلام في الغرب، حتى ان صحيفة مثل "لوس انجليس تايمز" الامريكية كتبت تتساءل: "هل يمكن للمسيحيين في الشرق الاوسط ان يبقوا في بلدانهم".
قبل كل، شيء هذه الحملة السياسية والاعلامية وما تدعو اليه يندرج في اطار نفس المواقف والسياسات الاستعمارية الغربية المرفوضة مبدئيا. نعني انه ليس هناك أي مبرر سياسي او اخلاقي يعطي للغرب من حيث المبدأ الحق في الحديث عن حماية المسيحيين العرب تحت أي ذريعة. هذا تدخل سافر مرفوض في شئون داخلية عربية.
المسيحيون العرب هم مواطنون عرب يسري عليهم ما يسري على كل المواطنين العرب، وليس لأي طرف خارجي ايا كان ان يعتبر نفسه وصيا عليهم او مسئولا عنهم.
ومشاكل المسيحيين العرب هي جزء من مشاكل دولنا ومجتمعاتنا العربية بصفة عامة التي يعاني منها كل المواطنين بلا استثناء. وهي مشاكل جاءت نتاجا لأوضاعنا العربية العامة.
وحقيقة الامر انه ان كان هناك من طرف مسئول عن تفجير الازمات والمشاكل الكبرى في دولنا ومجتمعاتنا العربية، فهي الدول الغربية بالذات.
حين يتحدثون في الغرب مثلا عما يتعرض له المسيحيون في العراق.. من الذي دمر العراق، واطلق الصراع الطائفي عن عمد وتخطيط؟.. اليس هو الاحتلال الغربي؟
ومن الذي اطلق مشروع الفتنة الطائفية برمته في العالم العربي؟.. اليسوا هم في الغرب الذين يراهنون على هذه الفتنة لتحقيق مخططاتهم الاستعمارية؟
ومن الذي يمارس الارهاب في العالم على اوسع نطاق، ويوجد البيئة الملائمة للتطرف؟.. اليست هي الدول الغربية؟
ومن الذي يحتضن منذ سنوات جماعات مسيحية متطرفة تلعب ادوارا مشبوهة ضد دولها لا يمكن ان تكون مقبولة؟.. اليسوا هم في الغرب على نحو ما تفعل الولايات المتحدة باحتضان جماعات مسيحية مصرية متطرفة؟
اذن، كل هذه الدموع التي يذرفونها في الغرب على المسيحيين العرب واضطهادهم المزعوم، هي بالضبط دموع تماسيح.
غير ان اخطر ما في هذه الحملة الغربية انها تمثل في حقيقة الامر جناية غربية كبرى على المسيحيين العرب، وتسيء اليهم ايما اساءة.
هذه الحملة الغربية تصور المسيحيين العرب كما لو كانوا تابعين موالين للغرب ينتظرون حمايته. وليس هذا صحيحا. صحيح ان هناك جماعات مسيحية مشبوهة في الغرب، لكن المسيحيين العرب موالون لاوطانهم ويبحثون عن حلول لمشاكلهم في اطار اوطانهم.
وهذه الحملة التي تزعم تعرض المسيحيين العرب لحملات اضطهاد من جانب دولهم او من جانب جماعات اسلامية متطرفة، هي في حد ذاتها تشجع قطاعات من المسيحيين العرب على التطرف في مواقفهم استنادا الى الدعم الغربي. وهو تطرف لا يمكن ان يكون مقبولا في دولنا العربية، مثله في هذا مثل أي شكل آخر من اشكال التطرف.
الحقيقة الكبرى التي يعرفها الجميع، والتي نبه اليها بالفعل عشرات من الكتاب العرب بعد جريمة الاسكندرية، هي ان هذه الحملة الغربية التي تتحدث عن اضطهاد المسيحيين العرب وحمايتهم، ما هي الا مجرد ستار لمخططات غربية كبرى معروفة تستهدف تمزيق المجتمعات العربية وتقسيم الدول العربية . هي حملة استعمارية لا علاقة لها بأي مزاعم يرددونها عن حرص على المسيحيين العرب.
ولا ادل على ذلك من ان انطلاق هذه الحملة جاء مباشرة بعد جريمة الاسكندرية واستغلالا لها، مع ان الكل يعرف ان هذه الجريمة ما هي الا جريمة ارهابية بشعة تستهدف المصريين جميعا مسلمين قبل الاقباط.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.