{ في يوم ما ستدرك الأنظمة العربية، سواء التي لديها اتفاقيات سلام مع إسرائيل، أو تلك التي تستعجل التطبيع معها علنا رغم بعض علاقاتها السرية الحاصلة أصلا، ستدرك ان هذا الكيان الصهيوني ليس الا "عدو وجودي لجميع العرب" حكومات وشعوبا، وعدو يملؤه الحقد الدفين تجاه كل ما هو عربي، ولديه فلسفة عقدية خاصة قائمة على رؤية عنصرية تجاه العرب والمسلمين تحديدا، مفادها انهم أكثر من غيرهم وُجدوا لكي يكونوا عبيدا لليهود والصهاينة خاصة، وبالتالي فإن كل دبلوماسيتها واتفاقياتها وطلاوة خطابها عبر اللقاءات المباشرة بمسئولين عرب، او عبر بوابتها الامريكية المتصهينة، ما هي الا خداع المظهر الكاذب الذي لا يرى في العرب، كل العرب، الا مادة للاستغلال من قبل المخادعين الأذكياء، الذين تنطلي ألاعيبهم ووعودهم على الحمقى العرب أو المغفلين الذين وجدت الثروة في ايديهم بسبب "خطأ اركيولوجي" شحن الارض العربية بالنفط والموارد الطبيعية الاخرى، ولذلك فإن كل البلاد العربية في نظرهم (رهن الاستباحة) وان الذين يعتقدون انهم يحافظون على أمن أنظمتهم بالتورط مع الصهاينة، انما سيكتشفون مع الوقت، وربما بعد فوات الأوان، انهم سيخسرون حتى أمن أنظمتهم ماداموا قد فرطوا في أمن اوطانهم وأمنهم العربي القومي، فالثعلب الصهيوني، أيا تكن جنسيته، غير معني لا بحفظ أمن الأنظمة العربية ولا أمن الأوطان العربية، ومن يعتقد غير ذلك فهو واقع في فخ الحماقة الفادحة التي يعرفها الصهيوني جيدا، أو فخ الغفلة ويطلق عليها تسميات براقة كالاعتدال وغيرها لضمان استمرار فاعلية المكر الصهيوني وآلياته الخبيثة واستغفال السياسيين العرب.
{ نقول ذلك بعد ان تزايدت الاختراقات الإسرائيلية في الكثير من الدول العربية، منها ما انكشف ومنها ما هو رهن عدم الانكشاف بعد، فمن اختراق سياسي واختراق اقتصادي الى اختراق ثقافي وفكري عبر منظمات ومؤتمرات ثابتة، الى اختراق إعلامي عبر آلة الإعلام الصهيونية العالمية، وصولا الى شبكات التجسس الإسرائيلية في الاتصالات في العديد من دول الطوق العربية، حسب التسمية السابقة، كمصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق وفلسطين المحتلة، وغيرها من دول عربية، بما يفيد باختراق أمني صارخ ولأهداف عسكرية.
{ إن شبكات التجسس الإسرائيلية التي تم الكشف عنها في مصر مؤخراً، وقبلها في لبنان حيث الشبكة شبكات، وفي سوريا حيث جاءت اعترافات المصري (طارق عبدالعزيز) لتكشف عن ثلاث شبكات تجسس لصالح (الموساد) الإسرائيلي، تدل على ان إسرائيل التي تعقد اتفاقية سلام مع مصر، ومصر التي جعلتها اتفاقية "كامب ديفيد" في موقف سلبي من الصراع العربي – الإسرائيلي، هي في غير منجاة من الاختراقات الإسرائيلية الأمنية السرية.
ولربما يرى بعض المسئولين المصريين أن المسألة لا تتجاوز حدود جاسوس مصري تلقى 37 ألف دولار، لاختراق قطاع الاتصالات في مصر لصالح "الموساد" إلا أن القضية تحمل مؤشرات أكثر خطورة بكثير حيث انكشاف الشبكات ليس كاملا بعد ومن حيث أهمية إعادة النظام المصري لتعريفه للكيان الصهيوني، وباعتباره عدوا وليس أي شيء آخر، وباعتبار أن اتفاقية السلام هي لا تعني الشيء الكثير بالنسبة إلى إسرائيل من حيث العلاقة مع الأمن الوطني المصري، وإنما تلك الاتفاقية تعني تحديدا (الاستمرار في تكبيل دور مصر القومي في الوطن العربي) وأن إسرائيل التي تتجسس حتى على الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي أهم عناصر استمرار وجودها واستمرار وقاحتها وعدوانيتها في العالم، لن تتوانى في القيام بأي شيء ضد أي دولة عربية، مهما اعتقد نظامها العربي أنه في مأمن من التلاعب الإسرائيلي به، ولذلك من الحماقة في السياسة العربية، على مستوى انفرادي أو جمعي أن يأمن أحد من ساستها وقادتها لهذا العدو المتربص بكل شيء، وحلمه تدمير كل الأوطان العربية، الصديقة أو المناهضة، لتحقيق حلمه التاريخي بوضع اليد الصهيونية عليها، والهيمنة واستعباد شعوبها والسيادة عليها من النيل إلى الفرات.
{ إن تواتر انكشاف شبكات التجسس الإسرائيلية في البلاد العربية، لا يعني أن وجودها مقتصر على ما تم كشفه، بل ذلك يعني أن ما لم ينكشف بعد هو الأكثر، وربما هو يخترق كل البلاد العربية قاطبة، وهي تغط في نوم عميق، اعتقادا أنها في أمان.
والأغرب أن المسألة في تسهيل الاختراق لا تقتصر على العملاء السريين للموساد في البلاد العربية، وإنما هي تعتمد على تسهيل بعض الأنظمة العربية للمهمة الإسرائيلية، وهي تفتح أبوابها للاختراقات الإسرائيلية سواء كان المخترقون يحملون الجنسية الإسرائيلية أم كانوا يحملون جنسيات غربية أوروبية فيما هم جواسيس لإسرائيل، وهذا مما يعقد المهمة العربية، إن هي فكرت في مكافحة التجسس الإسرائيلي، في زمن لاحق.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.