معركة الذاكرة الوطنية
السيد زهره
منذ أيام، تابعت جانبا من حوار تلفزيوني مع الروائي الكبير جمال الغيطاني تحدث فيه من بين ما تحدث عن خشيته مما اسماه "تآكل الذاكرة الوطنية المصرية". وضرب مثالا على هذا بالبطولات العسكرية المصرية في حرب اكتوبر، وقال ان أغلب قصص البطولة هذه لم ترو بعد ولم تحفظها الذاكرة رغم مرور هذه السنوات على الحرب.
والحقيقة ان هذه قضية في غاية الاهمية. وهي بالطبع ليست قضية مصرية فقط، وانما هي قضية عربية عامة.
القضية هنا انه في فترات الانحسار والتراجع في حياة الدول والأمم كما هو حالنا اليوم في الوطن العربي، وفي كل الفترات في الحقيقة، يعد الحفاظ على الذاكرة الوطنية مهمة وطنية لها أهمية كبرى.
الذاكرة الوطنية هي الحافظ لكفاح الشعوب والأوطان، ورموز هذا الكفاح وصوره وتجلياته، وهي الحافظ لمصادر القوة والصمود في المجتمعات. وبالتالي، حفظ الذاكرة الوطنية واستعادتها هو في حد ذاته أحد أكبر الاسلحة في معارك النهوض والخروج من المحن وتجاوزها.
لكن السؤال المهم هنا هو، أي ذاكرة وطنية علينا ان نحافظ وان نستعيد بالضبط؟
هذا سؤال في غاية الأهمية لأننا في كل دولنا العربية لا نهمل فقط مسألة الحفاظ على الذاكرة الوطنية واستعادتها، ولكننا إزاء ظاهرة غريبة وخطيرة.
نعني ظاهرة اننا في الغالب الأعم، وعلى امتداد العقود القليلة الماضية، حين نستعيد الذاكرة الوطنية، نستعيد اسوأ ما فيها ، والذي يمثل الاسثناء وليس القاعدة.
ولنا هنا ان نتأمل الامثلة التالية:
فيما يتعلق بصراعنا التاريخي مع العدو الصهيوني مثلا، يحلو للكثيرين أن يستعيدوا فقط ذاكرة الهزائم والانكسارات في مواجهة العدو.
طبعا، الهزائم والانكسارات موجودة في تاريخ الصراع. ولكن ماذا عن ذاكرة البطولات والمقاومة والصمود في تاريخ الصراع. الأمر لا يقتصر هنا على ما أشار إليه الغيطاني من بطولات عسكرية مذهلة على الجبهة المصرية في حرب اكتوبر لا نعرفها ولم تحفظها الذاكرة، ولا ببطولات عسكرية على الجبهات السورية والفلسطينية واللبنانية مثلا. الأمر هنا أنه على امتداد سنوات الصراع، هناك في كل بيت مصري وسوري وعربي عامة، قصة بطولة وقصة صمود. وماذا عن الكفاح الاسطوري الذي خاضه الشعب الفلسطيني دفاعا عن أرضه ووطنه وقضيته؟
وخذ مثلا تلك الظاهرة التي نتابعها في أغلب دولنا العربية على امتداد السنوات الماضية والتي ترافقت مع المخططات الأجنبية لإشعال الفتن في دولنا ومجتمعاتنا وتمزيقها على أسس طائفية.
نعني ظاهرة أن الكثيرين يحلو لهم ان يستعيدوا فقط ذاكرة الخلافات الطائفية في تاريخنا، وذاكرة الفتن الطائفية.
طبعا، يوجد في تاريخ مجتمعاتنا أحداث فتن وقلاقل طائفية. لكن الأمر المؤكد ان ذاكرة الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني عبر حقب تاريخنا المختلفة، أكبر واكثر رسوخا. فلماذا إذن، لا نركز على استعادة ذاكرة الوحدة والتلاحم؟
وخذ مثلا تلك الظاهرة التي نتابعها ايضا في العقود القليلة الماضية، والمتعلقة بعروبة اوطاننا العربية. نعني بذلك، ظاهرة تركيز الكثيرين على استعادة الذاكرة الانعزالية للدول العربية، ومحاولة اثبات ان لكل دولة تاريخا وهوية بعيدا عن العروبة. هذا على الرغم من ان الذاكرة التاريخية لكل دولنا العربية هي بالأساس ذاكرة عروبية.
إذ نسوق مثل هذه الامثلة ، لا ينبغي ان يغيب عن بالنا ان تغييب الذاكرة الوطنية لدولنا ومجتمعاتنا العربية هو في القلب من المخططات التي تستهدف دولنا ومجتمعاتنا.
ليس جديدا القول هنا بأن هذه القوى الاجنبية التي تستهدف دولنا بمخططاتها، وكجزء من هذه المخططات، تسعى جاهدة لمحو تاريخ البطولات من ذاكرتنا عبر الضغط مثلا لتغيير مناهج الدراسة كي تحذف منها هذه البطولات. وهذه القوى يهمها جدا استعادة تاريخ الخلافات الطائفية وتصويره كما لو كان هذا هو تاريخنا وحسب. ويهمها ايضا الحيلولة بكل السبل دون التأكيد على ذاكرة العروبة والوحدة والتضامن في تاريخنا.
نقول هذا كي نلفت النظر الى ان الحفاظ على الذاكرة الوطنية واستعادتها بما يقوي جبهاتنا الداخلية ويعين مجتمعاتنا ودولنا في مواجهة التحديات الراهنة ، هي معركة يجب ان نخوضها، وهي مسئولية وطنية يجب ان يتنبه اليها الكل ابتداء من المؤسسات الرسمية وحتى كل اجهزة الثقافة والاعلام وقوى المجتمع المختلفة. هي معركة يجب ان ينبه اليها باستمرار المفكرون والكتاب في اوطاننا العربية.