بسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المسيحية المتصهينة… اصولها وجذورها
(الجزء الاول)
المسيحية المتصهينة… اصولها وجذورها
(الجزء الثاني)
العهد القديم والتلمود
نبيل ابراهيم
السؤال المهم ما هي علاقة العهد الجديد بالعهد القديم وهل المسيحي ملزم بالعهد القديم؟ الحركة الصهيونية تعمل في السر والعلن على هدم الأديان الأخرى من أجل إيقاع العالم في الفوضى والتفكك الخلقي تنفيذاً لمخطط الصهيونية في السيطرة على العالم. وقد تجلى ذلك بشكل أساسي بتحريف الإنجيل وإصدار نسخة صهيونية لأسفار العهد الجديد طبعت في القدس العام 1970 وعملت الصهيونية على نشر هذه الطبعة في مختلف الكنائس ونظمت المؤتمرات ودعمت شيع وبدع مسيحية متصهينة هدفها إقناع الجماهير المسيحية في أوروبا وأميركا بمساعدة اليهود لإقامة الدويلة الصهيونية تمهيداً لعودة المسيح المنتظر. وهكذا يسهل إفساد الرأي العام المسيحي وتحوير رسالته من طريق الخلاص الإلهي في الملكوت السماوي إلى بناء مملكة عنصرية على أرض فلسطين. وقد توجت حركة التحريف والتزوير في وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح التي صدرت عن المجمع المسكوني العام 1963
وقد استهدفت الصهيونية أولاً المسيحية الشرقية لأن الكنائس الإنطاكية هي الأقرب إلى روح المسيحية الحقة وهي الأصلب والأقدر على مواجهة محاولات التحريف والتزوير التي تقوم بها الصهيونية، كما أن الصهيونية تستهدف أولاً المسيحيين الشرقيين لأنهم عنصر مقاومة لمشاريعها التهويدية لذلك سعت وتسعى الصهيونية إلى تهجير المسيحيين من مشرقهم خاصة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان حتى تكون الأرض مباحة لتوسع الكيان الصهيوني وتهويدها للمنطقة من أجل بناء إسرائيل الكبرى. إن الصهيونية تنظر إلى المسيحية الشرقية بعداء وكراهية لأن الكنيسة الأنطاكية أصيلة وصلبة في التزامها بعقيدتها المسيحية والمسيحيون الأنطاكيون متشبثون بإنتمائهم إلى أرضهم ومتعلقون بجذورهم ومتمسكون بأصولهم وتراثهم العريق. وصراع المسيحية الأنطاكية مع الصهيونية هو صراع وجود لأنه صراع حضاري يمتد إلى الجذور التاريخية إنه صراع بين العنصرية والإلغاء من جهة والتسامح والمحبة من جهة أخرى
منذ ظهور المسيحية واليهود يكيدون للمسيحيين على مختلف انتماءاتهم المذهبية فمنذ أن ظهرت المسيحية في روما في القرن الثالث الميلادي دس اليهود أفكارهم التوراتية في كثير من تعاليم المسيحية الأوربية لكن الكنيسة الكاثوليكية تشددت تجاه اليهود واعتبرتهم الأكثر عداوة للمسيح وقد ظلت الكنيسة الكاثوليكية تحمل اليهود دم المسيح وتشيع بين أتباعها هذه المقولات حتى قامت حرب دموية ضد اليهود في كثير من بلدان أوربا وخلال ألف وسبعمائة عام ظل موقف الكنيسة من اليهود موقفاً معادياً حتى الاجتماع المسكوني الثاني في الفاتيكان عام 1964م، وعلى إثر الضغوطات المستمرة عبر مئات السنين اضطر بعض اليهود لاعتناق المسيحية ودخلت الكنيسة ذاتها معترك الحياة الدينية من عدة أبواب فمن ناحية همشت روما القدس وأصبحت روما مركز المرجعية الدينية المسيحية الكاثوليكية بعد عام 590م، وانبثق عن ذلك موقف كنيسي معاد للسامية أساسه جعل اليهود يتحملون وحدهم دم المسيح كما قلنا وترتب عليه أيضاً نظرة خاصة للتوراة العهد القديم هذه النظرة تقوم على تفسير التوراة ولا سيما نبوءات الأنبياء تفسيراً رمزياً وليس حرفياً واعتبرت الكنيسة أتباعها أرقى عرقاَ وأرقى إنسانية ما دعم بروز تيارات قومية غربية تدعي التفوق والواقع أنه استناداً على هذه النظرة برزت حروب دينية شنتها الكنيسة الأوربية على الكفار أي المسلمين واليهود على حد زعمهم ففي الحروب الصليبية شن الغربيون حرباَ دموية ضد المسلمين واليهود على السواء وبدأت منذ ذلك الوقت سلسلة من المجازر الدموية والعنصرية ضد كل ما هو غير كاثوليكي ففي بريطانيا وفرنسا وإسبانيا شنت حملات تصفية لليهود أو طرد وكذلك فعلت روسيا القيصرية فكانت مسرحاً لمذابح كبرى لليهود عام 1684م، على يد القوزاق
كتب اليهود المقدسة
التوراة
تعني كلمة التوراة حرفيا (تعليم)، أو تدريس وقد استعملت اللفظة في الكتاب المقدس بعض الأحيان بالمعنى العام كتعليم، لكنها تشير في التناخ إلى الوحي الذي نزل على بني إسرائيل بوساطة موسى في جبل سيناء (سفر التثنية 4: 44) وهذه هي الشريعة التي وضعها أمام بني إسرائيل. وهذه هي الشروط والفرائض والأحكام التي خاطب بها موسى بني إسرائيل عند خروجهم من مصر. إن التوراة بهذا المعنى، وتسمى أحيانا توراة موسى (عبري: خوميش موشيه)، تشتمل فقط على الأسفار الخمسة الأولى سفر التكوين، سفرالخروج، سفر اللاويين، سفر العدد، وسفر التثنية. إن طول هذه الأسفار هو تقريبا كطول الإنجيل، وطول القرآن. وتسمى التوراة اليهودية الكاملة بالاسم العبري المختصر (تناخ.) وهذه اللفظة مركبة من الحروف الأولى للأجزاء الثلاثة المهمة: التوراة (الأسفار الخمسة الأولى)، الأنبياء (نفيئيم)، والكتابات (كتوبيم: المزامير وسفرالأمثال، ونشيد الإنشاد)، وبقية أسفار الحكمة وغيرها. واليوم تشير لفظة التوراة، أو سفر التوراة كذلك إلى المخطوطة اليدوية التي تضم أسفار التوراة الخمسة الأولى التي توضع في مكان خاص في كل معبد يهودي. ترتل هذه المخطوطة كل يوم سبت في الصباح في أثناء طقوس العبادة على مدار السنة كجزء من أداء شعائر الصلاة في المعبد. يرتل جزء مختلف كل أسبوع ابتداًء من أول آية من سفر التكوين وانتهاء بآخر آية من سفر التثنية، بحيث تتم قراءة التوراة بالكامل (الأسفار الخمسة الأولى) كل سنة. ويعتبرالتناخ اليهودي مقدس بكامله لكن الأسفار الخمسة الأولى (أسفار موسى) أكثر قداسة لأنها تمثل الوحي الإلهي المباشر على بني إسرائيل في جبل سيناء. التوراة كتاب مقدس بالرغم من أن لفيقة التوراة نفسها لاتحتوي إلا على الأسفار الخمسة الأولى (البنتاتوخ كما يدعى في اليونانية وفي بعض لغات الغرب) فإن التناخ العبري بكامله يعد مقدساً. الأقدم والأقدس هو البنتا توخ (أسفار موسي) الذي يشتمل على 613 أمراً إلهياً تقليدي حول السلوك، علاوة على سرد تاريخ العالم وتكوينه وتاريخ البشرية وبني إسرائيل. تبدأ التوراة بالتكوين وتنتهي ببني إسرائيل، وهم على أهبة العودة إلى بلاد إسرائيل بعد أن نزلت عليهم التوراة فيجبل سيناء، وبعد أن تاهوا أربعين سنة
الأنبياء
تعتبر الكتب التي يضمها سفر الأنبياء (نفيئيم( القسم الثاني من التناخ وهي تاريخية في طبيعتها، وتصف مراحل تاريخ إسرائيل منذ غزوأرضها تحت يشوع إلى فترة تدمير المعبد الأول. يصف سفر يشوع الإسرائيليين عنددخولهم إلى أرض إسرائيل ويحتوي سفر القضاة (عبري: شوفتيم) على مواد تتعلق بقبائل إسرائيل الاثنى عشر التي تعيش في مناطقها المستقلة السفران المعروفان بسفر صموئيل الأول وسفر صموئيل الثاني يحتويان على تاريخ قيام وتعزيز المملكة الإسرائيلية، أولا تحت حكم شاؤول وثانيا تحت حكم داود. السفران الأول والثاني من سفر الملوك يوردان خلافة سليمان وتمزيق المملكة بعد موته، والانقسام إلى مملكة يهودا ومملكة إسرائيل وتاريخهما خلال تدمير إسرائيل من قبل الأشوريين سنة 722 قبل العصر الحالي وتدمير يهودا من قبل بابل سنة 586 قبل العصر الحالي.
وتشتمل بقية الأسفار من هذا الجزء المعروف بالأنبياء على أسفار الأنبياء الخاصة لكل من أشعياء وارميا وحزقيال، واثني عشر سفرا قصيرا للأنبياء الآخرين.
الكتابات
الجزء الثالث من التناخ المعروف بالكتابات (عبري كتوبيم) هو مجموعة متنوعة. الزبور وكتاب المراثي وهي أشعار شخصية وتعبدية. نشيد الإنشاد (تسمى أحيانا أغنية سليمان بالإنجليزية) هي مجموعة من قصائد الحب. وتتطرق سلسلة الأسفار التي يطلق عليها بعض الأحيان مجتمعة أدب الحكمة، إلى الأفكار القديمة حول الأخلاق والآداب الاجتماعية ومكانة بني الإنسان على الأرض والموضوعات المتشابهة. وتشتمل هذه على سفر الأمثال، وسفر أيوب وسفر الجامعة. وتشتمل الكتابات أيضا على أعمال تاريخية مثل سفر راعوث (ويلات) وسفر عزرا أو سفر نحميا أو سفر أستير، وسفري الأخبار الأول والثاني وهي الأخبار الرسمية لمملكة إسرائيل. وسفر دانيال وهو ربما يكون آخر الأسفار التي أضيفت إلى التناخ العبري وهو مزيج من التاريخ والرؤي
يسمى تناخ باللغة الإنجليزية Bible ويسميه اليهود التوراة العبري Hebrew Bible لكن المسيحيين يطلقون عامة على التناخ العهد القديم Old Testament هذه اللفظة الأخيرة تعكس عنصرا أساسيا في الديانة المسيحية لأنها تصف التناخ كممثل لعهد قديم لا يكون له معنى منذ ظهور المسيح إلا في العلاقة بالعهد الجديد New Testament وبحسب هذا المعتقد، فإن العهد القديم مع اليهود لم يعد وظيفيا بينما العهد الجديد ينطبق فقط على المسيحيين أولئك الذين يؤمنون بقوة الخلاص لدي المسيح. تذهب المسيحية إلى الاعتقاد أنه، منذ ظهور المسيح، لا يمكن أن تكون هناك علاقة إلهية أخرى حقيقية إلا عن طريق المسيح. لقد تحقق العهد القديم من خلال الالتزام بالأوامر الإلهية، لكن هذه الأوامر القديمة ألغيت منذ ظهور المسيح. وبما أن العهد القديم لا يشير بشكل واضح إلى المسيح، لكن بالأحرى يشير إلى ميثاق مبنى على أوامر إلهية، فإنه لم يعد ملزما في حد ذاته. فالعهد القديم، بالنسبة للمسيحية لا معنى له إلا في حدود ارتباطه بولادة المسيح، ورسالته، وإيمانه. أما اليهود، من جهة أخرى، فإنهم لا يؤمنون بالولادة العذرية للمسيح، ولا يؤمنون بأن المسيح ابن الله، أو أنه المخلص المنتظر
فبالنسبة إليهم فإن قدوم المسيح سيأتي بخلاص العالم بأسره. وبما أن عيسى لم يأت بخلاص العالم فإنه لايمكن أن يكون هو المسيح بحسب الديانة اليهودية. فإن كان بعض اليهود يلتزمون أكثرمن الآخرين بالأوامر الموجودة في التوراة، فإنه لا يوجد يهودي يعتقد أن قوة الخلاص للمسيح يمكن أن تقود إلى النجاة الخاصة. وبسبب كون العهد الجديد يتحدث بكامله عن قصة المسيح كمنقذ، وهذا شيء بعيد عن الاعتقاد اليهودي، كما أشير إليه سابقا فإن اليهود لا يقبلون العهد الجديد كجزء من كتابهم المقدس.
والتناخ الكامل هو عبارة عن مجموعه كبيرة جدا من الكتب (الأسفار) التي تمتد على طول ألف عام تقريبا. يعتبر كله مقدسا، لكن بحسب التقليد، فإن التوراة فقط هي التي تعتبر من الوحي الإلهي المباشر على جبل سيناء. وتعتبر بقية أقسام التناخ موجهة من الله إلى أنبياء التناخ، أو أنها من وحي إلهي بشتى الطرق، لكن معظم أقسام التناخ، باستثناء التوراة، لا تعتبر من كلام الله المباشر. تشكل الكتب الموجودة في سفر الأنبياء وسفر النصوص جزءا من الأدب الوطني الطويل والقديم للشعب اليهودي. وقد كتب كثير من المواد من قبل بني البشر الذين قاموا بهذا العمل تلبية لما فهموا أنه استجابة لإرادة الله وأوامره
التلمود
لقد تطور تقليد موازٍ من الحكمة اليهودية منذ نزول التوراة في جبل سيناء، ويشار إليه عادة بالقانون الشفوي أو التوراة الشفاهية. إن هذا التقليد بحر من المعرفة الشفاهية التي نقلها جيل إلى جيل عبر قرون عديدة. لم يدون هذا التقليد كتابة عدة مئات من السنين، لكنه انتقل بطريقة الخطابة من حكيم إلى تلميذ، ومن والد إلى طفل. تشتمل هذه المدونة الكبيرة من الحكمة على قصص وأساطير وعلى مناقشات الحكماء حول الأدب والأخلاق، وعلى الأحاديث بين الحاخامات حول القضايا القانونية، وتشتمل على الأمثال والدروس والقصص الأخلاقية، وعلى البراهين القانونية التي تحلل مسائل دقيقة في القانون الإلهي. ولقد تم في النهاية جمع هذا التقليد الشفاهي وتمت كتابته وتدوينه عبر عدد من القرون ابتداء من 200-600 تقريبا، في العراق (معروف لدى اليهود ببابل) الذي كان يعيش فيه اليهود المسبيون ولقد تم جمع التقليد الشفاهي الذي يعتبر أكثر سلطة وإلزامية في مجموعتين تسميان المشناة والجمارا التي يكلف عليها التلمود مجتمعة. ويسمى التلمود