الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس عن العراق في ظل لاحتلال الامريكي، والتي بلغت نحو 400 الف وثيقة، اثارت ومازالت تثير الكثير جدا من الجدل.
والحقيقة ان هذه الوثائق على كثرتها الغريبة، لم تأت مبدئيا بأي جديد لا يعرفه العراقيون ولا نعرفه نحن ولا يعرفه العالم عن الاحتلال الامريكي وجرائمه المروعة في العراق. بل انه في كثير من الجوانب التي تكشف عنها هذه الوثائق، فان الحقائق المعروفة عن الجرائم الامريكية اكبر بكثير مما كشفته.
لا جديد مثلا عن كشف جرائم التعذيب التي ارتكبت بحق المعتقلين العراقيين. فكما نعلم، حين تفجرت فضيحة سجن ابوغريب، ظهرت الى العلن وقائع وحقائق مروعة عن جرائم التعذيب عموما.
ولا جديد ايضا في حديث الوثائق عن جرائم القتل العمد للمدنيين العراقيين. بل ان التقديرات في السابق، وهي الاقرب الى الصحة، عن اعداد القتلى المدنيين على يد الاحتلال وفي ظله هي اكبر بكثير جدا من تقديرات الوثائق.
ولا جديد مثلا، في الحديث عن دور المالكي والميليشيات الحكومية في المشاركة في الجرائم الطائفية التي ارتكبت بحق الشعب العراقي وجرائم القتل.
وايضا، لا جديد في الحديث عن دور ايران في تسليح وتمويل الميليشيات الشيعية في العراق. فهذا حديث قديم معروفة ابعاده.
ولكن ليس معنى ان الوثائق لا تحمل جديدا كثيرا في جوهرها عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، انها ليست مهمة، او ان نشرها ليس له قيمة.
بالعكس، نشر الوثائق له اهمية كبيرة جدا من زوايا كثيرة اهمها ما يلي:
الاول: ان هذه الوثائق هي وثائق عسكرية امريكية رسمية. بالتالي، ليس هناك أي مجال للتشكيك في صحتها او في مصداقيتها، وفي مصداقية ما تتضمنه من معلومات عن جرائم الحرب الامريكية في العراق.
بعبارة اخرى، هذه الوثائق هي بمثابة اعترافات رسمية امريكية بجرائم الحرب والابادة التي تم ارتكابها بحق الشعب العراقي.
الثاني : ان نشر هذه الوثائق جاء ليوقظ العالم مجددا الى حقائق لم تعد تحظى بالاهتمام والالتفات العام فيما يتعلق بجرائم الحرب والابادة التي ارتكبت في العراق.
في الاشهر الماضية، لم نعد نقرأ كثيرا عن هذه الجرائم ولم نعد نلمس حتى على الصعيد الاعلامي اهتماما بمتابعتها واهتماما بمعرفة ابعادها. ولكن بعد نشر هذه الوثائق، نتابع في الايام الماضية سيلا هائلا من الكتابات في شتى انحاء العالم حول جرائم الاحتلال الامريكي. ايضا، اصبحنا نلمس نفس الاهتمام من دوائر سياسية عالمية شتى.
والثالث: ان نشر هذه الوثائق بما كشفت عنه من ابعاد جرائم الاحتلال، وبما اثارته من اهتمام اعلامي وسياسي كما ذكرنا، يأتي ليلفت النظر الى القضية الاكبر في كل هذا. نعني قضية ضرورة محاكمة مجرمي الحرب الامريكيين والبريطانيين ايضا الذين ارتكبوا هذه الجرائم في العراق.
لكن نشر هذه الوثائق جاء ليجعل مطلب محاكمة هؤلاء مطروحا بالحاح.
وقد لمسنا بالفعل في الايام القليلة الماضية تصاعد الدعوة مجددا في الغرب اعلاميا وسياسيا للتحقيق في هذه الجرائم ومحاكمة مرتكبيها. لكن للأسف اغلب هذه الدعوات تتوجه اساسا الى الرئيس الامريكي اوباما. الكثيرون كتبوا وادلوا بتصريحات ملخصها انه بعد نشر هذه الوثائق، فان اوباما اصبح ملزما اخلاقيا وسياسيا بأن يفتح تحقيقا في هذه الجرائم ويحاسب مرتكبيها حسب القوانين الامريكية.
لكن الكل يعلم ان هذا لن يحدث.. ان اوباما لن يفعل هذا ابدا. فهو يعرف عن هذه الجرائم تفصيلا، والدعوة لمحاكمة جورج بوش واركان ادارته ليست جديدة. لكن اوباما لم يفعل أي شيء. وليس متصورا ابدا ان يفعل أي شيء.
وحتى الآن، لم يخرج رد الفعل الامريكي الرسمي كالعادة عن ادانة نشر الوثائق، والقول بأن نشرها يهدد حياة الجنود الامريكيين. اما الجرائم نفسها التي كشفتها الوثائق، فلا تعني شيئا بالنسبة للمسئولين الامريكيين.
نريد ان نقول انه ان كان نشر الوثائق قد ذكر العالم بأن مجرمي الحرب الامريكيين والبريطانيين الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم مازالوا طلقاء، فانه تذكير ايضا بأن مسئولية تقديمهم الى المحاكمة هي مسئولية المجتمع الدولي بأسره.
بعبارة اخرى، من المفروض ان يعطي نشر الوثائق دفعا كبيرا للدعوة الى تقديم هؤلاء المجرمين الى محاكم دولية تحاكمهم على جرائمهم.