القرار الجريء أو الشجاع يحتاج على الدوام الى رجل جريء أو شخصية شجاعة ليواجه كل التحديات التي تنتج عن قراره، وقد تجسد ذلك حقيقة في شخصية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة وزير المالية ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية حين اتخذ قرارا شجاعا يقضي بإلغاء العقود المؤقتة لمن تم تعيينهم في مناصب استشارية بالهيئة مطلع هذا العام.
والمتتبع لهذه المجموعة ممن تقاعدوا، ثم أعيدوا بطريقة ملتوية، فأصبحوا يتسلمون على ضوء التعيين الجديد بدل الراتب، راتبين، الأول من تقاعدهم، والثاني جراء تعيينهم من جديد بالهيئة بصفة مستشارين، فتضاعفت رواتبهم لدرجة أن راتب أحدهم تجاوز 8 آلاف دينار في الشهر.
وعلى النقيض، نجد ان قرار (إنهاء العقود المؤقتة)، بقدر ما هو قرار شجاع، فلقد وفر على ميزانية الهيئة المستنزفة اكتواريا 180 ألف دينار في الشهر.. تصوروا هذا المبلغ! ألا يفترض ان يحاسب هؤلاء الذين ادعوا (الاستشارية) من منطلق من أين لك هذا؟ وعلى أي أساس تسلموا راتبين؟
وحقيقة ان هناك إشادة من الموظفين والمتقاعدين بخطوات وزير المالية في تتبعه قضية التعيين المؤقت للمستشارين بعد نشر "أخبار الخليج" مؤخرا عمودا بعنوان "6 آلاف دينار" منوهين الى أن هذا القرار سليم وحكيم لمعالجة مسألة مدى الحاجة الفعلية الى هذه المناصب الاستشارية الجديدة، وهل تتطلب رواتب بمثل هذه الضخامة تستنزف في النهاية أموال الهيئة.
كما تبين ان من شملهم إنهاء عقودهم من المديرين غير راضين عن هذه الخطوة التي جاءت في محلها، وفي نصابها حفاظا على أموال المؤمن عليهم، لكونهم لم يشبعوا مما حصلوا عليه، وكأنهم مع مقولة: (هل من مزيد).
ولا أدري لماذا لم يستوعب هؤلاء المسئولون الذين نصبوا أنفسهم (مستشارين بالهيئة) أن استمرار نزيف أموال الهيئة لابد ان ينكشف يوما ما شاؤوا أم أبوا.. وعلى هذا الأساس أعرب عدد كبير من الموظفين بالهيئة العامة عن أن خطوة إيقاف أصحاب العقود المؤقتة عن العمل بالهيئة، جاءت في محلها، وفي إطارها الصحيح.
ويتمنى الجميع في الوقت ذاته أن يواصل رئيس الهيئة مشواره في التوجه لوقف التعيينات غير القانونية، وفتح باب الترشيح والتعيين بالهيئة على أسس الكفاءة بعيدا عن المحسوبية، ووقف النزيف المادي للهيئة، وبالتالي فتح صفحة جديدة ناصعة في سجل تاريخ الهيئة.
واسمحوا لنا ان نضرب مثالا على أحد التجاوزات المالية بالهيئة، وهو أن قرابة 3 ملايين دينار تدفع سنويا كمكافآت للمديرين والمسئولين، تصوروا ذلك!.. والأنكى من ذلك ان احد المديرين التنفيذيين المتقاعدين مازال يمثل الهيئة في اجتماعات بعض مجالس ادارات البنوك والشركات، ويتقاضى بالمقابل 120 ألف دينار في السنة مقابل حضوره 20 ساعة.
ولو قسمنا 120 ألف دينار على 20 ساعة، لوجدنا ان هذا المدير يستلم 3500 دينار عن كل ساعة يحضرها، وهذا نموذج واحد لعب دورا في ان تشهد الهيئة عجزا اكتواريا مرتفعا جدا جدا جراء هذه السلوكيات وجراء تراكمات مصروفات سابقة.
لذا نقول لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية الشيخ أحمد إن جميع الموظفين والمتقاعدين والشرفاء وشعب مملكة البحرين يحيون فيكم هذه الروح الجريئة، والقرار الشجاع، واثبتم أنكم رجل شجاع استجاب لما نشر في "أخبار الخليج"، واستمعتم الى ملاحظات لجنة الدمج بشأن اعادة النظر في العديد من الأمور المتعلقة بتركيبة وميزانية الهيئة ومستقبلها.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.