تحدثت بالأمس عن تحليل الروائي والكاتب الهندي الذي ناقش قضية قطاع من المثقفين الامريكيين والبريطانيين ومواقفهم المخزية من غزو واحتلال العراق ، واعتبر ان اقلام هؤلاء مغموسة في الدم.
الآن، ماذا عن المثقفين العرب ومواقفهم ازاء نفس القضية؟
كما نعرف، فإن نفس الظاهرة التي تحدث عنها الكاتب شهدناها في دولنا العربية.
نعني ان عددا لا يستهان به من المثقفين والكتاب والصحفيين العرب والشخصيات العامة دافعوا عن غزو واحتلال العراق ، ورددوا نفس المبررات والدعاوى التي رددها الامريكيون في ذلك الوقت.
بعبارة اخرى، كان هؤلاء المثقفون العرب مجرد ادوات لنقل الخطاب الاستعماري الامريكي الى الرأي العام العربي.
هذا من دون ان نتحدث عن المثقفين الذين صمتوا عن جريمة الغزو والاحتلال.
اذا كان الكثيرون في الغرب يعتبرون ان مثقفيهم الذين برروا الغزو والاحتلال وتواطأوا معه او صمتوا عنه ارتكبوا جريمة، على نحو ما اوضح هذا التحليل، فمن البديهي ان نعتبر ان مثقفينا العرب الذين فعلوا ذلك جريمتهم اكبر واشنع. فنحن نتحدث هنا عن بلد عربي تعرض لجريمة الغزو، ونتحدث عن اوطان عربية كان من المفهوم انها جميعا سوف تدفع ثمن هذه الجريمة.
وجريمة المثقفين العرب اكثر شناعة من جريمة المثقفين في الغرب لسبب آخر غير هذا.
في الغرب ، على الاقل، فإن كثيرا من المثقفين والكتاب راجعوا مواقفهم، وكتبوا يعتذرون علنا للرأي العام عن مواقفهم السابقة وعن تأييدهم للغزو والاحتلال ، وصمتهم عن الجرائم الامريكية.
لم نشهد شيئا مثل هذا يحدث في الدول لعربية. لم نسمع احدا من المثقفين والكتاب الذين دافعوا عن جريمة الغزو وبرروها قد راجعوا مواقفهم او اعتذروا عنها.
الاخطر من هذا ان كثيرا من المثقفين العرب لم يتعلموا شيئا على الاطلاق من كارثة الغزو والاحتلال وما انتهت اليه من كوارث للعراق وللمنطقة كلها.
معروف مثلا ان من اشنع الكوارث التي ترتبت على الاحتلال ، ونتجت عن جرائمه في العراق ، جريمة اطلاق غول الطائفية في العراق من عقاله. وبحيث تفجر الصراع الطائفي الدموي على نحو ما نعرف، واصبحت مقادير العراق والشعب العراقي بيد الاحزاب والقوى الطائفية.
ومعروف ان هذا الخطر الطائفي المدمر انتقلت تأثيراته الى المنطقة بأسرها، في الخليج وفي كل الدول العربية.
وبدلا من ان يتعلم المثقفون العرب هذا الدرس المرير ويكرسوا جهودهم من اجل مواجهة الخطر الطائفي والتصدي لتأثيراته المدمرة. وجدنا العكس تماما في أحيان كثيرة.
وجدنا مثقفون وكتاب يروجون للطائفية ويحرضون عليها في كتاباتهم وبصور شتى.
هؤلاء اقلامهم مغموسة في الدم.
وجدنا مثقفين وكتابا وقوى سياسية تحرض على العنف والتخريب، وتدمر النسيج الوطني ، وتشعل الفتن الطائفية.
وهؤلاء اقلامهم مغموسة في الدم ، والسنتهم ايضا.
وجدنا صحفا عربية تتبنى اجندات اجنبية لاشعال الفتن الطائفية، وتتحالف مع قوى معادية لأوطانها، وتروج لهذه الاجندات فيما تنشر وتكتب.
هذه صحف ، العاملون فيها اقلامهم مغموسة في الدم.
وقس على هذا.
وهكذا، على عكس ما كان مفترضا ان يحدث بعد ان اتضحت ابعاد جريمة غزو واحتلال العراق ، وبعد ان اتضحت الابعاد الكارثية من وراء تنفيذ المخططات الاجنبية ضد دولنا ، على العكس من هذا، وجدنا كما رأينا مثقفين وقوى كثيرة اقلامها واياديها والسنتها مغموسة في الدم.
جريمة هؤلاء بحق مجتمعاتنا ودولنا ومستقبلنا كله ، لا يمكن ان تغتفر.