أيتها الأخوات أيها الأخوة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحييكم جميعاً باسم التجمع القومي الديمقراطي في هذا المهرجان الخطابي الذي من خلاله نتصدى إلى أحد أهم القضايا أو الملفات الوطنية، هذا الملف الذي كان ولا يزال وسيبقى يشغل الساحة السياسية والوطنية ويستحوذ على اهتمام الرأي العام، أنه أيها الأخوة ملف "أملاك الدولة والثروات الوطنية" والتقرير الذي أصدرته لجنة التحقيق في مجلس النواب، وصار منذ ذاك اليوم حديث الشارع وهو لازال يستصرخ الضمائر الحية في هذا البلد من أجل إرجاع الحق الضائع والمال المسلوب؟؟
أن المعلومات الموثقة التي رشحت من بين تفاصيل التقرير، والمعلومات المعروفة والمتداولة بين الناس، بقدر ما تحمل من دهشة واستغراب، فإنها تحمل أيضاً الكثير من الآلام والأوجاع نظراً لما تكشفه هذه المعلومات من حقائق عن بعض صور الفساد وما تقدمه من أذلة لا تقبل الشك عن طبيعة بعض النفوس والذمم المنخورة التي تتاجر بمعاناة الناس وتصادر حقوقهم ؟؟
بالرغم من أن قضية واحدة في هذا الملف – وهي قضية الأراضي المنهوبة – لا تمثل في الواقع سوى قمة جبل الفساد الغاطس؟؟لذلك فأن الوقوف على تفاصيل هذه القضية وأهمية التقرير الصادر بخصوصها لا تكمن فقط في التفاصيل والمعلومات الموثقة كما أشرنا قبل قليل، بل أننا ننتظر إلى هذا التقرير وما أستحوذ عليه من اهتمام ومتابعة من قبل كل الأوساط السياسية والشعبية في البلاد،كونه يمثل فرصة تاريخية ونادرة لفتح ملف الفساد على مصراعيه والتصدي بروح من المسؤولية الوطنية في معالجة ملف "الأموال العامة" و "الثروات الوطنية" ووضع أسس حمايتها من التعدي والتلاعب بها، وكذلك معرفة سبل أو طرق استغلالها انطلاقا من المصلحة العامة للوطن والناس.
كما أننا ننظر إلى أهمية هذه القضية من زاوية ما يمكن أن تؤول أليه من مصير أو ما يمكن أن تقود إليه من نتائج أو تفرزه من حلول وما تحمله من تداعيات سياسية واجتماعية، بمعنى هل نحن أمام وقفة جادة وصادقة لتصحيح الأوضاع المنحرفة التي أدت على كشف ما هو مستور؟؟ أما أننا سنكون مع مجرد خطوة "ترقيعية" أو "حقنة مخدرة" لامتصاص أو تسكين الآلام وغضبة الشارع؟؟
أننا في الحقيقة أمام خيارات أو منعطف سوف يكشف لنا حتماً مدى جدية أو جدوى الحديث عن الإصلاح وعن دولة الدستور والقانون والمؤسسات، والخطوات التي قطعناها على هذا الطريق، كما سيكشف عن مدى عزمنا على المضي في ترسيخ وإرساء قيم العدالة والمساواة باعتبارها أهم الأسس التي قام عليها المشروع الإصلاحي في البلاد؟؟
وأخيراً سوف يكشف لنا مدى رغبتنا أو قدرتنا على التصدي الفعلي لكل مظاهر الفساد ومحاسبة الفاسدين في كل المواقع والمستويات، وما يتطلبه هذا الأمر من خطوات حازمة وحاسمة في إحقاق مصلحة الوطن وحفظ حقوقه من الضياع والتلاعب على مستوى التشريع والتنفيذ.
أن الحقائق التي حملها التقرير – هي حقائق فاضحة وموجعة – كما قلنا فقد أكد وجود تجاوزات وتعديات على مساحات هائلة من الأراضي والعقارات العائدة للدولة والتي تصل أسعارها إلى المليارات من الدنانير، وإذا أضفنا إليها تلك المساحات الكبيرة أيضاً من الدفان والتجريف سوف نعرف حجم المبالغ الضائعة، التي كان من الممكن توظيفها أو استغلالها لمصلحة الوطن والناس، وهذا ما يؤكد للأسف أن هناك تسلطاً فاضحاً للنفوذ على سلطة القانون وان هناك فوضى وإخفاق لا حدود لهما في طريقة أداة أملاك الدولة والمحافظة على المال العام.
وفي مقابل هذا الضياع والاستنزاف للثروات الوطنية، هناك المواطن الذي يأن من قسوة العيش، وقد ضاقت به الدنيا ويبحث عن قطعة أرض أو سكن يأويه، مواطن يبحث عن مستشفى أو مركز علاج دون أن ينتظر شهوراً للحصول على موعد لتلقي العلاج قبل أن تتدهور صحته؟؟
مواطن مازال يسمع الحديث المستمر والمكرر عن محدودية الراضي وقلة الموارد ونقص الموازنات؟؟؟
مواطن مطالب دوماً بترشيد النفاق والاستهلاك، والتمسك بقيم النزاهة والشرف التي نحاول غرسها في عقله ووجدانه وهو يبحث عن قدوة حسنة أو مثل أعلى يتطلع إليه، في مواجهة أصحاب الذمم الخاوية والضمائر الميتة.
من هنا نحن نرى أنه لا سبيل إلى إحقاق الحق سوى طريق إرجاع كل ما تم وضع اليد عليه – سابقاً ولاحقاً – أن مصداقية الدولة على المحك، ولابد من معالجة هذه القضية معالجة جادة وحقيقية لأنها قضية تمس حاضر ومستقبل البلد وأجياله.
وانه لا سبيل على إرجاع ثقة المواطن المحبط، وبعث بصيص من الأمل في نفسه سوى التعاطي الحكومي الجاد مع ملف الفساد والإثراء غير المشروع، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في جريمة سرقة المال العام وتقديمه للمحاكمة لينال جزاءه العادل.
أنها فرصة تاريخية سانحة قد أتاحها صدور هذا التقرير والتي يجب أن لا تمر مرور الكرام، أنها فرصة تضعنا جميعاً كحكومة وقوى سياسية ومنظمات شعبية أمام تحدً كبير، وعلينا أن نكون بمستوى هذا الحدث الهام، وان يكون هدفنا واحد هو استعادة كل الموال والأراضي المسلوبة ومحاسبة المسئولين عن هذا التجاوز والتعدي وأن يكون شعارنا العدالة والقانون أولاً وأخيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته