تنويه :: نشر هذا المقال في العديد من المواقع العراقية في الاسبوع الاولمن شهر كانون الثاني 2004
حين اتخذنا، وكما فعلت قطاعات واسعة من أبناء شعب العراق وقواه السياسية، موقفا رافضا لصيغة مجلس الحكم الانتقالي وأعضائه، لم ننطلق من كون المجلس ابنا غير شرعي لوالد سفاح فحسب، بل من إدراكنا لخلفية ونوايا أغلبية أعضائه، ولإيماننا المطلق بأنهم مجموعة لا تتوفر فيها مقومات المواطنة الصادقة ، وغير قادرة على قيادة العراق وإدارة شئونه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وغير جادة في شعاراتها ، وغير حريصة على مصالح العراق و شعبه.
قد يختلف البعض مع هذا الموقف ، وقد يجد بعض أنصار المجلس في كلماتنا الكثير من الإجحاف ، إلا إننا نحيلهم إلى السجل المخزي لإنجازات المجلس على كافة الأصعدة، ونحيلهم إلى ما يجري في العراق اليوم من ظواهر شاذة وخطرة لم يشهدها العراق في أحلك وأتعس مراحله. هل يستطيع مطبلوا المجلس وأصدقاء وزير الثقافة ووكلاء احمد الجلبي ورفاق أياد علاوي أن يدلّونا على مرحلة تم فيها ذبح العراقيين في جنوب العراق بشكل علني ووحشي – كَمِثال؟! لنكن واضحين ،هذه ليست أفعال العراقيين على الإطلاق، فهم أنبل من ذلك. هذه أفعال الغوغاء اللذين اُدخلوا تحت رايات ألوية دُرِّبت وثُقفت في إيران وإسرائيل. وهل بوسع المدافعين عن المجلس الاشارة الى مرحلة سيطرت فيها عصابات عرقية على مدن الشمال ، تعمل على فرض مشروعها الانفصالي المدمر لوحدة العراق بقوة ومنطق البندقية والمسدسات الكاتمة وترهيب الكتّاب العراقيين حتى المقيمين منهم خارج العراق ؟!.
موقفنا الرافض لمجلس هذا لم يستند على عدم خبرة أعضائه وحسب، بل انه مبني على بديهية بسيطة، وقراءة استقرائية لتاريخ الشعوب . بديهية ترفض وتشكك في المصداقية الوطنية لكل فرد تعامل مع قوى أجنبية على استباحة بلده واحتلاله! وإذا كنا قد ابتعدنا عن الحقيقة في هذا الموقف فليقدم لنا مناصري المجلس مثالا تاريخا واحدا لفرد خدم شعبه من خلال تعامله مع محتلي بلده ومدمريه؟؟
لقد سبق للعديد من أعضاء المجلس، ولاسيما "التسعة الكبار"، أن طرحوا أنفسهم وشعاراتهم السياسية كبدائل ديمقراطية متحضرة وقادرة على بناء و قيادة مجتمع عراقي جديد قائم على العدل والمساواة ، وعلى مبادئ وأسس الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التي بدأت بالتساقط منذ اللحظات الأولى لاستباحة بغداد؟!. غير أنهم كانوا ومازالوا غير صادقين في طروحاتهم، وغير قادرين على إدارة مجتمع معقد كالعراق لافتقارهم للعديد من المقومات الأساسية للقيادة ، وفي مقدمتها الصدق والنزاهة والإخلاص لتربة العراق والحرص على قضايا شعبه وافتقارهم للشرعية الوطنية. فها هي مرحلة الأشهر العشرة الماضية تبرهن بأنهم لم يقدموا للعراق إلا الضياع ألسياسيي والكوارث الاجتماعية والدمار الاقتصادي ، وان مصداقية شعاراتهم الديمقراطية لا تختلف إطلاقا عن مصداقية ادعاء الجلبي وزمرته بحيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل.
إن ما حصل لشعب العراق من مآسي وكوارث خلال المرحلة المنصرمة ، وما سوف يحصل مستقبلا من تراجع اقتصادي وتفتيت لوحدة التراب الوطني يتحمل مسؤوليتها، إلى جانب الإدارة الأمريكية، أعضاء مجلس الحكم الانتقالي وبدرجات متفاوتة. ولاشك في أن احمد الجلبي ومؤتمره اللا وطني يتحملان المسؤولية الأكبر للدمار الذي لحق بالعراق ، ولن نبالغ إذا ما تكهنا بان اسم احمد ألجلبي سيكون واحدا من أكثرا الأسماء العراقية التي ستستخدم رمزا للخيانة الوطنية وانه سينافس بدون جدال أبا رغال وابن العلقمي وغيرهم من أعضاء نادي الذل والخيانة والهوان.
لقد سعى ألجلبي منذ الساعات الأولى لدخوله الناصرية برفقة ما تبقى من عناصر جيش أنطوان لحد وعناصرغيرعراقية وغير عربية، وعراقيين من خريجي مدارس المخابرات الأجنبية إلى تقديم وفرض كل ما من شانه تفريق وتفتيت وحدة الصف الوطني، وزرع بذور الحقد والتأليب العرقي والديني. وقام وبشكل علني بتشجع سلطات الاحتلال من خلال مقالاته التي نشرت في صحف عربية وأجنبية، وتوصياته المباشرة على استخدام العنف والقوة ضد العراقيين، وعلى تبني الأساليب القمعية من حصار المدن وعزلها، والاعتقالات الجماعية، واعتقال أقارب المطلوبين ، وطرد الموظفين الحكوميين غير المؤيدين للاحتلال من وظائفهم الحكومية وغيرها من الإجراءات التعسفية والقمعية.
أليس غريبا أن يهتم شخص ذو تخصص أكاديمي علمي، وخبرة اقتصادية وصيرفية ناجحة ومربحة؟! بالإجراءات الأمنية ويشجع على تصفية الحركات السياسية المناوئة؟
أليس غريبا أن يجد ألجلبي وغيره من خدم الاحتلال الوقت اللازم لدراسة ملفات قادة وأعضاء حزب البعث؟ ويطالب بطرد عشرات الآلاف من وظائفهم الحكومية في الوقت الذي وصل فيه معدل البطالة إلى 70% ؟ ويعاني المواطنون من نقص حاد في جميع المستلزمات الخدمية؟؟ أليس مريبا أن ينكب ألجلبي وغلمانه على تخطيط الحملات الإرهابية والقمعية في الوقت الذي تشهد فيه مدن الجنوب أول عملية تطهير عرقي لمسيحيي العراق من قبل عناصر لا تمت إلى العراق بصلة؟
كيف نفسر إصرار احمد ألجلبي المحموم على اتِّباع كافة الوسائل القمعية والارهابية في ترويض الرافضين لنظرية القبول بواقع الاحتلال؟
لماذا هذا الهوس في ملاحقة أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي ؟
الجواب على هذه الأسئلة وبكل بساطة يقوم على إن احمد ألجلبي يدرك أكثر من الآخرين بأنه لن يتم إخضاع شعب العراق لشرب سموم الاحتلال إلا من خلال تدمير الهيكل التنظيمي للحزب ذو القاعدة الأكبر في العراق! و انه يدرك أيضا بأنه لن تتاح له الفرصة لتحقيق طموحاته وأحلامه الشخصية في رئاسة العراق طالما كانت هنالك مجموعة كبيرة مؤمنة باستقلالية العراق ومستقبله الحر ومصممة على مواجهة الاحتلال ودحره.
لقد كشفت تعليمات لجنة اجتثاث البعث الخلفية المزيفة لأعضاء المجلس ، وبرهنت على زيف ادعائهم بالانفتاح والتسامح واحترام الغريم السياسي وتجنب الأساليب القمعية وغيرها من شعارات رعاة البقر! فالتعليمات التي أصدرتها لجنة ألجلبي لايمكن اعتبارها وباستخدام المعايير الحضارية والإنسانية إلا تعليمات فاشية وغير إنسانية وذات أبعاد سياسية واجتماعية خطرة.
إن أسوأ الوسائل الفاشية وأكثرها إثارة للازدراء هي تلك التي تركز على حرمان الإنسان من وسائل العيش الكريم بشكل يؤدي إلى تدمير وتشريد شريحة اجتماعية واسعة ولاسيما في ظل أوضاع معشية صعبة كتلك التي يمر بها العراق اليوم جراء حصار الديمقراطيين الحضاريين الإجرامي واحتلالهم اللا أخلاقي.
لن نعرج على تفاصيل التعليمات سيئة الصيت لأنها لا تستحق إلا الإدانة والاحتقار ، لكننا نود إن نذكر أحمد الجلبي وغلامه قنبر ببعض الحقائق والبديهيات.
أولا: هنالك قانون فيزيائي ثابت ينص على أن لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومغاير في الاتجاه.
ثانيا : لقد حاول الكثيرون من أقزام التاريخ محو العقائد الفكرية والسياسية من ذاكرة ورحم الجماهير وعجزوا، ولن تكون محاولتكم بأفضل منها.
وأخيرا ، من المؤكد أنكم اصغر من أن تجتثوا حزبا طليعيا عريقا ممتدة جذوره في ارض العراق والوطن العربي كحزب البعث العربي الاشتراكي، وان البعث كفكر وعقيدة غير قابل للاجتثاث .. فلننتظر ونرى من يجتث من ؟؟