قيل الكثير في تقييم حصاد العام الأول من فترة عهد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، تجاه السياسة الدولية لبلاده، وبشكل خاص سياسته تجاه العالمين العربي والإسلامي. وتفاوتت المواقف من أدائه بين مؤيد ومعارض، وواقف على الحياد. اتهمه البعض بالمراوغة والتردد والعجز عن الوفاء بالوعود التي قطعها أثناء حملته الانتخابية، وبالخضوع للابتزاز الصهيوني.
قال عنه زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي أنه "أعاد ترتيب مفاهيم السياسة الخارجية بالكامل حيال قضايا جيوسياسية بالغة الأهمية". خاصة ما يتعلق بنزع السلاح النووي والتعاطي مع الصين على أساس أنها "شريك جيوسياسي"، والسعي لأداء دور "وسيط نزيه" في الشرق الأوسط. إن مجمل توجهات سياسيه الخارجية قد ركزت على إنعاش الآمال، بديلا عن الاختراقات الاستراتيجية".
ورأت صحيفة تشرين المعبرة عن الموقف السوري أنه بعد مرور عام على تسلم إدارة الرئيس أوباما مهامها في البيت الأبيض،لا تزال مصداقيتها تمثل لغزاً يستعصي على الفهم لدى من يُحسنون الظن بسياسة أميركية الموعودة، تنهي كوارث ما خلفته سياسة سلفه، جورج بوش التي عمت أرجاء الكرة الأرضية. لا زال النفاق في الموقف السياسي هو السائد، بما يثير الشكوك ويطرح التساؤلات تجاه قضية الصراع العربي-الصهيوني، التي كانت أحد عناوين التغيير الموعود في السياسة الأمريكية خلال خطاب الرئيس الشهير في القاهرة، وما تلاه من جولات مكوكية لوزيرة الخارجية وللموفد الخاص، والتي سجلت تراجعات ومواربات بددت كل الوعود الأميركية بالتغيير وقضمت ما تبقى من إيجابيات في خطاب أوباما. ونبهت الصحيفة السورية المذكورة إلى أنه بعد مرور عام على توليه الرئاسة، لا يزال بارك أوباما يتخبط بين موجة النجاحات والإخفاقات دون أن يصل فعليا إلى برٍ آمن في تحقيق ما كان يأمل به الشعب الأمريكي والشعوب الأخرى.
وأشارت صحيفة خليجية إلى إن خطابات أوباما للعرب والمسلمين وزيارته للمنطقة أثرت في الرأي العام وأعادت بعض المصداقية لوجه أمريكا. لكن يبقى السؤال المطروح: أين النتائج؟.
وشبه كاتب عربي معروف، أوباما بأنه كالرئيس بوش مع بعض الرتوش. مشيرا إلى أنه لم يفعل شيئا مما وعد بتنفيذه في هذه المنطقة… من فلسطين إلى العراق فأفغانستان.. وحتى إيران لم يقل شيئاً ونَفذّه… وفي المحصّلة النهائية لم يخرج عمّا "أنجزه" سلفه. ووصف أدائه بالتذبذب والتردّد والعجز عن إنجاز ما وعد بتنفيذه أثناء حملته الإنتخابية وبُعيد توليه الرئاسة.
أيا يكن تقييم أداء الرئيس الأمريكي، فإن المؤكد أنه دخل سنته الرئاسية الثانية مع أسوأ نتيجة له في استطلاعات الرأي منذ تنصيبه رئيساً في العشرين من كانون الثاني من العام المنصرم، حيث انخفضت نسبة تأييد سياساته إلى ما دون الخمسين في المئة، ووصلت الخميس الماضي إلى 47 في المائة فقط.
والمؤكد أيضا أن الملفات الرئيسية، ذات العلاقة المباشرة بمنطقتنا، والتي تعهد الرئيس أوباما أثناء حملته الانتخابية بمعالجتها، لا تزال تراوح مكانها، دونما تحقيق اختراقات عملية باتجاه إيجاد حلول عادلة لها.
.
من بين الملفات الرئيسية، التي وعدت إدارة الرئيس أوباما بمعالجتها، ملفات ثلاثة، اعتبرت من وجهة النظر الأمريكية مصادر قلق مباشر، وتهديد حقيقي للسلام العالمي: عملية السلام بين الصهاينة من جهة، والفلسطينيين والسوريين من جهة أخرى، ووضع حد للطموحات الإيرانية في امتلاك التكنولوجيا النووية، واحتلال العراق، والحرب في أفغانستان وباكستان. وجميع هذه الملفات، بقيت معلقة دون حل، حتى إشعار آخر.
فقضيت التسوية، رغم الرحلات المارثونية للسيد جورج ميتشل إلى المنطقة، ورغم الترحيب الواضح بالمبادرة الأمريكية، من معظم الأنظمة العربية، ظلت متعثرة، بسبب الأطماع التوسعية الصهيونية، واستمرار العدو في بناء المزيد من المستوطنات في أراضي الضفة والقطاع، خلافا لتعهدات الإدارة الأمريكية للفلسطينيين. وأيضا نتيجة للصراع الدائر بين سلطتي رام الله وغزة، وعناوينه ذات العلاقة بموقف حركة حماس وبعض منظمات المقاومة الفلسطينية من نهج التسوية.
لقد واجهت إدارة الرئيس أوباما التعنت الإسرائيلي، بعجز كامل، ألجأها إلى التراجع عن وعودها للسلطة الفلسطينية، بإيقاف بناء المستوطنات، وكشفت عن تناقضات حادة في مواقف العناصر المتنفذة في الحزب الديمقراطي، وأعلى هرم السلطة في الإدارة الأمريكية, حيث أصبح الخضوع الأمريكي للابتزاز الإسرائيلي هو الظاهرة الطبيعية، وعكس ذلك هو الاستثناء.
أما في شان الملف الإيراني، فقد اعتمدت إدارة الرئيس، أوباما سياسة مختلفة، عن سلفه الرئيس بوش. سياسة اعتمدت على النأي عن التهديد باستخدام القوة، وأعلنت استعدادها لفتح حوار جاد حول حيازة إيران للتكنولوجيا النووية، ملوحة بحوافز علمية واقتصادية، ودعم في سياق تقديم الخبرات في هذا السياق، إذا أعلنت إيران عن التخلي عن طموحاتها النووية. لكن هذه السياسة لم تجعل الإدارة الأمريكية تتقدم خطوة واحدة على طريق تحقيق أهدافها، مما دفعها مؤخرا، لتغيير نغمة خطاباتها، وأصبحت أكثر ميلا لمطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة بحق الجمهورية الإسلامية.
في العراق، بقي الوضع على ما هو عليه، حيث لا تزال العملية السياسية متعثرة، رغم تراجع أعمال العنف الطائفي والقتل على الهوية، لكن المحاصصات الطائفية والإثنية لا تزال هي السائدة، مع أن وتيرة المطالبات بإلغائها من قبل معظم شرائح المجتمع العراقي، تتصاعد باستمرار، حتى ضمن القوى السياسية التي تعاونت مع مشروع الاحتلال، وشرعنت له.
إضافة إلى ذلك، فليس هناك ما يؤكد عمليا، جدية الإدارة الأمريكية على الانسحاب من العراق، عام 2011، كما وعد أوباما أثناء حملته الانتخابية، وبعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. لقد تغيرات التصريحات في هذا الصدد، وأصبح الانسحاب مشروطا بتحسن الأوضاع الأمنية في العراق، بما يوحي بتراجع صريح عن الوعد بترك العراق لأهله.
وأخيرا، أعلن الرئيس الأميركي إرسال تعزيزات عسكرية إلى أفغانستان، وحاول في الوقت نفسه توثيق العلاقات مع باكستان وتكثيف الغارات التي تشنها طائرات من دون طيار على المواقع التي يعتقد بتحصن قيادات طالبان والقاعدة فيها.
هل فعلا تراجع الرئيس الأمريكي عن وعوده؟ وهل كان من المتوقع أن تحدث تغيرات دراماتيكية في السياسة الأمريكية، بما يعيد الاعتبار للقانون الدولي ولمجلس الأمن، وشرعة الأمم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل تمثل هذه التطورات انقلابا رئيسيا على الوعود التي قطعها الرئيس أوباما على نفسه أبان حملته الإنتخابية؟ وما هي العناصر المتدخلة، التي أدت إلى هذا "الإنقلاب"، إن وجد ثمة انقلاب.
هذه الأسئلة وأخرى ذات علاقة ستكون موضوعا للمناقشة في الحديث القادم بإذن الله.