تحدثت في عمود سابق عن تنظيم القاعدة، الذي اصبح التهويل من خطره ومن عملياته يستخدم من جانب امريكا والدول الغربية الاخرى مبررا وذريعة لتبرير اعتداءات وخطط استعمارية لا علاقة بها بمحاربة الارهاب.
في الايام الماضية، وبعد محاولة التفجير المزعومة لطائرة امريكية، شهدنا تصعيدا خطيرا من جانب امريكا ودول اوروبية اخرى، وحديثا عن فتح جبهة جديدة في اليمن تحت ذريعة محاربة القاعدة، وعودة الى مقولات الحرب على الارهاب في العالم.
وقد قرأت في الايام الماضية عددا كبيرا من التحليلات لكتاب امريكيين وغربيين عموما تناولت هذه التطورات. كل هذه التحليلات تردد، بصيغ مختلفة ومن زوايا مختلفة، امرا واحدا.. ان ادارة اوباما لم تتعلم فيما هو واضح الدروس المريرة لما جرى ويجري في افغانستان والعراق، ولم تتعلم دروس ما اسفرت عنه ما اسميت الحرب على الارهاب في العالم.
هؤلاء المحللون يقصدون بهذا ما يعرفه العالم كله من ان تلك "الحرب على الارهاب" التي شنها جورج بوش طوال سنوات عهده الاسود لم تجلب على العالم سوى الدمار والخراب، واشعلت حروبا دينية كان الاسلام والمسلمون هم ضحيتها، ودون ان يقود كل هذا الى القضاء على الارهاب.
يقصدون انه ان كان هناك من درس اكيد من العدوان الامريكي على افغانستان والعراق ومن احتلال البلدين طوال هذه السنوات وما شهده البلدان من مآسي وجرائم امريكية، فهو ان العدوان والقتل والتدمير والبطش والارهاب العسكري، لا يمكن ان يكون حلا لمشاكل العنف والتطرف. بل، وعلى نحو ما تابع العالم كله، قاد بالعكس الى تأجيج العنف والتطرف وزيادة الخطر الارهابي في العالم كله.
كان العالم قد تفاءل عندما اتى اوباما في بداية عهده، واعلنت ادارته التخلي عن مفهوم "الحرب العالمية على الارهاب" كمفهوم يحكم السياسة الخارجية الامريكية. وتفاءل العالم عندما اعلن اوباما عن نهج جديد يقوم على التعاون والحوار مع دول العالم لحل المشاكل والأزمات، بدلا من المواجهة والسياسات الانفرادية الامريكية والتهديدات الدائمة بشن الحروب والعدوان.
لكن العالم خاب امله في الفترة الماضية، وهو يشهد تراجع ادارة اوباما عن هذه المواقف والمفاهيم بتوسيع الحرب في افغانستان، وحديث اوباما عن "الحروب الضرورية العادلة". ثم ما حدث في الفترة القليلة الماضية بعد محاولة تفجير الطائرة من عودة الى "الحرب على الارهاب"، والتهديد بفتح جبهة جديدة في اليمن، وعودة موجة العداء للاسلام والمسلمين والحديث عن الخطر الاسلامي في امريكا واوروبا.
على ضوء كل هذا يتحدث المحللون عن دروس افغانستان والعراق والحرب على الارهاب التي لم تتعلمها ادارة اوباما.
وما يقولونه صحيح بالطبع. لكن القضية هنا للأسف ان ادارة اوباما ليست غافلة عن هذه الدروس، فهي تعي بها تماما. القضية انهم لا يريدون اصلا، وعن عمد تام ان يتعلموا هذه الدروس.
بعبارة اخرى، الذي نشهده اليوم هو عودة مدروسة ومخطط لها لما اسمي بالحرب العالمية على الارهاب.
والذي دفعنا لقول كل هذا في العمود السابق وعمود اليوم، هو اننا ازاء تطور في منتهى الخطورة يطال منطقتنا كلها، يتعلق باليمن وما يجري فيه وما يراد له.
وهذا تطور يحتاج الى تحليل تفصيلي موسع.