بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الأحواز، المحمرة، عبدان، الحويزة، الخفاجية، البسيتين، الصالحية، الحميدية، الخزعلية، الفلاحية، مسجد سليمان، دسبول، خور عبدالله، شوشتر، السوس، العميدية، الاحجار السبع….
هذه المدن العربية العريقة والكبيرة بتاريخها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ومكوناتها الأجتماعية والدينية واللغوية وبجغرافيتها وبأنهارها وتضاريسها وطقسها وثرواتها. هي جزء غالي وثمين، مغتصب ومقتطع من الجسد العربي العراقي الجذور والأرتباط من رحم واحد أحد.
يعود الأرتباط الرحمي لهذا الأقليم المغتصب والمقتطع والمحتل الى حاضنته الولادة (بلاد الرافدين) الى العهد البابلي القديم. فالتاريخ يشهد بتحرير هذا الأقليم (أقليم الأحواز) على يد الملك البابلي حمورابي بعد حرب ضروس ضد الدولة العيلامية المسيطرة على هذا الاقليم أنذاك. وشأن هذا الاقليم، كشأن باقي الأقاليم لبلاد الرافدين. كان مسرحاً لتنازع الأمبراطوريات القديمة و الحديثة التي تبغي التسيد على العالم. سيما منها الامبراطوريات الغابرة. سواء منها تلك التي ظهرت في بلاد الرافدين (البابلية والأشورية و السومرية) أو تلك التي ظهرت في بلاد فارس (العيلاميين، الأخمينيين، السلجوقيين، الساسانيين). فتارة يخضع هذا الأقليم الذي كان و بأمتياز أمتداد طبيعي لبلاد الرافدين، لهذه الامبرطورية المتنازعة أو تلك. شأنه في ذلك شأن بقية الأقاليم والمدن الواقعة في بلاد الرافدين. حتى أن الأسكندر المقدوني (الأسكندر الكبير) حين أحتل العراق في الألف الثالث ق.م. ضم أقليم الأحواز الى نفوذه، كتحصيل حاصل بعد أستحواذه على شط العرب بضفتيه.
وبعد واقعة (القادسية) الشهيرة. والتي أنهت الحكم الساساني الفارسي في العراق. تمكن المسلمون وبقيادة (أبي موسى الأشعري) من أستعادة الأقليم ثانية الى حاضنته الأم العراق العظيم. وبقى الأقليم (عربستان) جزءًا لم يتجزء من العراق. طيلة الخلافة الراشدية و الأموية والعباسية. وحتى بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية على يد المغول. ضمت الاحواز (عربستان) حالها حال بقيت المدن العراقية الى نفوذ المحتل المغولي.
وقد أنبثقت أول أمارة عربية مستقلة في هذا الأقليم على يد أبناء قبائله وعشائره أنفسهم. مطلع القرن الخامس عشر الميلادي بزعامة الأمير محمد بن فلاح. وتمكنت هذه الأمارة العربية الناشئة في الأقليم من الصمود والبقاء زهاء ثلاث قرون متواصلة. رغم تكالب أطماع الفرس من جهة والعثمانيين من جهة أخرى.
ورغم سقوط الأمارة العربية تلك على يد الحاكم الفارسي (أسماعيل الصفوي). ألا أن مقاومة القبائل العربية في الأقليم أجبرت أسماعيل الصفوي الحاكم الفارسي. على منح العشائر العربية جزء من السلطات المحلية. وأستمر تنازع الفرس والعثمانيين على الأقليم، لغاية أبرام أتفاقية (أرضوم الاولى) في مطلع القرن التاسع عشر. وبموجب تلك الاتفاقية قسم الأقليم الى منطقتي نفوذ. أحداهما خاضع للفرس والأخر للعثمانيين. وفي آواسط نفس القرن عادت الدولتيين المتنازعتين على مقدرات الاقليم وأبرمتا أتفاقية (أرضوم الثانية) وبموجبها تنازل العثمانييون عن نفوذهم الكامل للاقليم ولحساب الفرس. ضمن تقسيمات أستعمارية جديدة بينهما. وأضطر الفرس مجدداً الى التراخي من جراء أشتعال المقاومة المحلية للأقليم. اى منح سلطات محدودة لأبناء قبائله.
ومنذ عام 1897، ذلك العام الذي شهد وصول الامير العربي الشهير (خزعل بن جابر الكعبي) الى عرش الأقليم على أثر أغتيال شقيقه (الامير مزعل بن جابر الكعبي) دشن التاريخ الحديث للأقليم العربي هذا بتمتعه بأستقلال شبه كامل عن أطماع الدولتين المتصارعتين على زعامة المنطقة الفرس والعثمانين. بفضل السياسية البرغماتية التي أنتهجها الأمير والشيخ خزعل نفسه. إذ تقرب الامير من البريطانين وعقد تحالفاً أمنياً معهم. بهدف تأمين أستقلال أمارته من أطماع الدولتين المتنازعتين على الأمارة.
وبعد أستكشاف الثروة النفطية في الأقليم من قبل المستعمر البريطاني. ومع دق طبول الحرب العالمية الأولى. أندفعت بريطانيا الى تعزيز وجودها المكثف في هذا الأقليم العربي الحيوي. وبات لها تواجد عسكري فيه.
وزاد من الامور تعقيداً على الأقليم. أنتصار ثورة أكتوبر الروسية عام 1917. إذ كانت لهذه الثورة تداعيات سلبية على مستقبل كيان هذه الأمارة العربية! بعد أنتصار الثورة البلشفية في روسيا القيصرية بقيادة الزعيم التاريخي لينن. أستشعرت بريطانيا بخطر أمتداد الثورة (الحمراء) الذي قد يصل الى منابع البترول المكتشف في المنطقة حديثاً. فأعادت بريطانيا صياغة أستراتيجية تحالفاتها ووجودها في المنطقة ككل والأقليم العربي (عربستان) بشكل خاص.
فبعد ان كتب لها النجاح في عقد الصفقات بتوزيع الادوار على الاعبين الفاعلين في المنطقة. حكام أيران من جهة وزعامات الثورة العربية في الحجاز (الشريف حسين وأبنه فيصل). فراحت تتخلى عن وعودها السابقة في منح هذه الأمارة العربية أستقلالها أو ضمها الى حاضنتها الطبيعية العراق عوض عن أيران. وراحت تغري الحكام المحليين في طهران بضم الامارة العربية الى ممتلكاتهم. بغية حصولها على تأييد مطلق من حكام طهران المحلين في مواجهة الخطر الشيوعي من حدود أيران الشمالية.
وحين أدرك متأخراً الأمير خزعل طبيعة تلك الأستراتيجية البريطانية الجديدة في المنطقة. أقترح يائساً على البريطانيين ضم أمارته الى العراق بشكل طوعي مقابل تنصيبه ملكاً على عرش العراق بدلاً من فيصل أبن الحسين. الا أن عرضه هذا قوبل بالرفض. لتقاطعه مع التحالفات وتوزيع الادوار الجديد الذي أعتمدته بريطانيا مع حلفاءها الفاعلين والمؤثرين في أستراتيجيتها الجديدة بعد التهديدات والتحديات التي شكلتها ثورة أكتوبر المنتصرة في روسا أنذاك.
حاول الأمير (خزعل بن جابر الكعبي) الاستنجاد بسذاجة ب (عصبة الأمم) أنذاك ولم تنفعه هي الاخرى ولأسباب بينة للقاصي والداني (عصبة الامم كما هو حال توأمها هيئة الامم المتحدة اليوم للقوة خدم)!!
لم ييأس أميرنا (خزعل بن جابر الكعبي) حاكم أمارتنا العربية. فراح يلعب بأخر ورقة متاحة له. إذ توجه هذه المرة الى أهله في العمق (أو هكذا يفترض أن يكونوا). كانت وجهته هذه المرة الى الزعامات الدينية ومرجعيتها الشيعية في النجف في العراق. طالباً منهم المناصرة في الحفاظ على هوية الامارة عربية عراقية خالصة. من خلال القبول باقتراحه بضم الامارة الى العراق مقابل منحه عرش الحكم. وحين أبت المرجعية الأستجابة الى ذلك. طلب منها أضعف الايمان وذلك بأصدار فتوى بتكفير حاكم ايران آنذاك الشاه رضا خان والضاغط بتجاه ضم الأمارة العربية لعرشه. سيما وان الشاه رضا خان كان معروفاً بعدائه للعرب وعقيدتهم ولم تستجب. أدرك شاه أيران خطورت هذا الأمير العربي المتمرد. فسعى الى تصفيته وبالأتفاق مع البريطانيينن. تم خطفه وترحيله الى طهران وهناك قتل. وقبل أغتيال شيخنا الجليل (خزعل بن جابر الكعبي) وتحديداً عام 1925 أصبح أقليمنا العربي (عربستان) تحت حكم الأحتلال الايراني الفعلي والى يومنا هذا.
وأثناء الفورة الشعبية ضد النظام الدكتاتوري الايراني السابق (نظام الشاه المقبور) والتي فجرت شرارة الثورة المليونية الايرانية عام 1979. لم يقف منها عرب الاقليم المحتل. موقف المتفرج الشامت. بل كان وقوداً محركاً لها. فسجل الشعب العربي في الأراضي المحتلة في عربستان صولات وجولات. ولعب دوراً محورياً ومفصلياً يشهد له السجل المؤرشف للثورة الايرانية الشعبية. سواء من خلال أسهامات التنظيمات السياسية والجماهرية الخاصة بعرب الاقليم أو من خلال أسهامات مشتركة مع تنظيمات وأحزاب يسارية من خارج الاقليم. وجزء غير قليل من أبناء الأقليم أنظم الى صفوف تنظيمات أيرانية يسارية ثوروية من مثل حزب تودة ومنظمة مجاهدي خلق اليسارية. ساهموا بجل الانشطة النضالية الجماهيرية المليونية. سواء من خلال المواجهات المباشرة وغير المباشرة مع أجهزة النظام القمعي. أو من خلال أشتراكهم الفاعل بالأعتصامات والأضرابات التي شملت القطاع الانتاجي النفطي وشل قدراته الداعمة للنظام الشاهنشاهي الدكتاتوري. سيما وأن جل تلك المنشأت النفطية موجودة على أرض أقليمهم. ومششاركتهم الفاعلة بتك الثورة كان يحذوها الامل في الحصول على حقوقها العادلة بتقرير المصير الذي تختاره هي وبملء أرادتها. ودون أملاءات على حساب حقوقها الوطنية والقومية. تلك الحقوق التي تكفلها شرائع الأرض والسماء. بالعيش الحر الكريم ودون وصايا من أحد. ودون فروض للطاعة المكرهة وبأتباع أساليب القهر والطغيان والظم.
وهذا هو واقع الحال المؤلم الذي يعيشه الشعب العربي العراقي الجذور والهوى في ربوع مدننا العربية العربستانية لليوم وللاسف.
ولابد الأشارة هنا الى أن الظروف الأقليمية والدولية اليوم متاحة أكثر من ذي قبل الى أستيعاب قضية شعبنا العربي الاحوازي العادلة في نضاله المشروع نحو التحرر وتقرير المصير. بعد أن أزيح الستار تماما عن ممارسات ونهج نظام الملالي المتسلط على رقاب الأحرار داخل أيرن. وكشف مخططات هذا النظام الذي يحاول يائساً كسر عزلته وكسر أزماته من خلال تصدير وتصريف تلك الأزمات الداخلية والخارجية الى دول الجوار الاقليمي. ومحاولة خداعه في ركب موجة المواجهة والصدام المفتعل والديكوري الصوري. مع العدو الاقليمي والدولي التقليدي في المنطقة (أمريكا ورضيعها المدلل أسرائيل). الا أن كل هذه السيناريوهات المعدة سلفاً والساذجة. لم تعد تنطلي على أحد، فالنظام الأيراني لم يعد يمتلك حلفاء كثر. وبات في عزلة خانقة تستدعي من النخب السياسية لعرب الاحواز الحبيبة وجماهيرها بتشديد نضالها وبتوحيد خطابها والخروج من دائرة الظل المدمرة والخروج الى العلن و أبتكار أدوات وسبل نضالية أكثر فاعلية وتأثير. كما يتطلب من هذه القوى أنتزاع المبادرة ومد الجسور بالمنظمات الأقليمية والدولية للتعريف بقضيتها وحشد التعاطف والتأييد لها حتى تتحق الاهداف العادلة في الانعتاق والحرية وتقرير المصير و في الأنضمام الى الحاضنة الأم أو في تأسيس كيان دولة عربية