بعد عقدين من عمله في القصور والمواقع الرئاسية في العراق، والتصاقه بالرئيس صدام حسين في اجتماعاته ولقاءاته مع ضيوف العراق الاجانب، التقت القدس العربي مترجم صدام حسين الخاص في غرفته في احد فنادق الدوحة حيث يقيم حاليا. وفي الحوار الذي نقدمه، يتحدث سامان عبد المجيد عن ذكريات عمله كمترجم خاص، ويتحدث هنا بصفة حرفية، كمترجم حيث كان يقوم بدور الوسيط اللغوي بين صدام وزواره الاجانب. ويشير عبد المجيد الي ما يقول عنه الجانب الانساني، والصورة المختلفة عن صدام حسين في الاعلام الغربي، والدكتاتور. ويقول انه كان يؤمن بتعدد الاراء، كما يتحدث عن ظروف سقوط بغداد، وكيف ان قادة صدام خانوه. وينفي سامان وهو الكردي ان يكون صدام حسين طائفيا. ويؤكد ان علاقته بصدام كانت رسمية، فلم يحدث ان حضر اجتماعات القيادة العراقية او اجتماعات صدام مع وفود عربية واسلامية الا نادرا، ولم يدر حديث خاص بينه وبين صدام. وكان الاخير يستقبل مترجمه دائما بدفء ويسأله عن حاله واحواله وعندما ينهي مهمة الترجمة كان يودعه بقوله شكرا لك لقد اتعبناك معنا كثيرا ويكررها اكثر من مرة. (القدس العربي)
د. سامان عبد المجيد، من هو؟
أنا من عائلة كردية تنحدر اصولها من محافظة السليمانية شمال شرق العراق. نلت شهادة البكالوريوس في الادب الانكليزي من جامعة بغداد عام 1968، ثم دبلوم عال في اللغة الفرنسية من الجامعة المستنصرية عام 1974، عام 1982 نلت شهادة الدبلوم العالي للدراسات العليا المتخصصة في الترجمة الفورية من جامعة السوربون الجديدة في باريس عام 1982 في عام 1997 نلت شهادة الدكتوراه في الترجمة من الجامعة المستنصرية ببغداد.
متي بدأت دراسة الترجمة الفورية في باريس؟ وهل كنت ضمن بعثة تهيئة المترجمين الفوريين لمؤتمر عدم الانحياز الذي كان من المفترض اقامته في بغداد عام 1982؟
نعم كنت عضوا في بعثة من خمسة أشخاص ارسلنا من قبل وزارة الاعلام العراقية لدراسة الترجمة الفورية، ضمن الاستعدادات التي كانت الحكومة العراقية تتخذها علي جميع الاصعدة للاستعداد لمؤتمر عدم الانحياز. كان من ضمن الاستعدادات تهيئة مترجمين فوريين وشفهيين وتحريريين ومرافقي وفود يتحدثون لغات عديدة. أرسلت أفواج من المترجمين لتلقي دراسات عليا متخصصة الي فرنسا وبريطانيا واسبانيا.
هل تتذكر زملاءك الذين ارسلوا معك الي فرنسا؟
نعم كان بيننا فتاتان هما ميسون ضياء ولمياء الشيخلي اضافة الي ثلاثة رجال عدي الطائي وأنا.
كانت مهمة حساسة فماهي المعايير التي تم اختياركم علي اساسها؟
كانت معايير مهنية تعتمد علي الكفاءة بشكل اساسي ونهائي. كان المشرف علي استعدادات المترجمين (عضو مجلس قيادة الثورة في العراق) طه ياسين رمضان، وكانت تعليماته واضحة ومحددة في اختيار الاشخاص المهنيين والكفوءين.
هل كنت بعثيا عندما تم اختيارك للبعثة؟
كنت بعثيا صوريا مثلي مثل ملايين العراقيين الذين انضموا بشكل صوري لحزب البعث لأسباب وظيفية، لكن زملائي لم يكونوا جميعهم بعثيين، مثل الفتاتين اللتين ذكرتهما وغيرهم، ولم يطلب منهم اطلاقا الانضمام الي حزب البعث كشرط لضمان البعثة.
كيف انضممت الي طاقم رئاسة الجمهورية ومن ثم المترجم الخاص لصدام حسين؟
بعد عودتي الي بغداد من فرنسا، عينت في دار المأمون للترجمة والنشر التابع لوزارة الاعلام، حيث اصبحت رئيسا لقسم الترجمة وكان ابرز انجاز حققه القسم هو الاستغناء عن الاستعانة بمترجمين فوريين من خارج العراق لتغطية المؤتمرات المختلفة التي كانت تعقد في بغداد والمدن العراقية الاخري. هذا بالاضافة الي قيامي بالتنسيق مع اساتذتي في فرنسا للاستعانة بقسمنا في المؤتمرات الدولية ونجحت مساعي تلك واصبحت ومترجمين آخرين نغطي عند الطلب مؤتمرات وكالة الطاقة الذرية في العاصمة النمساوية فيينا والعديد من الفعاليات الدولية في مختلف دول العالم. بعد السمعة الطيبة التي اصبحت للقسم، استدعاني في احد الايام مدير دار المأمون للترجمة الاستاذ ناجي صبري الحديثي الذي اصبح لاحقا وزيرا للخارجية وأخبرني بأن ديوان رئاسة الجمهورية طلب منه ترشيح مترجم خاص للرئيس صدام حسين، وأنه رشحني لهذه المهمة. قال لي ان ترشيح شخص لهذه المهمة الدقيقة لا يعتمد علي اساس الكفاءة المهنية فقط وانما يجب ان يكون علي اساس الخلق القويم والتهذيب العالي وحسن التصرف في مجالس تضم قادة دول واشخاصا ذوو منزلة عالية، وانه توسم فيّ تلك الصفات. كان ذلك عام 1986. ويبدو ان الاستفسارات الامنية عن شخص سيكون ملاصقا للرئيس لم تكن بالهينة، حيث اني لم اسمع شيئا عن الموضوع لسبعة أو ثمانية اشهر بعد ترشيحي للوظيفة، أي في شتاء عام 1987. والطريف في الموضوع اني لم استلم تكليفي بالعمل في رئاسة الجمهورية الا بطريق الصدفة، فقد كنت في بغداد في اجازة من الجيش الشعبي (وحدات شبه عسكرية مؤلفة من افراد تعدت اعمارهم سن التجنيد كان العراق يستخدمها بدل الوحدات العسكرية في المناطق البعيدة عن جبهة الحرب مع ايران) وذهبت في آخر يوم لألقي السلام علي زملائي في دار المأمون واذا بالمدير العام يخبرني بأن ديوان رئاسة الجمهورية قد طلبني بالفعل. تسرحت من الجيش الشعبي وعدت للعمل في دار المأمون بانتظار التكليف الرسمي ولكن لم يصلني شيء لشهور أخري، الي ان تم الاتصال بي لأول مهمة لي للترجمة للرئيس صدام حسين، حيث كان باستقبال الرئيس التشادي محمد سياد بري الذي كان يتكلم الفرنسية.
مع صدام حسين
كيف شعرت وأنت أمام صدام حسين للمرة الاولي؟
شعرت برهبة من الموقف، ولكن استقبال الرئيس لي بالتحية بطريقة بسيطة بدون تكلف ووجود مترجم اللغة الانكليزية المرحوم مازن الزهاوي ومساعدته لي في توضيح الموقف والبروتوكول المتبع سهل علي الامور كثيرا وما أن مرت اللحظات الاولي حتي اندمجت بالعمل وسار كل شيء علي ما يرام.
هل دار بينك وبين الرئيس صدام حسين في ذلك اليوم اي حديث؟
كلا ولم يحدث بيني وبينه اي حديث خاص ـ اعني ان اختلي به ـ حتي النهاية، لكنه كان يستقبلني دائما بدفء ويسألني عن حالي واحوالي وعندما انهي مهمة الترجمة كان يودعني بقوله شكرا لك لقد اتعبناك معنا كثيرا ويكررها اكثر من مرة..
متي اصبحت المترجم الخاص للرئيس صدام حسين رسميا؟
بقيت حتي عام 1990 مترجم الرئيس عند الطلب، ولكن بعد دخول الجيش العراقي الي الكويت وتقاطر الوفود من كافة المستويات والانواع علي بغداد صدر امر بنقلي نهائيا من وزارة الاعلام الي مكتب السكرتير الصحافي لرئيس جمهورية العراق. كان السبب وراء نقلي هو عمل خلاصة يومية حول ما تكتبه الصحف الفرنسية حول موضوع دخول العراق الي الكويت وتقديمها الي الرئيس صدام حسين الذي كان حريصا اشد الحرص علي الاطلاع علي كل ما تكتبه الصحف الغربية حول العراق، وقد نقل بعدي بيومين احد زملائي للقيام بنفس المهمة ولكن مع الصحف الناطقة بالانكليزية.
هل شعرت بأن كونك غير عربي (كردي) كان له اي تأثير علي عملية اختيارك للعمل مع الرئيس؟
كلا علي الاطلاق، فمنذ دخولي الحياة العملية حتي اصبحت مترجما للرئيس، لم اشعر في يوم من الايام بأن قوميتي الكردية هي نقطة ضعف بالنسبة لي. لا بل لم اشعر بذلك طوال حياتي، خصوصا وان اسمي كردي الا انني لم اشعر بأي يوم من الايام بأن ذلك قد أثر سلبا بأي شكل من الاشكال لا في المدرسة ولا في الحياة الاجتماعية ولا في الجامعة. كنت اشعر وأُعامل علي اني عراقي مثلي مثل اي عراقي آخر. طرأ علي بالي في وقت من الاوقات بأنه ربما لكوني كرديا، استغرقت الاجراءات الامنية ما بين ترشيحي لأصبح مترجما للرئيس واعتمادي للمهمة سبعة الي ثمانية اشهر. أقول ربما واشدد علي كلمة ربما، ويعزز ذلك القول بأنني طوال خدمتي في القصر الجمهوري لم يفتشني أحد اثناء دخولي وخروجي علي الرئيس صدام حسين. يظن الكثير من الناس بأن كل من يدخل علي صدام حسين يخضع الي تفتيش دقيق، ولكن ذلك غير صحيح، كان بإمكاني في كل مرة فيها أدخل قاعة يتواجد فيها صدام حسين وأنا أتأبط سلاحا.
لم اغسل يدي بالمحلول الكيماوي
هذا يعني أنك لم تغسل يديك يوما بالمحلول الكيمياوي الشهير الذي يقولون بأن كل من يصافح صدام حسين عليه ان يعقم يديه بمحلول خاص؟
أبدا لم يحدث ذلك.
تعني هذا المحلول ليس له وجود؟
يا احمد لقد اصدرت كتابا يتضمن سيرتي الذاتية وفيه وفي مقابلتي هذه معك وفي أي لقاء مستقبلي اشدد علي أنني اقول شهادتي أمام الله والتاريخ، ولن انقل علي لساني سوي ما رأت عيناي وسمعت أذناي. قد يأتي شخص في يوم من الايام ويقول بأن هناك معقما كيمياويا علي كل من يدخل علي صدام حسين، قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا، ولكن الاكيد بالنسبة لي هو أنني لم أغسل يوما يدي بسائل من هذا القبيل.
كيف كان يعاملك الرئيس صدام حسين؟ أعني شخصيا؟
في الحقيقة كان صدام حسين الانسان ـ وهذا شيء اطلعت عليه بنفسي ـ شخص في منتهي الرقة معي ومع الآخرين. علي مدي الخمس عشرة سنة التي عملت فيها معه، لم أره منزعجا ويوجه كلاما غاضبا لأحد، الا نادرا جدا جدا. مرة واحدة وبخ أمامي رئيس دائرة المراسم قائلا هل يجب علي أن اعلمكم كل شيء؟ هل نحن في مدرسة؟ كان هذا اقصي توبيخ اسمعه منه تجاه أحد. أما معي شخصيا فلم يوجه لي في يوم من الايام حتي ولا لوم، كان يستقبلني كما اسلفت بتحية طيبة ويودعني بعبارات مهذبة مثل أرجو أن لا نكون قد أتعبناك أرجو أن لا نكون قد أطلنا عليك . كان ذا خلق عال، شاءت الظروف ان اجتمع معه وآخرين علي مائدة الطعام اكثر من مرة، وقد كان يصر علي ان يملأ صحني بنفسه. كان ذلك يسبب لي حرجا كبيرا وكنت اتوسل اليه ان لا يفعل ذلك وأن مقامه عال عندي ويجب علي أنا أن اخدمه، لكنه كان يصر علي أن يملأ طبقي بكل ما موجود علي المائدة.
نظرا لوجودك مع صدام حسين في مفاوضات علي اقصي درجات السرية، كيف تصف لنا طريقة صدام حسين في الحوار؟ هل كان متعنتا كما يشاع عنه؟
في البداية أريد أن انوه بأنني كنت احضر اجتماعات صدام حسين لأغراض الترجمة فقط، وبالتالي لم أكن أحضر لقاءاته مع اشخاص عراقيين. باستثناء سبعة أشهر من عام 1994 كنت في حينها السكرتير الصحافي بالانابة. في تلك الفترة حضرت لقاءاته ومفاوضاته مع وفود عربية واسلامية حول مختلف المسائل. استطيع القول بأنه في جميع اللقاءات والمحادثات التي حضرتها معه، سواء كمترجم ام سكرتير صحافي لم يكن صدام حسين شخصا متعنتا.
كيف كان يعامل المسؤولين العراقيين؟ هل كان يناقشهم ام يصدر اوامر نهائية بشكل دكتاتوري متعسف كما هي الصورة التي يرسمها عنه الكثيرون؟
كلا ابدا، كان يؤمن دائما بالشوري والاستماع الي رأي الآخرين.
كيف لك ان تعرف ذلك وقد قلت من قبل بأنك لم تحضر اجتماعاته مع عراقيين علي اعتبار انها لا تحتاج لوجود مترجم؟
كما أسلفت فقد كان عماد عملي هو في مكتب السكرتير الصحافي الذي يحضر مع الرئيس اجتماعاته اليومية مع المسؤولين. كانت احدي واجبات السكرتير الصحافي هي تسجيل وقائع الاجتماعات علي اشرطة وليصار الي اعداد تقارير حول فحوي كل اجتماع. كنت من بين الذين يستلمون تلك الاشرطة ويستمعون اليها ويعدون تقارير حول موضوعات الاجتماعات. من هنا استقيت معلوماتي وانطباعاتي حول طريقة تعامل الرئيس صدام مع المسؤولين والوزراء العراقيين. كان يبدأ الموضوع بتلاوة حيثياته ثم يقول للموجودين أسمع رأيكم في هذا الموضوع . ينطبق ذلك علي الموضوعات السياسية الحساسة مثل الموافقة علي عودة المفتشين الدوليين الي العراق وقضية السماح لطائرات التجسس يو 2 بالتحليق فوق العراق، لم يكن يضع الامر بصيغة قررنا الآتي ابدا، كان دائما يقول هذا الموضوع مطروح للنقاش، وأود أن اسمع وجهة نظركم . حاول صدام حسين ان يكون ديمقراطيا ولكني اقولها للحقيقة والتاريخ ان الآخرين لم يساعدوه. هل كانوا علي حق في مواقفهم المواربة ام لا! هذا ما أجبت عليه بالتفصيل في كتابي الذي صدر في اواخر تشرين الاول (اكتوبر) الماضي.
صدام والطائفية
هل كان صدام حسين طائفيا؟
كلا علي الاطلاق. تحليلي الشخصي بان صدام حسين كان يريد ان يكون قائدا عظيما لعراق عظيم. كان يريد ان يصنع كل ما يضمن أن تنظر له الاجيال القادمة كقائد عظيم كما ننظر في يومنا هذا لقادة من أمثال خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب (رض) وصلاح الدين الايوبي. كان يريد بناء دولة عظيمة ليكون هو رئيسا لها، لأنك عمليا لا تستطيع ان تكون قائدا عظيما الا اذا بنيت دولة عظيمة، وبالتالي كان فكره وتطلعاته أوسع من أن تضيق عند مسألة الطائفية. كان المحك عند الرئيس صدام حسين هو الولاء ، هل هذا الشخص او ذاك يدين لنا بالولاء ام لا؟ قد يكون شخصا ما تكريتيا سنيا ولكنه لا يدين بالولاء لصدام حسين، فلا يقرب. وعلي العكس من ذلك قد يكون هناك شخص شيعي ولكنه يؤمن بالمسيرة ويدين بالولاء لها، فيُقرّبْ. ومثال علي ذلك ان المرافقين له والمكلفين بحمايته في بداية حياته كان بينهم غير عرب سنة، مثل صباح مرزة الذي كان كرديا شيعيا علي ما اظن…
نعم كردي فَيلي. (الاكراد الفيليون هم اقلية شيعية بين اكراد العراق، بينما الغالبية العظمي من الاكراد في العراق والمنطقة هم من المسلمين السنة).
ان يكون المسؤول عن حمايته من الطائفة التي تكن له الكثير من عدم الارتياح يثبت بأنه لم يكن يهتم بمسألة الطائفية، هذا بالاضافة الي وزير خارجيته ثم اصبح وزيرا للإعلام محمد سعيد الصحاف فهو شيعي…. سكرتيره الصحافي والذي كنت اعمل في مكتبه هو شيعي، الاستاذ علي عبد الله سلمان وهو معتقل الآن لدي الامريكيين.
نعم ووزير الصحة كان تركمانيا، هذا بالاضافة الي ان الكثير من المسؤولين الخمس والخمسين الذين طاردتهم وتطاردهم الولايات المتحدة هم من الشيعة.
حقيقةً ان هذا كلام يتداول في الوقت الحاضر لتبني عليه اشياء معينة …
رئيس متدين
هل كان الرئيس صدام شخصا متدينا؟
منذ بداية عملي معه عام 1987 لمست في كلامه وتصرفاته شيئاً من التقوي وكانت كلمة الله لا تنزل عن لسانه هذا ما أراده الله و ان شاء الله وعبارات مشابهة كان يرددها بشكل دائم. في السنين الاخيرة ازداد التصاقه بالدين اكثر فأكثر، واصبح يقرن كلامه بآيات قرآنية بشكل دائم، وهذا واضح حتي في خطاباته الرسمية. واذكر انه رد علي الصحافي دان راذر من قناة سي بي أس الامريكية باننا قد فعلنا كل ما في وسعنا لتجنب الحرب وافقنا علي عودة المفتشين الي العراق ووافقنا علي تحليق طائرات التجسس (يو 2) ووافقنا علي كل شيء، فإذا وقعت الحرب فستكون تلك مشيئة الله ولا راد لقضائه. من جهة اخري نري الطابع الديني واضحا عليه في بعض القرارات مثل منع الخمارات والنوادي الليلية قبل الحرب بأشهر أصدر قرارا بأن كل مسؤول عراقي يشاهد وهو يلعب القمار يفصل من منصبه ويعاقب بالحبس. نستطيع ان نلمس من هذه التصرفات اتجاها دينيا.
كوني عراقيا ايضا كنت اسمع من الناس ان صدام حسين يحب شرب الويسكي ولا يتناول الا افخر الماركات؟
علي حد علمي كان تناول الخمور عنده شيئاً ممقوتا وغير وارد اطلاقا ولم اشاهده في حياتي يتناول خمرا.
كان يقيم الصلاة في مواعيدها؟
نعم وحتي في وجود ضيوف اجانب كان يعتذر منهم عندما يحين وقت الصلاة ويذهب الي غرفة اخري ويعود بعد عشر دقائق.
ينتقد الكثير من العراقيين منح صدام حسين كثيرا من الدول الدول العربية ودول العالم الثالث معونات مالية، ويقولون بأن ذلك ساهم في إفلاس العراق وتبديد ثرواته، فهل اطلعت انت علي شيء من هذا القبيل في لقاءات الرئيس مع الضيوف العرب والاجانب؟
نعم كان يساعد الدول الفقيرة، فعندما استقبل مثلا الرئيس التشادي حسين حبري عام 1987، كانت المفاوضات حول تعاون اقتصادي بين العراق وتشاد، واذا نظرنا الي وضع العراق كبلد نفطي ثري وتشاد البلد الفقير سنجد بأن التعاون الاقتصادي ما هو الا كلمة دبلوماسية لمنح المساعدات والمعونات المادية.
هل كان يمنح المعونات بشكل تطوعي ام تلبية لطلب مباشر من قبل قادة الدول الفقيرة؟
كان يمنحها تطوعا، اريد القول هنا بأن صدام حسين رجل يؤمن بشدة بمبدأ التكافل الاجتماعي، وقد طبق ذلك في العراق ايضا في سنين الحصار علي العراق. كان يؤمن بشدة بان علي كل دولة اسلامية غنية ان تساعد الدولة الافقر، وقد دعا في قمة عمان الي انشاء صندوق رسمي لمساعدة الدول العربية والاسلامية الفقيرة، واقترح أن لا يكون دفع الاموال الي هذا الصندوق بشكل مزاجي، وأن يتم الاتفاق علي المبلغ الواجب دفعه من كل دولة الي الصندوق.
هل تعتقد بان حياة الضنك والعوز التي مر بها صدام حسين في طفولته قد أثرت في شخصيته بحيث أصبح يحس بمعاناة وعوز الآخرين؟
في الحقيقة كان صدام حسين يري نفسه رجلا ذا مكانة كبيرة. كان يتصرف مثل رب اسرة عليه أن يوفر احتياجات ابنائه بأي شكل. أذكر في احدي السنين تم الاتفاق علي منح مساعدات لدول الطوق، وقال يومها قال ملك الاردن الراحل حسين بن طلال لصدام حسين انه لا يريد من العراق مساعدات في الوقت الحاضر نظرا لانشغاله بالحرب مع ايران، فرد عليه صدام بعبارة كان يكررها باستمرار العراق مركب كبير محمل بالخير لو اخذ منه المرء مكيالين او ثلاثة فإن ذلك لن يؤثر به . من هذا المنطلق كان يكرم كل من يطرق بابه، أعود مثلا الي زيارة حبري فقد اعطي صدام حسين لحبري مبلغا نقديا كمعونة شخصية، وكان يحرص علي ان كل من يطرق بابه يجب ان يعود مجبور الخاطر.
كنتَ المترجم الذي جلس بين الرئيس صدام حسين والامين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان، كيف بدا صدام حسين؟ كيف كانت نبرات صوته وعباراته وتصرفاته؟ هل كان منفتحا علي الوصول الي حل سلمي ام كان متعنتا ويتصرف علي اساس ان الضربة قادمة لا محالة؟
لم يكن متعنتا بل كان رافضا لما قَدِمَ كوفي عنان من اجله، وهو فتح المواقع الرئاسية للتفتيش.
هل قدم تبريرا لرفضه؟
كانت اسباب الرفض معلنة علي الملأ، كان صدام حسين يري بأنه من غير المعقول أن يضع المرء مصنعا للأسلحة الكيمياوية في قصر رئاسي، ثم ان هي مسألة سيادة.. من الواضح ان كوفي عنان كان قد درس عادات العرب جيدا قبل مجيئه الي العراق، لذلك دخل مدخل العارف بالأمور. كان مؤدبا الي ابعد الحدود، وكان يتحدث بمنطق او بما معناه بأنه لم يأت ليفهم صدام حسين ما هو الصح وما هو الخطأ بل هدف زيارته هو تجنيب البشرية والعراقيين ويلات الحرب. اتبع طريقة اقناع ذكية علي اساس انه جاء ودافعه الحرص علي السلام وليس لأن امريكا تريد فعل شيء معين وان علي العراق تطبيقه، اضافة الي تقديمه طلبه بطرح مقنع، طالما ان المجتمع الدولي يريد شيئا من العراق (تفتيش القصور الرئاسية) فبغض النظر عن كون المطلب شرعيا ام لا، فان الامين العام للأمم المتحدة يلتمس من العراق الموافقة.
ماذا كانت اجابة صدام حسين عن هذه التفصيلة بالذات تجنيب العراقيين الحرب ؟
كانت لديه قناعة بأنه مهما فعل العراق ومهما قدم العراق فهناك اصرار علي ضربه، وان الولايات تسعي لإيجاد مبررات لضرب العراق. لذلك كان يقول بانه حتي لو أتي المفتشون فلن يحمي ذلك العراق، لا بل كان يقول بأنه لا يستبعد ان يضع المفتشون عنصرا كيمياويا معينا ويدعون بانهم وجدوه في العراق، ويتخذونه ذريعة لضرب العراق. لذلك كان جوابه الاساسي لعنان بأنه لا جدوي من الموافقة، ولو عرفنا بان الموافقة ستحل الامور لوافقنا. وقد تحدث الي كوفي عنان كثيرا محاولا اقناعه بالعمل علي تغيير السياسة الامريكية تجاه العراق، واستشهد بالتاريخ كثيرا ـ كما هي عادته دائما ـ مذكرا ضيفه بأن العراق بلد عظيم ذو تاريخ مجيد لا يجوز ان يعامل بهذه الطريقة، وكان يصر علي ان العراق هو من علم البشرية القراءة والكتابة وان حمورابي هو من وضع القانون في العالم. كان يركز علي ان الحضارة بدأت من العراق وانه ارض الانبياء نوح وابراهيم عليهما السلام وعليه يجب ان يعلم الجميع ان العراق بلد غير عادي لا يمكن أن يذل او يهان. ابدي عنان موافقته واعجابه بكل ما قاله الرئيس، ثم طلب ان يكون الاجتماع سريا فانصرف الوزراء الحاضرون وبقيت انا والرئيس وعنان فقط. توقعت أن يكون لدي عنان شيء جديد يريد قوله علي انفراد ولكنه لم يزد علي موافقته علي كل ما قاله الرئيس ثم عاد وأكد بأنه لا يريد سوي حقن الدماء. لكن ما ميز الجلسة السرية هو أن عنان بدأ يتحدث بصفة شخصية اكثر من كونه الامين العام للأمم المتحدة. قال للرئيس بأنه يحب الشعب العراقي ويريد ان يجنبه ويلات الحرب، وانه يلتمس من الرئيس الموافقة علي مطالب المجتمع الدولي. لم يستخدم ابدا لغة القانون او ان هناك امرا علي العراق تنفيذه وإلا! الا انه قال للرئيس اكثر من مرة يا سيادة الرئيس انت رجل قانون وتعلم بأنه عندما يصدر قرار للأمم المتحدة فهو واجب التنفيذ علي اعتبار ان صدام حسين يحمل دبلوما في القانون ـ لكن الرئيس رد عليه بشيء من التهكم ـ ارجو ان لا يتكرر موضوع رجل القانون فأنا لم امارس المحاماة قط .
صدق ما قاله العسكريون
نأتي الي الحرب الاخيرة… متي التقيت الرئيس صدام حسين آخر مرة؟
في 25 شباط (فبراير) 2003 عندما ترجمت له مقابلته مع الصحفي الامريكي دان راذر من قناة سي بي اس الامريكية. بالنسبة لموضوع اللقاء فقد بث في وسائل الاعلام، لكن ما لم يبث هو ان راذر قال للرئيس ارجو ان تعيد النظر في كل شيء والا فقد تكون هذه آخر مرة نلتقي فيها، فضحك الرئيس وقال له قلت لي هذا عام 1990 وها نحن التقينا مرة اخري رد عليه الصحافي بأن هذه الحرب تختلف عن عام 1990 فالعدد والعدة أكثر والتصميم علي اتمام ما لم يتم في الحرب السابقة اكبر، لكن الرئيس ابتسم وقال له سنبقي. كان صدام حسين واثقا من ان العدوان سيدحر، كان يعتقد بحدوث مقاومة كبيرة اذا بدأ الغزو..
علي أي أساس بني اعتقاده؟
من ما سمعه من القادة العسكريين وآمري الوحدات العسكرية الذين كانوا يؤكدون له حسن استعدادهم وتصميمهم علي المقاومة ورد الغزو، وانهم أحاطوا كل مدينة عراقية باربع خطوط دفاعية.
كيف كان الرئيس صدام حسين ينظر الي مبادرات اشخاص مثل وزير الدفاع الفرنسي شوفينمان الذي استقال من منصبه عام 1990 احتجاجا علي الطريقة التي شنت بها الحرب علي العراق، ومبادرات اشخاص مثل جورج غالاوي ولويس فرخان؟ ما هي انطباعاته عن المسيرات المليونية في اوروبا وامريكا ضد الحرب؟
كانت تلقي في نفسه سرورا كثيرا، كان يعتقد بأن هذه اثباتات دامغة علي ان العراق علي حق والجانب الآخر علي باطل.
هل تم اعتقالك من قبل قوات الاحتلال؟
كلا، في الحقيقة لقد أقلقني هذا الامر قبل خروجي من العراق، ليس لأني متهم بشيء فأنا رجل مترجم وليس لي منصب قيادي، ولكن خفت أن يستدعيني الامريكيون لمعرفة تفاصيل عن اجتماعات ولقاءات الرئيس صدام حسين، ولكن الحمد لله لم يحدث شيء من هذا.
اخيرا كيف تصف سقوط بغداد واحتلال العراق؟
زالزال هز كياني.. ارجو من الله ان يفرج عن بلدنا هذه الغمة.