بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بغداد المسورة بكتل الاسمنت
مع الفجر في اول ايام العيد تنشق السماء عن فارس جليل تحيط به دعوات حجاج البيت العتيق يتجاوز الغيوم كانها ستارة مسرح كبير يطلع علينا مع أول بقعة ضوء بلورية ذلك الوجه الذي عرفناه دائما بابتسامته المتألقة المتجذرة داخل فطنة ملامحه العراقية، ليلج صوب تلك الفضاءات المخملية المتاخمة لللامرئيات من الأشكال والمسميات والمتزاحمة في قلب العراق، ليحيلنا الى مدركات عقلية ومدركات حسية تتفتح مع ذلك الحضور الفائق المميز في باحة الوطن الجريح…
ويحلق ذلك الفارس في فضاء ذاك الأفق القصي المتخم بمناخات الشجاعة والرقي والثبات على المباديء أنه كينونة مهمومة بالرقي الانساني وكأنه يثبت أقدامه بتألق أسطوري سرمدي في جذر الأرض ليطلع علينا من ذات المسافة القريبة من ذلك الثبات ليختزل الأزمنة والتواريخ والأمكنة في بودقة تجسيدية رائعة وكأنه يختصر جل المسميات والأشكال والألوان في رحلة السرمدية ليكمن داخل النفس بشفافية مبدعة أخاذة يغلفها الإبهار ويحتوها ذلك الهم العراقي النبيل الذي يسكن في ملامحنا المغتبطة تارة وأخرى يتكور ليصبح بلون الأسى، أنه تكوين خصب جليل لفرسان العراق الذين يجتازون بحضورهم وإيقاعهم الاوكسترالي الجليل ليدخل الى القلب بتودءة ويؤسس له مكانا خالدا داخل النفس البشرية، ويستقر في محافل الدهر الذي راح يتعكز على تراتبياته المحزنة المترهلة، ليجبره على أن يفتح أبوابا أخرى للفرح العراقي الآتي، وان يطبع على تلك الوجوه العراقية المتخمة بالأسى والفرح بآنٍ واحد تلك الابتسامة التي فارقت الثغور منذ زمن فائت بعيد.
امتزج السحر بالخيال بالواقع لتأخذنا الأجواء في جولة من الابعاد السرمدية لمدينة النور الأبدية الى بغداد مدينة إلف ليلة وليلة المروية لنعيش في قصور شهريار الخيالة ومن هناك في تعرج بنا الايام الى بغداد التي كانت تخاطب اليمام أمطري أينما شئت فان سنابل القمح الذهبية سنطحنها في مطاحننا الحجرية… في جولة أخذتنا روح هذا الفارس الجليل ذو الحية البيضاء والملامح السمراء الى مدينه كان يوما أميرها وفارسها لدولة بنا أثارها.. وجيوش قادها كانت تزلزل الأرض تحت إقدامها لحضارة لطفلته لعمارة طرازها امتزجت فيه السومرية باللاسلامية.. لقصور شيدت من مرمر تحكي امجادها الذهبية.. لقبه انفلقت من عظمة الروح التي تسكنها ولرايه التفت تتصاعد في السماء الأبدية ومن هناك هناك الى كرخها لنصبها الى فارس سقط في صراعه مع الجيوش الهمجية ورمحه ارتكز في الأرض وأحاط درعه بالشعلة الأبدية.. وفي الأفق ساعه تدق لتعلن فجر يوم اخر ومناره لجامع لم تنتهي قبابه لتنفتح الى السماء وتصعد الارواح منها.. ذاك رمح هناك مكسور شاهق مرتفع شامخ لكنه صدء.. قال الفرس لم تلك مدينتي التي اعرفها بالبؤس اهلها وجوههم منهكة متعبه يعلوها الغبار ماذا فعلتم بجنه الارض التي كانت تزهوا بالوانها ماذا فعلتم ببغداد.. اين ذهبت رائحه الطين والياسمين والجلنار اين ذهب انوارها اين ذهب خضارها اين ذهب اطفالها اين ضحكتها البهية اين مجد القادسية.فاصبحت تنبعث منها رائحة الدم والاجساد المحترقة… بغداد التي كانت محاط باسوار الرجال!!! ما هذه الاسوار كيف ترزح الان تحت الاسمنت الثقيل كأنها أفعى تمتد حول مدائنها الجميلة مكروهه ممقوتة ملعونة اسوارها الان من الاسمنت الكئيب وارتفاعا الذي يحجب عنا نور الشمس… اين نجوم بغداد الخضراء التي كانت تزين راياتها كيف أصبحت رايات بغداد سوداء كئيبة وحمراء بلون الدم كيف ابدلتم مواكب الفرح بمواكب الحزن والالم والدم والثار… ماهذه الوجوه التي اراها والتي طردت لانها تحمل الثار من ابناء عمر وعلي ها هي عادت الان لتقتل علي لاسمه وعمر لاسمه.. اين وجوه اهل بغداد الجميلة كيف ابدلتم السدارة بالعمامة مالي ارى هؤلاء المعميين تقطر الدماء من بين اسنانهم افواههم كافواه الضباع التي تقاسمت فريسه لتمزقها بين اسنانها جيوبهم ممتلئة باموال السحت.. اهذي بغداد التي اعرفها أهذي كرخها ورصافتها اهذى ابو نواسها وكرادتها أهذي اعظميتها وكاظميتها.. لالا ليست هذه ما اراه هنا مجموعه من الضباع وبنات اوى ما اراه هنا عصابات من الكلاب دمرت أبنيتها قتلت اطفالها هجرت شبابها أذلت شيوخها مسك الشيخ قلبه لوعة ومن يعرف هذه اللوعة، الا من ذاق مرارة الفقد، من ذا الذي لفحته رزية ذلك الأنين الخفي الذي يطلع من جوف ذاك النشيج القصي الماكث في سويداء القلب والقابع في مواطن الحزن النائية، من وقف إمام ذلك الباب الموصد، الذي أعلن بهمس مسموع انسياب النوح والنحيب الموجع الذي استطال حتى صار بسعة العراق، وهو يذرف دمعا من ندى يتطاير من خلجات صمته المريب الذي غلف الكون برمته او في ظلمة ليلٍ استباحه النهار، ليرحل عنه ذائبا من بين يديه، وكأنه يصعد الى السماء بلا استئذان منه، وبدعوة إلهية، بلا وداع، هكذا فجأة دون أن يخبر أحدا برحيله، ربما لأنه كان على موعد نبيل آخر في عالم أكثر إشراقا، وامجد نقاءا وأروع نبلا، وأمتع رحبة، وأبدع جمالا.
هو الموت إذن، يا سيدي.. الموت الذي لا يذر خلفه إلا رمادا بلون الليل وأجسادا خاوية، يُفطر قلبها الحزن، ووجوها بالكاد تميز ملامحها التي لفحها الحزن والأسى على رحيل ذلك الشيخ الجليل الذي استطال في النفس سبعون عاما، حتى شمخت قامته النبيلة وطاولت بكبريائها الجميل نخل العراق الجليل، هكذا هو ديدن الكبرياء أيها الفارس.. حينما يزمع الموت، فانه لن يطأطئ رأسه، ولا يحني قامته لأنه يموت واقفا كالنخل.واثناء جياش الالم والحصرة التي اعتمرت هذا الشيخ الجليل وهو يطير بصهوة فرسه فوق مدينة السلام ليلمح شابا يافعا يجلس فوق سطح المنزل في يده كتاب يتلئلء ضؤ الشمس مابين الغيوم الداكنة ليسطع بنوره على تلك الحروف الذهبية التي تشع على وجه ذلك الشاب اليافع استبد الفضول بالشيخ الجليل اقترب من الشاب ترجل من على الفرس ليقترب رويدا رويدا من الشاب عله يميز ما يقراءه وقف امام ذلك الشاب وسلم عليه وسأله ما تقراء يافتى… تسمرت عينا الشاب بعينا الشيخ الجليل وهي تشع نورا سرمديا بعينان صافيتان تترائى بها الغيوم في السماء اجاب الشاب وعليكم السلام ياشيخنا تريد ان تعرف ماذا اقراء انني اقراء وصفه الخلاص لهذ الامة التي تريد ان تنهض من جديد ولا بد من بعثها لتنهض ففي سبيل بعث هذه الامة اقراء في سبيل البعث لنبعثها من جديد امة عظيمة بين الالامم… فلا يبعث هذه الامة الا البعث
لم ترحل يا سيدي.. فكل البعثيين اعمدة بيتك، بل نحن سعف النخل الذي سيحنو هامته ليعرش فوق مناخات بوحك الإبداعية الشامخة، ليظلل تألقك انثيالا من نور، وكلنا أخوانك، وأولادك، وحمات بيتك العراق.
أما الموت فانه هزيع ُ ليل ٍ مريب، لا يتوارى عن نهب أجمل الأوسمة التي نتقلدها على صدورنا