رئيسة مجلس النواب الامريكي نانسي بيلوسي شنت منذ ايام هجوما عنيفا على الرئيس الافغاني حامد كرزاي، واعتبرت انه "شريك عديم القيمة" لا يستحق الدعم والمساندة.
والسبب الرئيس الذي قدمته لذلك هو انه رئيس فاسد، وان أي استثمارات او اوجه دعم تقدمها امريكا لافغانستان سوف "يتم تحويلها لأغراض فساد".
الذي قالته صحيح بالطبع، ولكنه مع هذا نموذج للنفاق الامريكي وتجاهل الحقائق. وهو ايضا مظهر آخر من مظاهر ورطة ادارة اوباما في افغانستان حاليا.
بداية، الرئيس الافغاني ليس فاسدا فقط، ولكن كان على بيلوسي ان تضيف الى هذا انه مزور ايضا، وان وجوده في الرئاسة حاليا هو في حقيقة الامر وجود غير شرعي.
لكن السؤال الذي كان عليها ان تطرحه، وهي تعرف اجابته، هو: ومن أتى بهذا الرئيس الفاسد والمزور اصلا؟
ألم تكن امريكا هي التي اتت به ونصبته تابعا لها في ظل الاحتلال؟
ألم تكن هي التي غضت النظر عن فساده على الرغم من علمها الكامل بتفاصيله؟
وحين قام في الانتخابات الاخيرة بأكبر عمليات تزوير عرفتها أي انتخابات، الم تكن امريكا والدول الاوروبية الاخرى هي التي تدخلت باساليب شتى لفرضه رئيسا مجددا، ولم تجد وزيرة الخارجية الامريكية غضاضة في ان تذهب بنفسها كي تشارك في حفل تنصيبه؟.
إذن، ليس من حق بيلوسي وغيرها ان يشكوا اليوم. فهذا في حقيقة الامر هو ما تريده في افغانستان. وهذا هو النتاج الطبيعي للاحتلال الغاشم. لا يمكن ان يتعايش معه ويسير في ركابه في افغانستان وغيرها الا فاسد ماليا وسياسيا.
ومن أين أتى الفساد السياسي والمالي في العراق والذي دمر البلد ودفع به الى هذا المصير المظلم الذي نراه؟ ألم يأت مع الاحتلال ويترعرع في ظله، وعن عمد وتخطيط؟
بعبارة اخرى، من الاستخفاف بالعقول ان تتصور بيلوسي او غيرها انه من الممكن ان تكون هناك ديمقراطية، او تكون هناك نزاهة في ظل الاحتلال في افغانستان او في العراق، وفي ظل نخب عميلة تابعة ينصبها الاحتلال ويسبغ حمايته عليها.
غير ان هذا الذي قالته بيلوسي يأتي كما قلنا في جانب اساسي منه ليكشف عن الورطة الكبرى لادارة اوباما اليوم في افغانستان وعجزها الفعلي عن الخروج منها.
إدارة اوباما اعتبرت ان افغانستان هي معركتها الاولى التي لها الاولوية المطلقة على أي قضية عالمية اخرى. لكنها في نفس الوقت عاجزة عن التعامل مع الورطة. والسبب ببساطة انها لا تطرح مشروعا الا استمرار الاحتلال والقتل والذبح ولا شيء غير ذلك. فهي لا تدرس من خيارات الا زيادة أعداد قوات الاحتلال، والخلاف هو حول العدد. وغير هذا، هي تفكر كما تردد في الايام الماضية في تشكيل ميليشيات شعبية في افغانستان للمشاركة في محاربة طالبان. أي انها تريد توسيع نطاق المذابح وعمليات القتل هناك.
هذه "استراتيجية"لا يصلح لها الا رئيس فاسد مزور مثل كرزاي. ولهذا السبب تحديدا قاتلت امريكا من اجل إبقائه.
هذا بالضبط هو ما لم تدركه بيلوسي.
وما لم تدركه ايضا هو ان كل هذا الجدل في امريكا حول افغانستان، وكل هذا الذي تفعله ادارة اوباما، هو في جوهره محاولة فاشلة للهروب من الحقيقة التي بات يعلمها الجميع.. حقيقة الهزيمة في افغانستان والتي لن تجد امريكا في مستقبل ربما قريب مفرا من التسليم بها.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.