التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الايراني متكي امس الأول وتحدث فيها عما يجري في اليمن، لا يمكن ان تمر من دون وقفة، ومن دون رد واضح عليها.
ولمن لم يتابع ما قاله، فقد حذر متكي دول المنطقة من "التدخل في الشئون الداخلية في اليمن" مشيرا – كما هو واضح – الى العمليات العسكرية السعودية ضد الحوثيين. وقال: "اولئك الذين يصبون الزيت على النار عليهم ان يعلموا ان الدخان الذي سيتصاعد من هذه النيران لن يوفرهم".
ومتكي قدم "تحليله" الخاص للوضع في اليمن، وقال: "اليمن يواجه ثلاث مشكلات هي الارهاب وعماده تنظيم القاعدة الذي يريد جعل اليمن محور عمله، والحركات الاستقلالية، والعلاقات بين الحكومة والشيعة".
ونفى أن يكون لايران دور في الصراع، وقال: "ان بلدا يسعى للعب دور في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في كل دول المنطقة لا يمكن ان يكون له دور في إثارة التوترات".
بدون مقدمات، لنا سبع ملاحظات على الاقل على هذه التصريحات، والمواقف التي عبر عنها وزير الخارجية الايراني:
الملاحظة الأولى:
ان القضية برمتها، نعني قضية الصراع في اليمن والعمليات السعودية، هي قضية عربية بحتة. وليس هناك أي شيء يعطي الوزير الايراني الحق في التدخل فيها، وإبداء الانحياز لهذا الطرف او ذاك.
ولعله من المناسب هنا التذكير بالموقف الذي اتخذته كل الدول العربية بلا استثناء طوال فترة اندلاع الاحتجاجات الداخلية في ايران بعد الانتخابات. كل الدول العربية على مستوى مواقفها الرسمية كانت حريصة اشد الحرص على الا تتخذ أي موقف يمكن ان ينطوي على تدخل في المسألة. كل ما كانت تؤكده هو الحرص على استقرار الاوضاع في ايران، وان ما يجري هو شأن داخلي.
وكان الاحرى بالوزير الايراني ان يتبع نفس النهج.
الملاحظة الثانية:
ومع ان القضية عربية، ولا احد مطالب بأن يقدم الى ايران او غيرها أي توضيح عما يجري فيما يتعلق بالعمليات السعودية، فإن السعودية لم تلجأ الى هذه العمليات العسكرية الا بعد اختراق حدودها وانتهاك سيادتها. واليمن، المعني بالأمر، لم يعتبر هذا تدخلا في شئونه. والسعودية اعلنت ان كل هدف العمليات هو تطهير وتأمين حدودها.
واذا كان الوزير الايراني يعتبر ان ما فعلته السعودية تدخلا في شئون اليمن، فلماذا لا يستذكر ما فعلته ايران عندما وقع الاعتداء الذي اودى بحياة عدد من قادة الحرس الثوري؟ لقد هددت ايران بأنها يمكن ان ترسل قواتها الى داخل الحدود الباكستانية.
الملاحظة الثالثة:
كل الدول العربية اعلنت إدانتها لاختراق حدود السعودية ووقوفها بجانبها في الاجراءات التي اتخذتها.
وإذن، فإن الوزير بتصريحاته هذه يضع ايران في مواجهة كل الدول العربية، وفي قضية لا تعني ايران.
الملاحظة الرابعة:
بأي وجه حق يعطي الوزير لنفسه الحق في ان يقدم تحليلا وتوصيفا رسميا إيرانيا لما يجري داخل اليمن ولمشاكله الداخلية؟
في حدود ما نعلم، لم يفوضه احد من اليمنيين بذلك. وحتى الشيعة اليمنيين ليس من حق الوزير ولا أي احد في ايران ان ينصب نفسه متحدثا باسمهم.
والا يلاحظ الوزير ان هذا الذي قاله عن الصراع الداخلي في اليمن يعد في حد ذاته تدخلا سافرا في شأن داخلي؟
الملاحظة الخامسة:
على أي اساس يعتبر الوزير ان الصراع في اليمن هو صراع طائفي باشارته الى الشيعة وعلاقتهم بالحكومة؟
هذا ليس صراعا طائفيا. هو صراع مع مجموعة متمردة ترفع السلاح وتحارب الدولة. ولو ان الذين يرفعون السلاح كانوا من السنة لما كان الوضع قد اختلف في تعامل الدولة معهم. ولو ان الذين انتهكوا الحدود السعودية كانوا من السنة، لكانت قد لجأت الى نفس الاجراءات.
حقيقة الامر ان تصوير الصراع على انه طائفي من أي فرد او جهة هو في حد ذاته تحريض على الفتنة الطائفية.
الملاحظة السادسة:
اذا كان وزير الخارجية الايراني يعطي لنفسه الحق في تحذير دول المنطقة من التدخل في الشئون اليمنية ويعتبر ذلك خطرا، فلماذا من باب اولى لا تكف ايران عن التدخل في شئون اليمن وعن دعمها للمتمردين، وهو الامر الذي اكدته السلطات اليمنية مرارا وتكرارا؟
حين سئل الوزير عن التدخل الايراني في شئون اليمن، لم يجد ما يقوله سوى انه ليس معقولا ان ايران الحريصة على استقرار المنطقة تفعل هذا. ولا نحسب ان سياسات ومواقف ايران تجاه المنطقة وفي كثير من القضايا في السنوات الماضية تشير حقا الى الحرص على الاستقرار والسلم.
الملاحظة السابعة:
تتعلق بما تثيره مثل هذه التصريحات من تساؤلات حول مستقبل العلاقات الايرانية العربية برمتها.
والقضية هنا باختصار ان ايران عليها ان تقرر أي علاقات بالضبط تريد مع الدول العربية. هل تريد حقا علاقات مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل والمصالح المشتركة؟
لا نحسب ان مثل هذه التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية الايراني يمكن ان تساعد على إقامة مثل هذه العلاقات.