بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جمال عبد الناصر أعطى دفعا قويا للحركة القومية العربية للنهوض
والساحة الجزائرية تكاد تكون شاغرة من التنظيمات القومية
لمن لا يعرف الدكتور احمد شوتري فهو مناضل قومي وأكاديمي جزائري عاش بالعراق لفترة تزيد عن العقد من الزمن و احد المقربين إلى الرئيس الراحل صدام حسين شغل منصب عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. عاد بعد احتلال العراق إلى الجزائر وهناك لا زال يواصل نشاطه الحزبي.
س : أستاذي الفاضل بداية نود أن نسألك عن القومية والقوميين في الجزائر وما دعانا إلى طرح هذا السؤال هو ذاك الشتات العربي الرسمي وغير الرسمي ولنبدأ من الجزائر؟
الدكتور احمد شوتري : حينما نتحدث عن القومية العربية في الجزائر فإننا نجد أنفسنا أمام إشكال حول تحديد هذه الفئة من الناس، هل هي موجودة وما هو وزنها وتأثيرها. وللإجابة على هذا التساؤل ننطلق من نظرة تاريخية عن طبيعة وواقع الشعب الجزائري، فالشعب الجزائري هو شعب عربي له ثقافته ولغته وعاداته العربية الراسخة وله عقيدته الإسلامية الثابتة، ولذلك كانت مقاومته للاستعمار الفرنسي مقاومة عقائدية، انطلاقا من هذه القيم فهو شعب عربي يدافع عن هويته، بل هو أول شعب عربي يصطدم بالاستعمار الحديث ويعبر عن قوميته الأصيلة وعن هويته عبر مقاومته المسلحة، وعليه يمكن القول أن مقاومته للاحتلال منذ عام 1830 كانت أول رد قومي في الساحة العربية لحماية الأمة العربية، دون أن ننسى الحركة " الباديسية" التي هي وان رفعت شعار حماية الدين، إلا انها في عمقها حركة قومية من خلال دفاعها عن اللغة العربية والثقافة العربية والشخصية الجزائرية، وصولا إلى حزب الشعب مؤسس الحركة الوطنية الشعبية الجزائرية الذي تمكن من صياغة مشروع وطني يعكس هوية الجزائر، وبفضله تم التأسيس لتحرير الجزائر. انطلاقا من هذه الأسس نصل إلى نتيجة مفادها أن الحركة القومية العربية في الجزائر لها جذور تاريخية نضالية وان عبرت عن نفسها بروح وطنية.
لكن الإشكال الذي طرح بعد الاستقلال، هو الذي أثار ضبابا كثيفا على هذه الحقائق، وحاولت القوى المشبوهة المتسللة إلى السلطة إقصاء التيار القومي من ممارسة السياسة، أو التعبير عن نفسها بشكل صريح، ومع ذلك لم تتوانى الشخصيات القومية المرتبطة بالحركة الوطنية الجزائرية في الدفاع عن الهوية القومية للجزائر والتأثير في القرارات السياسية للدولة الجزائرية، بهذا الاتجاه منذ الاستقلال إلى اليوم، وتجلى ذلك في التعريب والصحافة وبناء المساجد وعقد المؤتمرات ودفع الجزائر لتكون عضوا نشيطا في العمل الرسمي العربي. لكننا حينما نسال الآن، هل توجد تنظيمات قومية ترفع راية الحركة القومية في الجزائر أم لا؟ فإننا مع الأسف لا نجد إلا حركة البعث الموجودة منذ السبعينات وتعمل جاهدة لتثبيت وجودها في الساحة السياسية الجزائرية رغم محاولة عزلها وإقصائها.
س : غير التنظيمات التي نجد البعث وحده ماذا عن الشخصيات القومية الأخرى مثل الناصريين؟
الدكتور احمد شوتري : حقيقة لا يمكن تجاهل محاولة بعض الحركات لتسجيل وجودها مثل الحركات الناصرية ولا يمكن كذلك نكران شخصيات قومية عديدة عبرت عن نفسها من خلال مواقفها القومية، لكن فاعلية هذه الحركات والأشخاص بدون هيكلة وتنظيم فعال بقيت ذات تأثير محدود.
س : لو تظهر تنظيمات قومية في الساحة هل يخدمكم ذلك كحركة قومية؟
الدكتور احمد شوتري : نعم لا يمكن حصر الحركة القومية في تنظيم واحد، الأمة العربية كبيرة ومشاكلها كثيرة والوطن العربي واسعا وتاريخ تطوره شائكا وصعبا، لذلك تعدد المنابر القومية مفيدة للحركة القومية ونتمنى أن تشهد الساحة العربية ميلاد حركات قومية غير متناقضة.
س : هل نستطيع أن نقول القومية نهضت مع مجيء الراحل جمال عبد الناصر؟
الدكتور احمد شوتري : نعم لا شك أن المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر كان بثورته عامل دفع قوي للحركة القومية العربية أولا باسترجاع هوية مصر العربية بشكل واضح وصريح بتبنيه المشروع القومي العربي، انطلاقا من مصر والدفاع عن القضايا القومية الكبرى التي كانت مطروحة في الخمسينيات مثل تحرير المغرب العربي وتبنيه للثورة الجزائرية بدعمها ماديا وسياسيا وإعلاميا وقيامه بحماية سورية من التهديدات التركية والكيان الصهيوني إلى درجة الوحدة مع سورية، إلى حماية الثورة في اليمن ناهيك عن توحيد صوت الأمة في المحافل الدولية وعدم الانحياز.
س : هناك من يقول أن الوطن العربي تحرر بنهضة قومية وعاد ليحتل بصحوة إسلامية ما تعليقك؟
الدكتور احمد شوتري : الفكرة من حيث المبدأ صحيحة لكنها تحتاج إلى نقاش فالنهضة قامت في مصر والعراق وسوريا وفي الجزائر، وقد قامت بها قوى وطنية قومية هذه القوى التي اصطدمت يومها بالتيارات الإسلامية كقوى معارضة للتوجه القومي لذلك تتحمل المسؤولية التاريخية في عرقلة هذه المسيرة النهضوية، أما اليوم والوطن العربي يواجه تحديات عودة الاستعمار فإننا نجد الكثير من الحركات الإسلامية وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين مبتهجة لما تعرضت له الحركة القومية من ضربات وهي تسهل مهام الاستعمار بل ومتعاونة معه، إن حركة الإخوان في العراق هللت للاحتلال الأمريكي وتعاونت معه، وفي مصر تتفاوض سرا مع الأمريكان ولا ندري ما هي مشاريعها حول مصر ودورها القومي، كما أننا نجد علاقة هذه الحركات قوية ماديا ومعنويا مع بعض الأنظمة في الخليج التي كانت دوما عونا للاستعمار وضد نهوض الحركة العربية ورموزها القومية. الحركة القومية هي مستقبل الأمة العربية وان لم تفهم الحركات الإسلامية طبيعة الصراع وتتعاون مع الحركة القومية العربية لأجل إنقاذ الأمة العربية ستحكم على نفسها ليس بالفشل إنما بالسقوط النهائي، لان الأمة العربية حقيقة تاريخية ثابتة وتجاهلها والقفز من فوقها يؤدي إلى الإفلاس.
س : أستاذ كما هو معروف انك كنت عضو في القيادة القومية ومن المقربين إلى الشهيد صدام حسين الذي تتهمه بعض الأطراف بالدكتاتوري ونحن نعلم انه وصل إلى الحكم سنة 1979 وبعد سنتين أي سنة 1980 دخل في حرب مع إيران التي دامت ثمانية سنوات إذ توقفت سنة 1988 وبعد سنتين أي سنة 1991 تمت الهجمة الأمريكية في عدوان ثلاثيني دمر العراق وبعدها حصار لأكثر من 12 سنة ثم احتلال بتبريرات واهية هل في اعتقادك أعطيت لصدام فرصة لإظهار نيته الديمقراطية؟
الدكتور احمد شوتري : علينا أن نحلل مصطلح الديكتاتورية، من هو الديكتاتوري؟ هو ذلك الإنسان الأناني الذي لا يحب إلا نفسه، وبالتالي لا يحب الخير لغيره، فكيف نصف إنسانا أو زعيما ينتشل بلده من التخلف والفقر والجهل ويضعه في زمن قياسي في مصاف الدول المهمة كيف نصفه بالدكتاتوري؟ الأمية كانت في الستينيات 80 بالمائة ولم تكون هناك إلا ثلاث جامعات وكان العراق مصنفا ضمن الدول الأكثر فقر في العالم وفي ظرف 20 سنة تحول العراق إلى دولة عظمى لقد سبق الهند والصين وأطلق أول صاروخ فضائي سنة 1989 وبذالك يكون قد سبق الهند والصين، هذا الرجل لا نقول عليه أناني. أما إذا أخذنا الدكتاتورية بميزان التعددية السياسية في الغرب، فان صدام أول رئيس يقر بالتعددية في الوطن العربي والعالم الثالث باستثناء الهند باعترافه في سنة 1973 بالأحزاب المهمة في العراق وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي واستمرت التجربة إلى غاية 1979 وكانت في طريق النجاح لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، هؤلاء هم من افشل التجربة حتى يظهر أن العرب لا يؤمنون بالتعددية، وكذلك صدام أول من اعترف بحقوق الأكراد وهم أنفسهم يشهدون له بذلك، وهو ما لم يحدث في سوريا وإيران وتركيا وهو النظام الذي لم يكون طائفيا في فسيفساء العراق كيف كل هذا لا نراه ونتهم هذا الرجل الرمز بالدكتاتورية؟
س : قال الرئيس الفنزويلي شافيز انه ناصري ونسجل له أيضا مواقفه الشجاعة حيث كان الرئيس الوحيد الذي يزور العراق ويلتقي بصدام حسين أثناء الحصار ما تعليقك؟
الدكتور احمد شوتري : الرئيس شافيز باعتباره ثوري وقومي في إقليمه لا يمكن إلا أن يقدر الثوار والقوميين في الوطن العربي لان طبيعتهم ثورية أيضا ولا استبعد أن يكون هذا الرجل العظيم قرأ لجمال عبد الناصر وصدام حسين واطلع على نضال الحركة القومية العربية وعليه لا نستبعد انه قد تأثر، كما أننا يجب أن نشير إلى انه هناك الكثير في حزب شافيز ذوي أصول عربية وبالتأكيد يكون لهم تأثير في قراراته.