أيهما كسب أكثر أهل الجنوب أم أهل الشمال؟ ومن خسر أكثر الشمال أم الجنوب السوداني؟ ومن سيستفيد من تقسيم منطقة ابيي؟ خاصةً أن حل ''لاهاي'' لم يكن حلاً مبنياً على المصلحة الوطنية السودانية؛ بل إنه في الحقيقة ترجمة للعبة تقسيم السودان إلى أجزاء، من أجل الاستفراد بهذه الأجزاء التي تحمل في أرضها ثروة نفطية، وهو الأكثر دليلاً على دخول الشركات النفطية في لعبة التقسيم هذه مع دوائر الغرب التي رأتها فرصة سانحة لتنفيذ مخططها في تقسيم الوطن السوداني الواحد إلى عدة أقسام. منطقة ابيي غنية بالنفط، وتقع على الحدود بين الشمال والجنوب، يحدها غرباً منطقة كردفان في السودان، وشمالاً بحر الغزال، وجنوباً بحر العرب القريب منها. ويعيش فيها مزيج من القبائل الأفريقية مثل ''الدينكا''، والعربية مثل ''المسيرية والرزيقات''، ويُدعي كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة. وظلت المنطقة تتبع إدارياً المناطق الشمالية، لكنها تحولت الآن إلى منطقة نزاع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي تريد ضمها إلى الجنوب. وعانت قبائل تلك المنطقة من آثار الحروب الأهلية في السودان، في الحرب الأولى التي امتدت بين سنوات 1956 و,1972 والحرب الأهلية سنة .1983 وتم الاتفاق على حل لاهاي بين حزب المؤتمر الوطني (الشمال) والحركة الشعبية (الجنوب) بموجب اتفاق السلام الشامل الموقع عام 2005 في مدينة جوبا في جنوب السودان. ونص الاتفاق على إجراء استفتاء في عام 2011 يتقرر بموجبه لابيي الالتحاق إما بالشمال أو بالجنوب، وإقرار الإدارة المشتركة إلى ذلك الحين، كما يُحدد الاتفاق كيفية تقاسم العائدات النفطية للمنطقة بين الحكومة في الشمال وجنوب السودان، بالإضافة إلى تأكيده على حقوق الرعي بالنسبة لرعاة المسيرية الذين يعيشون في شمال ابيي، ونصوص أخرى عرضها الاتفاق. عمل الاستعمار البريطاني على إبقاء السودان إبان فترة الاحتلال في حالة من التخلف والتبعية الثقافية والاقتصادية، وصاغ مجموعة من القوانين التمييزية لتكريس حالة التشتت والتشرذم القبلي والوطني بهدف عرقلة التوحد الوطني بين شمال السودان وجنوبه، والتفريق في الخدمات الإنمائية والاجتماعية بينهما، كما عمل الاستعمار على إذكاء الصراعات والكراهية بين أبناء السودان الواحد. والآن وبعد مرور 53 عاماً من الاستقلال تم صياغة نفس الأفكار الاستعمارية وبنفس الأجندة وهو التقسيم، وذلك من أجل عرقلة متطلبات حركة التطور الوطني والمراهنة على دور الأجنبي بدلاً من المراهنة على الإرادة الوطنية والشعبية والقومية، وبهذه الخطوة تم السماح للقوى الأجنبية بحسم قضايا ومصير السودان، هذا ما أثر وسيعمق الأثر بوحدة النسيج السوداني. من المعلوم أن هيئة التحكيم الدولية تحكم بين الدول فقط؛ والسودان الآن هي دولة واحدة؛ فكيف يتم قانونياً أن تفصل هذه الهيئة في قضية في بلد واحد؟ إلا إذا كان هدف الهيئة هو تحقيق انفصال الجنوب السوداني عن شماله، وقد يساعد هذا الأمر إلى ذهاب باقي القبائل السودانية إلى محكمة لاهاي لحل المشاكل القائمة بين الرعاة والمزارعين الآخرين، مما سيعمل على تقسيم السودان إلى عدة ولايات إثنية وقبلية، وبالتالي إغراق السودان في الخلافات بين شماله وجنوبه. بالأمس القريب احتل الأمريكيون والصهاينة والإيرانيون، العراق من أجل تقسيمه، وتوزيعه حصصاً طائفية وإثنية، واليوم السودان، وغداً قطر عربي آخر سيتعرض للتقسيم. ولماذا لا؟ فما الذي يمنع أقباط مصر من رفع شكوى إلى محكمة لاهاي ليتقاسموا أرض مصر مع المسلمين؟ والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية بالانفصال عن السعودية الأخرى؟ والجنوب اللبناني عن دولة لبنان؟ والأمازيغ عن الدولة الجزائرية؟ وهذا الأمر سيكون بدعم إعلامي وسياسي من عواصم القرار الدولي المهيمنة على مقدرات شعوب العالم، لكنه في نفس الوقت لم نسمع أنه سيتم توزيع منطقة أو مدينة تقع بين الولايات الأمريكية أو في المملكة المتحدة أو في ألمانيا وغيرها من الدول الغربية إلى قسمين أو أكثر، وهذا لن يحدث، لأنهم يدركون بأن الاتحاد قوة والتفرقة ضعف. إذاً ما العمل؟ هل سندق الطبول ونفرح؟ أم على السودانيين الانتظار حتى عام 2011 حين يتم تقسيم السودان إلى قطعتين شمالية وأخرى جنوبية؟ ما العمل من أجل منع تحقيق أهداف لعبة التقسيم؟ وتوحيد السودان أرضاً وشعباً؟. في ظل هذه الظروف ليس هناك أفضل من التمسك بالثوابت الوطنية والتخندق في الخندق السوداني الواحد، وهذا ما سيعمل على الحفاظ على استقلالية الوطن وسيادته ووحدته، وعدم تحقيق أهداف القوى الغربية والإقليمية في تقسيم السودان، وجميع مَن في السودان يتحمل هذه المسؤولية، يُساندهم في ذلك الجماهير العربية وحكومات الأقطار العربية. فإذا كان الداء سودانياً فيجب أن يكون الدواء سودانياً أيضاً، وهذا يعني..أنه لتجاوز مرحلة هذا الخطر الذي يحدق بالسودان وشعبه.. يجب أن تتوحد الرؤى والمواقف، وتُبذل الجهود السودانية -ومن جميع الجهات- من أجل إنقاذ الوطن السوداني الواحد، وتقويض مؤامرة التقسيم. هذا يتطلب أيضاً من الدولة أن تسمح لجميع الأحزاب السياسية الوطنية والقومية المشاركة في إدارة دفة إنقاذ الوطن وعدم التضييق عليها، وعدم تقييد حرية الرأي والتعبير. وعلى القيادات السياسية في السودان العمل وفقاً لبرنامج وطني جاد يخرج البلاد من أزمتها الوطنية الشاملة، ويتصدى للتحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، ورص الصف الوطني مع كل المبادرات التي تنسجم مع تحقيق هذا الهدف أو يمكن أن تؤدي إليه، ومن الممكن جداً أن يحقق السودان أهدافه إذا توحدت هذه الصفوف وصدقت نواياها وراهنت على قدرات شعب السودان. وغير ذلك فهي لن تكون قادرة على تحقيق أياً من أهدافها، وستفشل في فرض إرادتها على أرضها، وعلى إنقاذ ما تبقى من سودانيتها السيادية ووحدتها الوطنية والشعبية، وهذا بسبب تداخل الخنادق وعدم الجدية واعتماد المناورة والحسابات الإثنية والحزبية الضيقة الأفق