تعرض العراق وشعبه لأكبر خديعة في تاريخه الحديث من قبل حُكام الاحتلال الأمريكي ومرجعياته السياسية والدينية، هؤلاء الحُكام الذين وعدوا العراق وشعبه بعراقٍ جديد، عراقٍ مزدهر وآمن، عراق الديمقراطية وحقوق الإنسان، عراق الشرف والأمانة. وكيف يوعدون بشيء لا يستطيعون تحقيقه؟ وهم الآتين من رحم الاحتلال الأمريكي وبدعمٍ صهيوني وبمباركة إيرانية وبإجماع شبه عربي؟ فتحولت أماني وأحلام تلك الفئة الحاكمة المحتلة إلى حالة كارثية للعراق وشعبه، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. لا يمكن أن نسرد كل إنجازات ثورة 17 تموز المجيدة في العراق، بدءاً من تأميم النفط العراقي إلى بناء الإنسان العراقي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً،إلى دوره في احتضان الثورة الفلسطينية العربية، ودفاعه المستميت عن حوض الخليج العربي، إلى دوره القومي الرائد في الوطن العربي والدفاع الدائم والمستمر عن القضايا القومية.فهو البوابة الشرقية للوطن العربي التي لم يستطع النظام الإيراني أن يدخل عبرها ويهدد أقطار الخليج العربي حينها إلا بعد نيسان .2003 لقد كانت 17 تموز مشروعاً وطنياً وقومياً حقق الاستقلال السياسي والاقتصادي للعراق،وساهمت في بناء النموذج الوطني المتطور، مما جعل من القيادات الأمريكية والإيرانية والصهيونية التعجيل بالإجهاز على هذا المشروع، وبالتالي عرقلة نهوض الأمة العربية التي كان يمثلها ذلك المشروع. ففي عهد 17 تموز حقق العراق قاعدة علمية ضخمة لم يكن لها مثيل في المنطقة العربية والإقليمية،وأنفق على تعليم الآلاف من أبنائه العراقيين والعرب ومن الدول النامية والإسلامية الأخرى، من مختلف الطوائف والأعراق دون تمييز، وحصل عام 1982م على جائزة اليونسكو بمناسبة قضائه على الأمية تماماً في العراق. وحققت حكومة 17 تموز الأمن والأمان للعراقيين،وخدمت مقدساته بكل صدقٍ وإخلاص، وحافظت على حضارته وصانت ثقافته، وحافظت على وحدة البلاد، ودحرت بجيشها الباسل العدوان الإيراني على العراق والخليج العربي،وعززت من مكانة العراق عربياً وإقليمياً ودولياً، ووقفت دائماً إلى قضايا الحق. ولم يهاجر من العراق إلا أولئك الذين لم تتوافق أهواؤهم ومصالحهم ومكاسبهم وأجنداتهم مع مبادئ وأهداف العراق وشعبه،ولم يترك أرض العراق إلا أولئك الذين لا يريدون الخير والعزة له، وعاد أكثرهم مع جحافل وقوات الاحتلال الأمريكي والإيراني. لقد جاء هؤلاء ليبنوا عراقاً( جديداً ) لا ينتمي إلى تراب وتاريخ العراق وشعبه وطينته وقوميته ودينه،عراقاً مسلوب الإرادة، فاقد الهوية، جاءوا ليثأروا من العراق وشعبه، خرجوا من جحورهم النتنة إلى العراق وشاركوا في نهبه واغتيال أرضه وشعبه وقادته، جاؤوا ليجعلوا من إنجازات 17 تموز تجاوزات وسرقات ونهباً للمال العام، اتهموا قيادة العراق وأبناءه المخلصين بالسرقة والنهب وضياع موارد البلاد، وهم يغرفون من ثروات العراق إلى جيوبهم الخاصة في الداخل والخارج، ويتنعمون بأمواله وبعوائد نفطه بعيداً عن تلبية حاجات العراقيين الأساسية من الغذاء والدواء والأمن والملبس والمسكن، وأصبحوا أثرياء بين ليلة وضحاها. وفي عهد الاحتلال الأمريكي الإيراني الصهيوني، تم اغتيال العلماء والمفكرين والأدباء، يعيش أبناء العراق على حصة غذائية محددة، انقطاع مستمر للتيار الكهربائي، غياب إمدادات الماء النقي، انهيار الخدمات الطبية، إغلاق الكثير من المدارس، الشيء الذي وفره حُكام الاحتلال هو الموت اليومي والمبرمج للعراقيين، حررهم من الأمان وكبلهم بالفتن، وبعد أن كان الشعب العراقي شعباً عراقياً واحداً أصبح شعوباً ( سنية وشيعية، كردية وأرمنية، مسيحية ويهودية ) موزعين على فيدراليات استعمارية وفي كانتونات طائفية، وفقد العراق هويته وشعبه ووطنيته. وأصبح من المُعيب جداً أن نقارن بين حكومة 17 تموز التي خدمت العراق وشعبه بكل صدقٍ وأمانة، وحافظت على ثروته النفطية، وصدت المطامع الأجنبية، وبين حكومة احتلال 2003م التي خدمت الأجندات الأمريكية والإيرانية والصهيونية،التي شاركت ومهدت لاحتلال العراق، وسرقت ثرواته النفطية والثقافية والحضارية.صحيح أن لكل تجربة ( عيوبا وأخطاء ) لكنه من المخجل جداً المقارنة بين من وحد شعب العراق ونظف أرضه من الاستعمار وجيوبه وبين من قسم العراق إلى حصص واغتصب هويته وبين من جمع شعب العراق في وطن كريم عزيز يفتخر بعلومه وإنجازاته في كل المجالات، وبين من فتت الوطن وقسم شعبه إلى طوائف مذهبية وأعراق أثنية، وبين من قارع الصهيونية، وبين من ساهم بتحقيق حُلم الصهاينة من النيل إلى الفرات وساعد الإيرانيين على اغتيال قيادات العراق ونسوره وأبطاله الميامين الذين شاركوا في صد الغزو الإيراني الحاقد. ولعل هؤلاء لم ينسوا أن ( الشهداء أحياء عند الله يرزقون )، وأقول لهم أيضاً بأن ( الخوف من الأحياء سلوك مبرر، أما الخشية من الموتى فأمر يدعو إلى الكثير من التساؤل ) !!! ولا أقول لكم إقرأوا التاريخ بل انظروا فقط وشاهدوا فحسب القنوات الفضائية العربية والأجنبية التي تعتمد تشويه 17 تموز والتنكيل بإنجازاتها، ومحاولاتها اللئيمة بالتسويق لمهرجي ودهاقنة السيادة الاحتلالية في المنطقة الخضراء. ومخطىء من ادعى أن عهد 17 تموز معصوم من الأخطاء، وكل من ينكر أفضال هذا العهد على العراق والعراقيين والعرب هو كذاب آثم، ولينظر جميع الخلق.. أين كان العراق بالأمس وكيف أصبح اليوم ؟ ❊كاتب بحريني