بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وبعد :
لقد توقعت أن تضم هذه الندوة أقسام هامة من الأعضاء الفاعلين في الأحزاب والمهتمين بالشأن السياسي والإجتماعي..وهي بذلك أقرب إلي صورة مؤتمر منها لندوة جماهيرية مقبولة.
لذا أقترح ألا يكون مبلغ علمنا وجل جهدنا هو تعديد أخطاء وخطايا الإنقاذ..بل أن نتعمق في أزمتنا الوطنية الشاملة التي نشكل نحن أحد عناصرها إيجاباً وسلباً.ولا يستقيم الظل والعود أعوج.
*.في 2005 م أقام حزب البعث العربي الإشتراكي ندوة مركزية في دار إتحاد طلاب جامعة الخرطوم إستعرض فيها بشكل موضوعي واقع حال الإنقاذ على مختلف الأصعدة وخلص إلى أن حصادها لا يؤهلها لقيادة البلاد في الفترة الإنتقالية.ودعا المشير البشير إلى أن يحذو حذو الفريق عبود وأن يسلم السلطة للشعب، وأقترح تكوين سلطة إنتقالية تمثل التيارات الرئيسة بالبلاد وفقاً لبرنامج يخرج البلاد من أزمتها الوطنية الشاملة ويتصدى للتحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، وظللنا نؤكد على هذا الخط طوال الفترة السابقة، وإلى ذلك فقد تعاملنا بجدية مع مبادرة رص الصف الوطني ومع كل المبادرات التي تنسجم مع تحقيق هذا الهدف أو يمكن أن تؤدي إليه.
وكان يمكن لقوى المعارضة أن تحقق هذا الهدف إذا وحدت صفوفها وصدقت في نواياها وثبتت في مواقفها وراهنت علي قدرات شعب السودان.
ولكنها فشلت إلى يومنا هذا في تحقيق أهدافها كما فشلت في فرض ارادتها على الإنقاذ فيما يتعلق بقوانين الأحزاب والإنتخابات والصحافة والمطبوعات وإلغاء القوانين التي تتعارض مع الدستور.وذلك بسبب تداخل الخنادق وعدم الجدية والمثابرة وإعتماد المناورة والحسابات الحزبية الضيقة.واقع الحال أضعف مصداقيتها أمام جماهير شعبنا وأدى إلى إرباك حركة النضال الوطني وأشاع حالة من اليأس والإحباط في صفوفها.
وفي هذا الظرف الذي أهتز فيه التمسك بالثوابت الوطنية في الإستقلال والسيادة والوحدة وسادت فيه الفوضى الإقتصادية والمالية ونزل 90 % من أبناء شعبنا تحت خط الفقر فقد تحولت قطاعات هامة من الشعب للإحتماء بالجهوية والقبلية كما تحول بعضها إلى الإستخفاف بالثوابت الوطنية والقومية والدينية.وكلِنا يتحمل قسط من المسئولية في هذه التحولات.
ومع ذلك فسوف تظل أحزابنا ولفترة من الزمن تطول أو تقصر بهذا الطرف أو ذاك هي الداء والدواء..وبصرف النظر عن رؤية ورأي كل منا في الآخر فإن ضرورات المرحلة تتطلب توحيد الرؤى والجهود حول القضايا الرئيسية التي من شأنها أن تضع البلاد في خط شروع جديد آمن..وشرط ذلك أن يستقيم عودنا وأن يمارس كل منا النقد الذاتي ولا بأس من أن نتناصح وأن نوجه النقد البناء لبعضنا..وإن أحزابنا ليست مجهولة ولا معزولة كما يصفها السيد نافع علي نافع المسئول السياسي والتنظيمي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، فقد ذكر أن الأجيال الجديدة لا تعرف هذه الأحزاب وأنها قد فقدت تأثيرها وسط الجماهير..والسؤال من هو المئول عن تغييبها؟ ولماذا لا تُعطى هذه الأحزاب فرصاً مساوية في أجهزة الإعلام لفرصة حزب المؤتمر الوطني حتى يتعرف الشعب على فكرها وبرامجها ثم يحكم لها أو عليها؟ والسؤال الأهم إذا كانت هذه الأجيال لا تعرف سوى المؤتمر الوطني فهل معرفتها به إيجابية أم سلبية؟ ألم يكن الحزب القلب للمؤتمر الوطني يحظى بولاءات طوعية ومخلصة عندما لم يجرب الإنفراد بالسلطة.أما حول تأثيرها فهذا يتفاوت بين حزب وآخر…..ولكن تجارب التاريخ البعيد والقريب تؤكد أن الديكتاتوية والقوة الغاشمة قد تنجح في تعطيل مسيرة بعض الأحزاب ولكنها لن تنجح أبداً في إقتلاع الأصلاء.
لقد أستخدم البريطانيون القوة والإعلام في محاولة لإقتلاع الدعوة المهدية وإطفاء نار الثورة المهدية وقد نجحوا في تقويض دولة المهدية ولكنهم خابوا وخابت مساعيهم في إقتلاع الدعوة المهدية أو إطفاء نار الثورة المهدية التي ألهبت الصدوروألهمت ولا تزال تلهم عقول وقلوب الشباب والشيب الرجال والنساء بقيم الحرية والإستقلال والوحدة الوطنية وبث روح الثورة و التحرر في مصر وليبيا والوطن العربي الذي سعت الثورة لتحريره من عسف الخلاف التركية العثمانية..
إلى جانب ما أرسته من معاني التجديد الفكري الديني وفتح باب الإجتهاد الذي أغلفه العثمانيون على مصراعيه مما عزز حركات التجديد في الجزيرة العربية والشام ومصر والمغرب العربي.
والقوة الأمريكية الغاشمة بآلتها الإعلامية الرهيبة وقانونها سيئ الصيت قانون إجتثاث حزب البعث في العراق وبعد إغتيال الشهيد صدام حسين ورفاقه وقتل مليون وخمسمائة ألف عراقي بينهم 120 ألف من كوادر حزب البعث واعتقال قرابة الثلاثمائة الف وتهجير خمسة مليون داخل وخارج العراق وكل ما مارسته قوى الإحتلال والمليشيات المرتبطة بإيران من قمع وإرهاب فإنها لم تنجح في إقتلاع البعث بل تأصلت دعوته وتصلب عوده وإتسعت قاعدته وهاهم الآن يتوسلون الحوار معه لحفظ ماء وجههم، وكذلك فشلت آلة القمع الصهيونية الرهيبة في إضعاف إرادة المقاومة والتحرير في فلسطين.
لقد تعاقبت على بلادنا أنظمة ديكتاتورية وذهبت وبقيت الأحزاب..والعظة من كل ذلك أن الفكر يقارع بالفكر وليس بالقوة الغاشمة…
وإلى ذلك فإذا كان أهل الإنقاذ يؤمنون بإلتفاف أوسع الجماهير حولهم فلماذا التضييق على القوى السياسية التي يدعون أنها فقدت تأثيرها، والآن وقد تم تسجيلالاحزاب بمقتضى القانون المفروض عليها من نظام الإنقاذ فلماذا المماطلة في توفير متطلبات التحول الديمقراطي خاصة وأن الإنتخابات صارت على الأبواب..
ومن المؤكد أن الإنتخابات لن تكون متكافئة في ظل الأوضاع الموروثة منذ عشرين عاماً والقائمة الآن ولكن كيف تكون إنتخابات حرة ونزيهة في ظل
تقييد حركة التعبير والتنظيم بهذه القيود الثقيلة المتمثلة في القوانين القمعية وقانون الصحافة والمطبوعات وتكريس أجهزة الإعلام والدولة في خدمة حزب المؤتمر الوطني.
أيها الجمع الكريم :
على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان أًبتليت بلادنا بالاستعمار البريطاني الذي عمل على إبقائها في حالة من التخلف والتبعية الإقتصادية والثقافية وعمل على تكريس حالة التشرذم القبلي والجهوي فأصدر القوانين التمييزية مثل قانون الدقنية في جبال النوبة وقانون المناطق المقفوله لتعطيل حركة التدامج الوطني بين الشمال والجنوب وبذر في الجنوب بذور التمايز والتناقص بل والكراهيه للعروبة والإسلام مع إهمال متعمد للطرق وسبل التواصل التي من شأنها تمتين الروابط الثقافية والحضارية بين أبناء الشعب، وإقتصرت مشاريع التنمية وما يصحبها من خدمات على تلبية إحتياجاته من المواد الخام وبشكل خاص القطن والصمغ العربي والحبوب الزيتية والجلود، كما إكتفى من التعليم بما يوفر له عمالة رخيصة.وإلى ذلك فقد ربط السوق المحلي إستيراداً وتصديراً بحاجاته دون إيلاء أي إهتمام بحاجات السودان في التنمية والخدمات، وهكذا تركزت المشاريع الزراعية والمحالج والخدمات بما فيها التعليم في السودان الأوسط مع إهمال بقية مناطق القطر التي ظلت تعتمد على الإنتاج الطبيعي أو وسائل الإنتاج التقليدي والموروثه من آلالاف السنين وتخضع في مستوى معيشها لتقلبات الطبيعية.
وبعد ما يزيد على نصف قرن من إعلان الإستقلال السياسي لم يتغير واقع الحال، فقد سارت مختلف الحكومات المتعاقبة على ذات النهج الموروث من الإستعمار البريطاني وتعمقت التبعية الإقتصادية والثقافية للغرب الإستعماري وسط أوسع للقوى السياسية في السلطة والمعارضة حتى من قبل من رفعوا المصاحف على أسنة الرماح، ومع تقلبات الأوضاع الدولية وتسيد الإمبريالية الأمريكية والعولمة الرأسمالية المتوحشة.نمت إعادة إنتاج الأفكار والبرامج والمواقف لتتكيف مع متطلبات القطب الأوحد، في تناقص صريح مع متطلبات حركة التطور الوطني في البلادنا بل وفي الكثير من الأحيان تم التراجع حتى عن الثوابت الوطنية والقومية وحلت المراهنة على دور الأجنبي محل المراهنة على الإرادة الوطنية والشعبية وأمسكت قوى الخارج بملفاتنا الساخنة وبقضايا المصير السوداني مع إتباطها العضوي بقضايا المصير العربي والأفريقي وأصبحنا نتعامل بردود الفعل في مواجهة هذه المخططات أو التماهي معها بعد أن تراجعت أصالة الفكر والموقف السياسي وبسبب ذلك تفاقمت الإختلالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية مما إنعكس على وحدة النسيج السوداني..فإلى جانب إستقلال البلاد وسيادتها التي أصبحت في مهب الرياح بعد التواجد الكثيف للقوات الأممية والهجينة على أجزاء واسعة من القطر، فإن الخطر يحدق بقوة بوحدة البلاد شعباً وارضا..فجنوب البلاد مقبل على إستفتاء يحدد مصير السودان والحرب في دارفور والإحتقانات في كردفان والشمال والشرق كلها نذر تهدد وحدة كيانه وإستقراره وتطوره..فهل نكتفي بالتوصيف والنقد أو التخدير والنصح…؟
وهل نتكفي بالمطالبة بتوسع هامش الحريات ونراهن على إنتخابات لم يتوفر لها حتى الأن المناخ الديمقراطي..؟
وإذا توفر مناخ لديمقراطية بصيغتها الإنقاذية أو اللبرالية فهل هي الحل للأزمة الوطنية الشاملة بعد أن فرض علينا نظام الجمهورية الرئاسية والفيدرالية التي أدت إلى تضخم رهيب في جهاز الدولة الذي إبتلع جل الفوائض المالية وحرم شعبنا من حقوقه في التنمية والخدمات وأدت تداعياته إلى التشظي الجهوي والقبلي.
إن النضال من أجل الديمقراطية هو الهدف الوحيد الذي أجمعت عليه القوى السياسية الأن وهو ما أجمعت عليه القوى السياسية في مناهضة نظامي عبود ونميري، ولكن يبدو أننا لم نتعلم من تجاربنا فإن إنتزاع الحقوق الديمقراطية وهو هدف عزيز لا يوفر حلاً شافياً لقضايا البلاد..لأن محصلة إستعادة الديمقراطية في تجاربنا السابقة هي توفير الفرص لبعض القوى السياسية للوصول للسلطة أو المشاركة فيها دون أي تغيير في واقع الحال الإجتماعي والإقتصادي.
فقد ظلت الإختلالات الموروثة من الإستعمار قائمة وإزدادت سوءاً بسبب حرب الجنوب وتداعيات الجفاف والتصحر الذي أدى إضمحلال موارد بعض الأقاليم وبشكل خاص دارفور مع الزيادة في عدد السكان.لذا فإن علينا أن نراجع النهج الذي أثبت فشله في العقود الماضية.وهو النهج الذي مهد لقيام ديكتاتوية رأسمالية بدائية ووحشية في العقدين الماضيين..أشاعت الفوضى المالية والإقتصادية وألحقت الدمار بالقطاع الصناعي والزراعي – توقفت 60% من الصناعات الغذائية
وتدهورت الإنتاجية الزراعية والصادرات وتمت تصفية مؤسسات القطاع العام الإنتاجية والخدمية، مما أدى إلى تشريد أكثر من مائة ألف مواطن..
أما تكاليف المعيشة ووفقاً لإحصائيات الحكومة في عام 1996 م فقد تضاعفت من عام 1970 – 1983 م إلى (10 أضعاف) ومن عام 1983 – 1989 م إلى مائة ضعف وإلى ألف ضعف عام 1993 م وغلى 5000 ضعف عام 1995 م، ولا تغطي الأجور وفقاً الدراسة أكثر من 20% من إحتياجات أصحابها.وإنتشرت الأمراض الوبائية وبلغت الفجوة في مياه الشرب في الحضر 50% وفي الريف 70% بينما لا يجد 45% من الأطفال فرصاً للتعليم وبلغت الأمية وسط الراشدين أكثر من سبعة ملايين نسمة.والأرقام المزعجة لا تنتهي..ولكن الأهم من ذلك هو ما أكده النظام نفسه حول فشل النهج الرأسمالي فقد وصفت وثيقة الإستراتيجية الشاملة 1993 – 2002 م أداء القطاع الخاص بأنه فشل في مواكبة الطموحات الإستراتيجية القومية الشاملة بسبب بنيته الهيكلية التاريخية الموروثة وتسيد نظام الشركات الأسرية على الإنتاج الخاص وضعف إستجابتة لنظام التحرير للدخول في مجالات الصناعات الكبرى نتيجة لقدراته الإستثمارية والتقنية المحدودة الخ.
1.للقطاع الخاص دور في الخدمات والتنمية ولكن الدور الأساسي للدولة والقطاع العام.
2.صندوق النقد الدولي بعد تجربة سياساته التي أدت إلى تراجع التنمية والخدمات في 109 من بلدان العالم بدأ يطالب بالعودة إلى دولة الرعاية الإجتماعية.
3.الأزمة المالية العالمية دفعت بدهاقنة النظام الرأسمالي العالمي للمطالبة بمراجعته من أساسه.
4.أفلا يحق لنا بعد كل ذلك وفي مواجهة الأوضاع المأساوية في بلادنا أن نعمل على مراجعة النهج المجرب منذ الاستقلال.
5.نحن لا نطالب مختلف القوى السياسية بتبني الإشتراكية علماً بأن كل الأحزاب قد وضعتها في الستينات ضمن برامجها بتأثير عبدالناصر والمد القومي التقدمي في الوطن العربي وأفريقيا أنذاك.
سموها كما تشاءوا ولكن المهم هو تحقيق تنمية متوازنة وعدالة إجتماعية.
وكاد الفقر أن يكون كفراً
والله أكبر
ملاحظه : مع الحاح المنصة بانتهاء الزمن المتاح للمتحدث فانه لم يتمكن من عرض النقاط الخمس الاخيرة