الحكومة العراقية أقامت مهرجانات احتفالية بمناسبة انسحاب قوات الاحتلال الامريكي من المدن العراقية. ووصل الأمر بالمسئولين العراقيين إلى حد إعلان يوم الانسحاب "يوما للسيادة الوطنية"، وتبارى هؤلاء المسئولون وعلى رأسهم المالكي والطالباني في إلقاء الخطب والتصريحات التي تهنئ الشعب بالسيادة التي تحققت وتتحدث عن الإنجاز العظيم الذي تم.
لسنا بحاجة إلى القول إن الحديث عن السيادة العراقية هو حديث عن وهم لا وجود له. وأي سيادة يمكن الحديث عنها في ظل وجود اكثر من 130 الفا من جنود الاحتلال، وفي ظل وجود عشرات القواعد العسكرية الأمريكية وفي ظل السيطرة الكاملة لسلطات الاحتلال في العراق؟
الحديث عن السيادة ليس حديثا عن وهم فقط، لكنه في جوهره ينطوي على إهانة كبيرة للشعب العراقي. تصور أن شعبا عظيما مثل الشعب العراقي بكل تاريخه وبكل صور كفاحه عبر التاريخ يمكن أن يعتبر ان بلاده تحققت لها سيادة بمجرد ان قوات الاحتلال اعادت انتشارها، وفي ظل الاوضاع المأساوية التي يعيشها، هي اهانة للشعب وطعن في وطنيته.
ووهم '' السيادة'' الذي تحدثت عنه الحكومة العراقية، ليس هو الوهم الوحيد الذي تحاول ان تسوّقه وتروج له. هي تروج لأوهام اخرى.
هي تروج مثلا كل يوم لوهم ان الاوضاع الامنية والسياسية في العراق قد استقرت او تحسنت جدا ، وان العراق تجاوز أي مخاوف من عودة الصراع الدموي.
مرة اخرى، هذا الوهم الذي يروجون له في تصريحاتهم، ينطوي على استهانة بأرواح العراقيين وبحياتهم وبمقدراتهم. لا يمر يوم واحد الا ويسقط عشرات القتلى والجرحى. وفي شهر يونيو وحده مثلا، سقط اكثر من 400 قتيل واكثر من الف جريح. اذا كان سقوط كل هؤلاء الضحايا وبشكل يومي، يعتبر استقرارا في الاوضاع او تحسنا لها، فكيف تكون الاوضاع السيئة اذن؟. لهذا، حين يتحدث المسئولون العراقيون عن تحسن الأوضاع واستقرارها، فكأنهم يريدون أن يقولوا إن كل هذه الأعداد من الضحايا الذين يسقطون لا أهمية ولا قيمة لحياتهم.
وكيف يمكن لأي انسان في داخل العراق او خارجه ان يجرؤ على الحديث عن استقرار الأوضاع او تحسنها، في الوقت الذي يعيش فيه اكثر من خمسة ملايين عراقي لاجئين مشردين بعيدا عن بيوتهم، في داخل العراق وخارجه؟. ان يتجاهل المسئولون العراقيون محنة هؤلاء اللاجئين، ولا تتحدث عنها اجهزة الاعلام، لا يعني ان مأساتهم انتهت او ان جريمة تشريدهم تم نسيانها.
وكيف يمكن الحديث عن السيادة الوطنية او عن استقرار الاوضاع في الوقت الذي اصبح فيه العراق مقسما عمليا تقريبا، وتمضي السلطات الكردية مثلا في محاولاتها ترسيخ الانفصال، بينما تقف الحكومة عاجزة تماما عن ان تفعل أي شيء على الاطلاق.
حقيقة الأمر ان الحكومة العراقية بمحاولاتها الترويج لمثل هذه الأوهام انما تحاول ان تجمّل وجهها، وان تلقي في روع العراقيين والعالم انها حكومة تحقق انجازات وتقود العراق نحو الاستقلال والاستقرار.
لكن كل هذه المحاولات لا يمكن ان تخفي لا عن العراقيين ولا عن العالم الحقيقة التي يعلمها الجميع من ان هذه حكومة طائفية ليس لوجودها أي شرعية من الاساس.
السيادة الوطنية الحقة سوف تتحقق في العراق ليس فقط حين يرحل آخر جندي من جنود الاحتلال والقوات الاجنبية الاخرى، ولكن ايضا حين تزول كل الآثار السياسية التي ترتبت على الاحتلال، ومنها هذه الحكومة الطائفية، وحين يقوم في العراق نظام وطني حقا يمثل كل الشعب العراقي ويحفظ وحدته ويثأر للشعب من كل الجرائم التي ارتكبت في حقه في عهد الاحتلال وعملائه.