بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
الدور التاريخي للمقاومة العراقية في أسقاط العملية السياسية الامريكية |
شبكة البصرة |
د.مثنى عبدالله أكاديمي وباحث عراقي |
يخطيء من يظن بان العملية السياسية الامريكية الجارية في العراق منذ العام 2003 وحتى الان، يمكن تغيرها من الداخل وحرف خط سيرها المعروف لتتحول الى نتهج وطني واضح المعالم والروى هدفه اعادة تشكيل الدولة العراقية التي تم تدميرها أثناء الغزو، على أسس علمية ووفق أطر قانونية وشرعية، وبناء مجتمع حضاري يستظل بخيمة وطنية واحدة. وان مايذهب اليه بعض الكتاب العراقيين من ذوي الاتجاهات الماركسية من أمكانية تحقيق ذلك، يجعلنا نتذكر أقوالهم من أن الرأسمالية تحمل بذور فنائها وان التصارع بين متناقضاتها الداخلية أت لاريب فيه، وان تسييد النظرية الشيوعية حتمية تاريخية لاجدال فيها، ثم رأينا كيف فشل هذا المنطق وفني التطبيق العملي للنظرية واستمرت الرأسمالية واقعا حيا بل أتخذت بعض النظم الشيوعية الكثير من قوانين الرأسمالية منهجا لها لادامة الحياة في أوصال أنظمتها. أن المراهنة على نتائج محدودة حصلت في العراق دليلا على أمكانية التغيير لايمكن أن يرقى الى مستوى الحقائق العلمية، فالعملية السياسية الامريكية ليست أطارا تكتيكيا خلقه المحتل لظرف طاريء بل هي منظومة أيديولوجية متكاملة الابعاد جرى الاعداد لها منذ أمد بعيد، وان معالجاتها شملت كافة مناحي الحياة في العراق بما يخدم توجهات المحتل وعقيدته الاستعمارية، لذلك كان منهج التطبيق واضح المعالم هدفه المساس المس بكل البنى التحتية المكونة لشخصية الانسان العراقي والدولة معا، فبرزت الطائفية الممنهجة بايديولوجيات حزبية وجرى تقسيم المجتمع عموديا وافقيا وفق مفاهيم أثنية وقومية وعشائرية، وغيب القانون بصورة متعمدة من خلال السماح بالاعتداء على هيبة الدولة وأجهزتها وتفتيتها وبسرقة المال العام ونهب التاريخ والحضارة وابراز الذاتية والمصلحة الفردية على مصلحة المجموع، وتنصيب مجاميع فردية معزولة شعبيا لادارة الدولة الجديدة وعدم السماح بتداول السلطة الا فيما بينها مع فسح المجال للاخرين الذين لديهم الاستعداد للايمان بالمنهج الجديد، ممن عارضوا سابقا أو لم تتح لهم الظروف بالبروز على المشهد، فالمحتل حريص على ادامة زخم العملية ورفدها بدماء جديدة وهو تواق جدا لتجزئة الكتل الى عناصر وذرات والكترونات ونيترونات تدور في فلك النواة، مادام يمسك بكل خيوط اللعبة ويتفنن في أدارتها وفق الظروف والمستجدات الذاتية والموضوعية. أن محدودية النظر والابتعاد عن المنهج العلمي في تحليل الظواهر والمؤشرات، و التي يمارسها البعض ممن هم خارج العملية السياسية والمدعين بانهم ضدها أنما يقدمون خدمة جليلة للمحتل عندما ينادون بالقاء السلاح والالتحاق بركبها، لانهم بذلك يزرعون الثقة بنفس المحتل من أجل تعزيز مواقعه والثبات على منهجه ودفعه للبحث عن مواقع جديدة في نفس الساحة وفي ساحات مجاورة، كما أنهم يسقطون قطاعات واسعة من أبناء الشعب في أتون الضبابية وعدم التمييز، من خلال محاولاتهم خلط الحقائق بالباطل والمستحبات بالمحظورات والخنادق المتداخلة، وخلق حالة من البلبلة بين الصفوف وأستغلال حالة الاحباط وفقدان الامل لدى الانسان العراقي الذي قد يجعله دائم البحث عمن يعيد له الامل حتى لو كان كاذبا وقائما على أساس التفريط بالوطن والقيم الاجتماعية العليا. أن التعويل على نتائج الانتخابات المحلية في محافظات العراق، ونفخ الروح فيها وتصويرها عل أنها لبنة لبناء العراق الجديد وخروجا على العملية السياسية الامريكية، والربط بينها وبين نيات مايسمى رئيس الوزراء وتصويره على أنه يحاول القفز فوق العملية السياسية الامريكية، والخروج من شرنقتها، واتخاذها بارقة أمل للالتحاق به ودعمه وتسيير جحافل الجماهير خلف قيادته، وتخوين المقاومة الوطنية وأتهامها بانها تسير بالضد من الحتمية التاريخية، أنما هي من قبيل ذر الرماد في العيون خاصة عندما تصدر هذه الدعوات من شخصيات كانت تؤمن بالكفاح المسلح طريقا للتغيير، وتتخذ من أهوار العراق منطلقا لعمليات قتالية ضد أجهزة الدولة العراقية، وتأنف عن فتح الحوار الجاد معها. أن النتائج الايجابية المحدودة التي ظهرت في أنتخابات مجالس المحافظات تحتم علينا عدم تجيرها لصالح هذا وذاك من أقطاب العملية السياسية الامريكية والتهويل بنجاحهم فيها، أو جعلها عملية عفوية وذاتية للارادة المجتمعية، بل هي مؤشر جيد على وعي بعض الطبقات الاجتماعية المستند على الارث الثقافي والاجتماعي والايديولوجي الذي زرعته أحزاب عراقية تاريخية لها قواعد جماهيرية واسعة، ولها تأثير واضح المعالم في الواقع لايمكن تجاهله، وعلى هذا الاساس تحسس أطراف العملية السياسية الامريكية مكامن الخطر، وتبين لهم بان أجتثاث الافكار والتهميش والاقصاء ووضع نصوص التجريم في الدستور بحق كل من يؤمن ببطلان هذه العملية، ووضع الاليات اللازمة لمحاربة مروجيها ببنود واضحة في الاتفاقية الامنية الامريكية العراقية، لم يجدي نفعا ولابد من وقف هذا التوجه، لذلك يجد كل مراقب سياسي محايد بان الوضع السياسي العراقي لما بعد الانتخابات قد تميز بحدثين مهمين، أولهما عودة الاغتيالات الفردية ضد شخصيات سياسية وعسكرية معارضة للمنهج الامريكي الطائفي، وكذلك عناصر الاحزاب الوطنية والقومية، بغية القضاء على كل الاصوات المعارضة وايقاف زخمها الجماهيري وافقادها قياداتها الميدانية، والثاني هو عودة دعوات مايسمى بالمصالحة الوطنية وبزخم كبير لشراء ذمم بعض المعارضين في الخارج بوسائل الترغيب والترهيب وهي عملية أختراق متعمد ومدروس لهذه القوى والشخصيات عموديا وافقيا، وان أيهام بعضهم بمناصب هنا أو هناك أنما هو فخ لاستدراجهم الى الوحل وبذلك فانهم سيتسببون من حيث يعلمون أو لايعلمون في تعزيز الخلافات السياسية وزيادة التشظي المجتمعي والذي سيقود مستقبلا الى تشتت جغرافي. لقد كشفت الانتخابات المحلية الاخيرة حقيقة رسوخ المنظومة الفكرية الطائفية والاثنية والقومية التي بشر بها المحتل من خلال برنامجه السياسي مابعد الغزو، حتى أقترب الواقع السياسي العراقي من الواقع السياسي اللبناني والصومالي، لذلك لايزال الامن غير متحقق حتى في ظل أستخدام الدبابة والانزال الجوي والجدران الكونكريتية واكثر من نصف مليون شرطي وجندي وعنصر أمن مضافا اليها القوات الامريكية، لان الجميع أصبحوا جادين في أيجاد توازن للرعب فيما بينهم، وان التحليلات التي صدرت من البعض والتي تتفائل بتوجه (العرب السنة) بكثافة للمشاركة في الانتخابات الاخيرة، لم تكن واقعية في حكمها لانهم ببساطة لم يكن الدافع لهم هو المساهمة في( العملية السياسية الديمقراطية الامريكية)، بقدر ماكان أيجاد قوى سلطوية تابعة لمكونهم الطائفي تدافع عنهم في وجه القوى الطائفية الاخرى التي تسيدت الموقف، وتصبح أدوات لتنفيذ أجندة الطائفة والعشيرة، كون الدولة لم تعد هي المرجعية والاطار التماسكي للمجتمع، لان القوى السياسية أصبحت تدغدغ المشاعر الطائفية والقومية للمواطن البسيط، ولان تجربة أندثار الدولة ومؤسساتها بعد العام 2003 قد خلق حالة من الفراغ، أدت الى استخدام البعض لمليشياتهم لقتل المواطنين بأسم الدولة وبأدواتها، مما جعل المواطن يجد ملاذه الامن في ظل الطائفة والعشيرة، لذلك فهو يسعى اليوم لاعلاء شانها. أن القول بأن مايسمى رئيس الوزراء العراقي قد غادر الطائفية السياسية، وانه ضد المحاصصة الحزبية والفدرالية والمطامح العنصرية الكردية والدستور، وضد الارادة الامريكية، أنما هي مجافاة للحقيقة، ونظرة سطحية لاتعرف دوافعها، لان بناء البلدان لايتحقق بالامنيات والتصريحات والنوايا(الحسنة)، فهو أحد كتبة الدستور البريمري الطائفي ولازال يحاجج الاخرين به عندما يختلف معهم، وهو يصر على أخذ الغنيمة الكبرى لحزبه في مجالس المحافظات الاخيرة، ولم يقدم مثلا واحدا على تجاوز ذلك لمصلحة المجموع،وأن تباكيه وتوسلاته للجميع بأن يصوتوا لصالح الاتفاقية الامريكية العراقية وفق الرغبة الامريكية لازال ماثلا أمام العيان، وان تصريحاته المتناقضة بشأن مايسمى المصالحة الوطنية تدل على أنتهازيته وارادته السياسية المصادرة، وان كان هنالك مايسمى(نجاح) حصده فليس لكونه قريبا من نبض الشارع بل لكونه أشترى الاصوات بالمال من العشائر، وحاول باتهازية واضحة الابتعاد عن الاتجاه الديني الذي يشكل أساس منهجه السياسي والفكري الحزبي، وأستخدام مطالبات شعبية أهدافا له، بينما كان حزبه أحد أسباب تدهورها كالامن والكهرباء والماء وأعادة الاعمار، ولعل فوز مواطن مستقل باعلى الاصوات على حزبه الذي يمسك بالسلطة المحلية في محافظة كربلاء منذ أربع سنوات والتي تعد معقلا رئيسيا لحزب الدعوة، أكبر دليل عل فشله وفشل سياسات حزبه. أن مفهموم الطائفية لدى مايسمى رئيس الوزراء وكيفية القضاء عليها، أنا يتم وفق منظوره ومنظور حزبه من خلال تيسد طائفة واحدة على كل المجتمع وليس الهوية الوطنية، وهذا ماأكده في أحدى لقاءاته العشائرية مؤخرا عندما قال (لن يستطيع أحد بعد الان أن ياخذها منا) ويقصد السلطة، متناسيا بانه يفتقد الى عنصر أساس في القيادة وهي قوة الشرعية الوطنية. أن تفكيك العملية السياسية الامريكية والانتقال الى العملية السياسية الوطنية، لايمكن أن يتم بنفس أدواتها وبدخول العارضين لها تحت خيمتها، وبالوسائل السلمية كما يشير البعض، لان وحدة الوطن غير متوفرة وعنصر الرمزية مفقود، وكلاهما عنصران رئيسيان في المقاومة السياسية،وعندما نجح غاندي في هذا المنهج فلكونه كان رمزا لكل أطياف الهند، ووحدة الوطن متحققة. أن المشكلة في العراق ليست مشكلة أمنية وسياسية يمكن أصلاحها اليوم أو غد، بل أنها مشكلة أحتلال ومنهج سياسي أستعماري طائفي، وان المقاومة الوطنية هي الحل لانها الوحيدة التي تعزز البنية الوطنية، لذلك جرموها وافتوا بعدم شرعيتها، واسقطوا بعض من كانوا يؤمنون بها ويدعون اليها، ليتحولوا الى أبواق تمجد الطائفيين وتحرق البخور لمواكبهم. |
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.