توطين العمالة العربية في الخليج
د/علي فخرو
ملف إمكانية وضرورة توطين العمالة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي يحتاج إلى نقاش هادئ موضوعي، إذ هو مرتبط أشد الإرتباط بملفات أخرى بالغة الخطورة والأهميـة. دعنا أولاً نذكر أنفسنا بأن نسبة الأجانب في دول المجلس تصل إلى حوالي ثلث سكانها الإجمالي، وقد تصل إلى النصف، وأن ثلثي هؤلاء هم من غير العرب وبالتالي فإنهم لايتكلمون اللغة العربية، ولا ينتمون إلى ثقافة العرب، وقسم كبير منهم من غير المسلمين.
دعنا ثانياً نذكر أنفسنا بأن توجهاً قوياً يتأسس شيئاً فشيئاً في الأوساط الدولية نحو إصدار وثيقة حقوق عالمية خاصة بحقوق الأجانب وعائلاتهم، بما فيها السياسية، في الدول التي يعملون ويقيمون فيها. وستشمل تلك الوثيقة حقوقاُ في اكتساب المواطنة إذا توفرت شروط ستفصلها الوثيقة.وستجد الدول الجاذبة للعمالة الأجنبية، ومن بينها دول المجلس، نفسها في مواجهة مع الدول المصدرة للعمالة إن هي أحجمت عن تطبيق جميع بنود تلك الوثيقة الدولية. إن أحجامها سيعتبر نوعاً من سوء المعاملة لمواطني تلك الدول المصدرة للعمالة، ومنها دول كبيرة وصاعدة في قوتها العسكرية والاقتصادية. ولن تستطيع دول المجلس مقاومة الضغوط والابتزاز العسكري والاقتصادي والحملات الإعلامية الدولية. وحتى أموال بترولها لن تحميها من الرضوخ للمطالب الدولية.
دعنا ثالثاً نذكر أنفسنا بأن دخل دول مجلس التعاون من عائدات البترول والغاز مرشح للازدياد في المستقبل القريب وأنه قد يصل إلى أكثر من ألف وخمسمائة بليون دولار في السنة. وهذا دخل يزيد كثيراً عن حاجات شعوب دول المجلس بما فيها حياة الرفاهية والبذخ. وبالتالي فإذا أصرت سلطات هذه الدول على الاستمرار في تشغيل هذا المال الهائل في الماكنة الاقتصادية المحلية، وليس في الأسواق العربية الكبيرة، فإنها ستجد نفسها مضطرة لزيادة أعداد أفراد القوة الاقتصادية المنتجة من جهة، ومن جهة ثانية زيادة عدد المستهلكين لخلق سوق استهلاكي محلي قادر على امتصاص جزء من الإنتاج المحلي. وفي الحالتين فان زيادة تلك الأعداد، للإنتاج وللإستهلاك، سيتطلب جلب أعداد كبيرة أخرى من الوافدين لسد النقص في أعداد المواطنين القادرين على الإنتاج والاستهلاك.
إزاء ماتقدم يجب أن يطرح السؤال التالي:
هل الأفضل الاستمرار في السياسة الحالية المستوردة للقوى العاملة من الخارج والتي تتكون من نسبة عالية من غير العرب وغير المسلمين، وعند ذاك نقع في فخ المحظور الثاني الذي ذكرنا والذي سيؤدي أولا إلى فقدان هوية دول المجلس الثقافية واللغوية والدينية، ثم ثانياً سيهدد أمن هذه الدول لينتهي ثالثاً إلى طمس وجود دول المجلس كدول عربية تنتمي إلى أمتها العربية، أم أنه من الواجب التفكير في سلوك طريق آخر؟
الطريق الآخر في رأي هو استبدال العمالة غير العربية تدريجياً بعمالة عربية يؤتي بها أولاً كقوى عاملة وافدة، ثم تنتقى أفضل عناصرها لتدريبها تدريباً جيدا، لتنتهي تلك العمالة العربية المدربة المجرُبة بتوطينها وانخراطها هي وأولادها في صفوف المواطنين، مع كل حقوق ومسؤوليات المواطنة. إن ذلك في اعتقادي سيحل الإشكاليات الثلاث التي ذكٌرنا أنفسنا بها سابقاً بشرط أن يتم التوطين بصورة عادلة وقانونية صحيحة، أي لا يتم التوطين لأسباب مذهبية من أجل تغليب مذهب على مذهب آخر، ولا لأسباب عرقية من أجل زيادة عدد هذه القبيلة أو تلك العشيرة، ولا لأسباب انتهازية من أجل استغلال المتوطنين، ولا بالطبع يتمُ التوطين خارج قانون صارم يؤكد الأحقية والعدالة والمساواة في كل مراحل عملية التوطين.
دول مجلس التعاون مدعوة أن تفكر بعمق، وبحس قومي عروبي، وبحرص على أن تجنب نفسها ويلات صراعات مستقبلية، ولتثق بأن عملية توطين تتم بهذا الشكل ستكون في صالح مجتمعاتها من جهة وفي صالح الأمة العربية ككل من جهة أخرى.