الدول العربية وما يجري في اليمن -2
قلت بالأمس ان ما يجري في اليمن اليوم ليس شأنا داخليا يمنيا وحسب، وإنما هو شأن عربي عام. نعني ان الاشتباكات العنيفة التي جرت على خلفية تجدد دعوات انفصال الجنوب وما ترافق مع ذلك من جدل حول قضية الوحدة اليمنية، هي قضية تهم كل الدول العربية بلا استثناء. القضية المحورية هنا اننا لا نستطيع ان نفصل ما يجري في اليمن عن المخططات التي تحاك ضد الوطن العربي عامة، والتي تستهدف اختراق دولنا، وتستهدف تمزيق بعضها. لا نستطيع مثلا ان نفصل ما يجري في اليمن وتجدد دعوات انفصال الجنوب عما يجري في السودان والمخطط الهادف في جانب اساسي منه الى تقسيمه. ولا نستطيع ان نفصل ما يجري في اليمن عن قضية مثل قضية الصحراء المغربية، واصرار بعض القوى والدول على الدعوة إلى انفصال المنطقة عن المغرب.. وهكذا. كما أننا لا نستطيع ان نفصل ما يجري في اليمن من تشجيع للطائفيين، ومن تجديد لدعوات الانفصال، عن مجمل المخططات التي تستهدف دول الخليج العربية بوجه خاص من جانب دول اقليمية او عالمية. هذه المخططات الهادفة الى تفجير بؤر صراع طائفي وتشجيع نزعات التقسيم. وهل يمكن في هذا السياق مثلا ان نفصل ما يجري في اليمن عن تلك الدعوات الطائفية الإجرامية المقيتة الداعية الى انفصال المنطقة الشرقية في السعودية والتي تابعناها في الفترة الماضية؟ اذن، كما قلت، ما يجري في اليمن هو شأن يهم كل الدول العربية بلا استثناء. ولكن ماذا يعني هذا؟ ما الذي يجب ان يترتب عليه؟ وما هو المطلوب من الدول العربية؟ اولا: ان الحفاظ على الوحدة اليمنية في مواجهة أي دعوات انفصالية، حتى لو كانت محدودة، ينبغي النظر اليها على انها ليست فقط خطا يمنيا احمر، وانما وبنفس القدر، هي خط عربي احمر. بمعنى اكثر دقة، يجب على الدول العربية ان تنظر الى مسألة الحفاظ على الوحدة اليمنية على اعتبار انها قضية تتعلق بالأمن القومي العربي العام. ثانيا: يترتب على هذا ان الدول العربية يجب ان تعلن بشكل جماعي واضح ومحدد، دعمها للوحدة اليمنية وادانتها القاطعة لأي دعوات انفصالية تحت أي ذريعة. كان ملفتا هنا انه في الايام الماضية، حين وقعت الاشتباكات واثير الحديث عن الوحدة ودعوات الانفصال، كانت الولايات المتحدة هي التي اعلنت رسميا، وعبر سفارتها في اليمن، دعمها للوحدة اليمنية. وهو موقف ايجابي من دون شك. لكننا لم نسمع بيانا او تصريحا من أي دولة عربية بهذا الخصوص. اعلان موقف عربي واضح وقاطع في هذا الشأن ليس مجرد تسجيل مواقف. هذا الموقف له اهمية اساسية، اذ سيكون له دور لا شك فيه في ردع الذين يرددون هذه الدعوات الانفصالية، ومن قد يكون وراءهم من قوى خارجية. ثالثا: ويترتب على هذا بطبيعة الحال ان الدول العربية يجب ان تدعم اليمن بكل سبل الدعم الممكنة، السياسية والمادية ايضا. ليس جديدا القول ان اليمن امكانياته محدودة. وليس جديدا القول ان هذا الصراع يستنزف موارد يمنية كبيرة. ومن ثم، فإن الحاجة ملحة إلى الدعم العربي، والاستجابة لأي مطلب للقيادة اليمنية بهذا الخصوص. ولسنا نعني هنا الدعم فقط للسلطات اليمنية في صراعها مع هذه القوى، وانما المطلوب ايضا ان تتولى دول الخليج العربية مثلا تمويل أي مشاريع تطوير وتنمية في جنوب اليمن، في اطار أي استراتيجية لمعالجة شكاوى اهل الجنوب، ونزع ذرائع التهميش او الاهمال الاقتصادي. حين تفعل الدول العربية هذا، وتدعم اليمن على هذا النحو، فانها لا تتفضل على اليمن بشيء. هي تدافع عن امننا القومي العربي. |
|