المصالحة في العراق.. مع من؟
جمال السلمان
شكّل قرار الرئيس الأميركي أوباما بإعلان استراتيجيته بالانسحاب من العراق مأزقاً معمّقاً لحكومة الاحتلال التي نصبها على العراق، وأضحت التكوينات السياسية والإدارية التي برزت في ظل الاحتلال وبرعايته في وضع صعب ومن دون غطاء في الفترة المقبلة بعد أن اعتمدت على الاحتلال طيلة ست سنين، ووجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه، لاسيما بعد الفشل الذريع على مسار الأمن والخدمات والعملية السياسية وتفتت التحالفات الهشة الانتهازية التي قامت في فترة سابقة ضمن محاصصات طائفية وعشائرية.
ضمن هذا الجو برزت دعوات المصالحة في العراق وأعطيت أبعاداً إعلامية ودعائية واسعة، كان هدفها الأساس تقديم صورة دعائية توحي باستقرار العملية السياسية في العراق أو قدرتها على إدارة البلاد، ومحاولة فرض الأمر الواقع والقبول بإفرازات الاحتلال، وتصوير المهمة الأميركية بأنها استكملت بعد أن تكشف للقاصي والداني عمق المأزق الأميركي في العراق والفشل الذريع له في إنجاز أي شيء، غير مزيد من الدمار والخراب وإضاعة العراق وتحويله إلى طيان هزيل ممزق تتقاذفه القوى الإقليمية بعد أن كان رقماً صعباً تحسب له القوى الإقليمية والدولية ألف حساب.
وبعد كل تلك البروبوغندا الإعلامية خرج علينا بعض عملاء الاحتلال والمنصبين من قبله ليعلنوا الإملاءات التي سموها مصالحة، فالشرط الأساسي كان فيها الإقرار والاعتراف بالصفحات السياسية لمشروع الاحتلال المتمثلة بالدستور والفدرالية واعتماد مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية أسلوباً لتقاسم السلطة والثروة، ثم خرج بعضهم ليعلن أن المصالحة تعني رفض المقاومة، وأن لا مصالحة مع البعث، خصوصاً بعد المعلومات الواردة من العراق والتي أرعبت عملاء الاحتلال بعد أن تطور نشاط البعث وتنظيماته حتى في المناطق التي اعتبرها عملاء الاحتلال من حزب الدعوة وجماعة الحكيم مناطقهم المغلقة، حيث نقلت الأخبار توسع نشاط البعث في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف ومحافظات الجنوب رداً من أبناء العراق الغيارى على محاولات الفدرلة والتقسيم وتفتيت العراق وتأكيداٌ لأصالة أبناء العراق وصولتهم العزومة القادمة لدحر الاحتلال وعرابيه.
ورغم كل ما حاولوا ترويجه، إلا أنهم يحاولون التعتيم عن أن المقاومة أساساً قد أعلنت، منذ سبتمبر/ أيلول ,2003 عبر المنهج السياسي الاستراتيجي الذي أعلنه البعث، أن مشروعها هو تحرير العراق، وأن أهدافها تعمِّيق مآزق الاحتلال وأعوانه داخل العراق وخارجه، وأن العراق القادم هو العراق العربي الموحد، غير منقوص السيادة، كما أكدت على باستمرارية المقاومة طالما كان هناك احتلال وبأي صيغة وعلى أي جزء من ارض العراق وبغض النظر عن القرارات الأممية اللاحقة للاحتلال، وعلى بشرعية المقاومة وحقها في العمل العسكري وغيره وبالتعرض القتالي على قوات الاحتلال أفراد ومعدات وتجمعات ومنشئات ومعسكرات ومقرات وهيئات وإدارات وخطوط إمداد ومرافق خدمات ومساندة ومنع وعرقلة جهد الاحتلال من التصرف والتمكن والاستغلال، كيفما كان شكله، لثروات ومرافق وممتلكات العراق، وبالطرق والصيغ التي تقتضيها متطلبات تحقيق الهدف عسكرية أو إدارية أو فنية، بتعميم المقاومة المسلحة على أرض العراق كلها وبفعل ومشاركة العراقيين كلهم، والتأكيد على واجبهم وحقهم المتكافئين في المقاومة وتحرير العراق تحت أي عنوان أو مسمى.
وبالتالي فإن كل ما يقوله عملاء الاحتلال في العراق هو أوهام ومحاولة الهروب إلى الأمام بعد سقوط كل الغطاء القانوني والأخلاقي والشرعي للحرب والاحتلال ''إنها حرب غير شرعية وتمثل انتهاكا للقانون الدولي ولا تتفق مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة''، كما صرح أمين عام الأمم المتحدة السابق وهذا يعني من وجهة النظر القانونية إنها حرب عدوانية استهدفت سيادة واستقلال دولة عضو مؤسس وفاعل في المنظمة الدولية على نحو يخالف كل المواثيق والأعراف الدولية. وإن عدم شرعية الاحتلال يستتبع عدم شرعية جميع الأطر والتشكيلات التي أنشأها وفقا لما يخدم مشروعات الاحتلال وأهدافه. بل إن الاعترافات المتواترة من أركان الإدارة الأميركية وبريطانيا حول زيف دعاوى الاحتلال هو طريق لفتح الباب لمطالبة دول العدوان التي شاركت في غزو واحتلال العراق لدفع تعويضات عن كافة الأضرار المادية والمعنوية والدمار والخراب والدماء المسفوكة في العراق ظلماُ وعدواناً، وتقديم هذه الدول الاعتذار إلى الشعب العراقي، وملاحقة مجرمي الحرب من بوش وأركان إدارته الذين قادوها وقاموا بتأجيجها تحت حجج باطلة بوصفهم مجرمي حرب بل والأحزاب والتشكيلات التي تعاونت مع الاحتلال ومهدت له.
إن المصالحة التي يمكن أن تثمر مع الأطراف التي تعترف بأن مأساة العراق اليوم تكمن في الاحتلال ومشروعه السياسي ومن جاء معه وأضحى شريكاٌ في جرائمه، وأن إنهاء ملف الاحتلال الشروع في الاتفاق مع فصائل المقاومة والقوى السياسية الأخرى المناهضة للاحتلال على جدولة انسحابها ضمن حزمة المطالب السياسية الأخرى، وفي الاعتراف بالمقاومة العراقية الوطنية فهي تمثل شرف وإرادة الشعب العراقي وتعدّ حقا مكفولا قانونا وشرعا وأخلاقا بموجب جميع الشرائع والقوانين الدولية، ويجب على جميع الأطراف الاعتراف بها صراحة وتمييزها عن الإرهاب الذي يستهدف العراقيين الأبرياء، والذي يسير مع أهداف الاحتلال في تشوبه المقاومة الوطنية.