منذ ايام، مرت ست سنوات على الاحتلال الهمجي للعراق.
الذي يتابع ما اصبح يقال عن العراق على لسان المسئولين العراقيين وغير العراقيين وفي كثير من اجهزة الاعلام العالمية والعربية ايضا، سوف يختلط عليه الأمر حقا، ويحار عن أي عراق يتحدثون بالضبط؟. سوف يتصور انهم يتحدثون عن عراق آخر غير العراق العربي المحتل الذي نعرفه؟.
يتحدثون عن العراق اليوم كما لو كان قد اصبح بلدا آمنا مستقرا، وكما لو كان اهله قد اصبحوا في افضل حال. ويتحدثون عن العراق كما لو انه قد اصبح بلدا مستقلا، بل وعلى الطريق السليم نحو التقدم والنهضة في كل المجالات.
هذه الصورة التي يقدمونها عن العراق اليوم والحال الذي انتهى اليه، هي في حد ذاتها جريمة بحق الشعب العراقي.
لكن أي حملة تضليل وتزييف وخداع اجرامية على هذا النحو مهما اتسع نطاقها لا يمكن ان تخفي الواقع البشع الذي انتهى اليه امر العراق في ظل الاحتلال وفي ظل الزمرة الطائفية التي تحكمه.
قبل كل شيء، حين يتحدثون عن التحسن الكبير الذي طرأ على الاحوال الامنية كما يقولون وتراجع عمليات القتل، ماذا يقصدون؟. يقصدون ان الذين يسقطون قتلى في العراق في الاشهر الماضية قد اصبحوا فقط في حدود 300 قتيل كل شهر، او في احسن الاحوال 200 قتيل، بحسب ما تؤكده الاحصاءات المعلنة . هذا غير مئات الجرحى. طبعا، هذه الارقام اقل من اعداد الضحايا في السابق. ولكن ان يعتبر سقوط 300 قتيل شهريا تحسنا كبيرا وتقدما باهرا، هذا في حد ذاته منطق همجي.
وغير هذا، لنا ان نتأمل الارقام التالية، والتي تقدم فقط بعض جوانب للحال الذي انتهى اليه حال العراق والشعب العراقي في سنوات الاحتلال السوداء:
اكثر من 4،1 مليون عراقي سقطوا قتلى، غير ملايين من الجرحى والمعاقين.
اكثر من 5 ملايين عراقي اصبحوا لاجئين ومشردين في خارج وفي داخل وطنهم، من دون ان يلوح في الافق أي احتمال لعودتهم الى بيوتهم.
نحو 50% من اطفال العراق اصبحوا لا يستطيعون الذهاب الى المدارس.
في العراق اليوم 2 مليون ارملة.
وعدد الايتام وصل الى 5 ملايين يتيم.
هذا غير الالوف من المعتقلين في سجون الاحتلال. وغيرالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأساوية، وحيث لا ماء ولا كهرباء في اغلب الأوقات، وغير الدمار والخراب الذي حل بكل مدن وقرى العراق.
اما على المستوى السياسي، فالصورة كما يعلم الجميع شديدة الكآبة. زمرة طائفية تحكم العراق بميليشياتها. وكل الاحاديث عن المصالحة المزعومة مجرد خداع وتضليل. والبلد اصبح شبه مقسم عمليا.
والامر كما نرى باختصار، اننا حين نتحدث عن العراق اليوم بعد سنوات الاحتلال الهمجي، نتحدث عن بلد تم تدميره بالكامل بالمعنى الحرفي للكلمة .. نتحدث عن شعب ما جرى له هو عملية ابادة شاملة على كل المستويات.. نتحدث عن جرائم حرب وابادة على اشنع نطاق نتصوره.
كل من شارك في هذه الجرائم يجب ان يحاكم كمجرم حرب . ولن يكون من الممكن الحديث عن أي تحسن في العراق إلا مع نهاية الاحتلال، ونهاية حكم الطائفيين الى غير رجعة. واي حديث غير هذا، هو تجميل لاحتلال همجي، ولطائفية مجرمة.
أخبار الخليج العدد 11323 – الثلاثاء 24 مارس 2009