ميثاق العمل الوطني شكل علامة بارزة ومفصلية في تاريخ البحرين الحديث بعد سنوات عجاف من كبت الحريات وحقبة قانون أمن الدولة المظلمة وتعليق العمل بالدستور، حيث أرّخ الميثاق لبداية مرحلة جديدة من التوافق الوطني من أجل العمل والإنجاز لتضافر الجهود الوطنية المشتركة لتحقيق الآمال والطموحات التي ناضل من أجلها شعب البحرين بمختلف قواه السياسية والوطنية.
وحين نعود بالذاكرة إلى أيام الاستفتاء الشعبي الرائع على ميثاق العمل الوطني، ونعيد النظر في نسبة التأييد المذهلة للموافقة على الميثاق، تترسخ القناعة الثابتة في أن كل ذلك كان انعكاساً حقيقياً للتوقعات والآمال الشعبية بالإصلاح، والتوق إلى إطلاق الحريات العامة بما فيها حرية التعبير والتنظيم، وإلغاء قانون أمن الدولة، قيام دولة المساواة والعدالة والمواطنة الدستورية، وإعطاء المرأة حقوقها كاملة كمواطنة.
التلاحم الشعبي مع الحكم بشكل عفوي شكل عرساً حقيقياً عكس معدن أهل البحرين الذي قابل اليد الممدودة من قبل الملك بحب وشوق، يبشر بالخير، وقام جلالة الملك بمبادرات عدة تاريخية لعودة المبعدين السياسيين إلى البلاد، وإخلاء السجون من المعتقلين السياسيين، وغيرها من المبادرات الجريئة. الميثاق كإنجاز تاريخي يشار له بالبنان كدور رائد لجلالة الملك في إخراج البلاد من الأزمة الخانقة التي وصلت إليها، والخطوات التي لحقته رائدة بكل المعاني، لكن الديمقراطية والإصلاح مسيرة متكاملة، ومراجعة وتقييم لضمان صيرورة الإصلاح وارتقائه إلى الآفاق الأرحب، وليس بخاف أن كثيراً من آليات الديمقراطية، قد أخرجت من سياقها، فلازالت إشكاليات التعديل الدستوري والانتخابات النيابية وسلطات المجلسين وقانون الانتخاب وما أفرزته المراكز العامة، والقوانين الأخرى المعيقة لمسيرة الإصلاح كقانون مباشرة الحقوق السياسية والتنظيمات السياسية ودور المجتمع المدني، ودور السلطة القضائية، وقانون الإرهاب وقانون العقوبات.
السـؤال الملـح في هــذه الأيــام هــو كيـف نحيي روح الميثاق ونطلق التفاعل الشعبي من جديد، ونعزز مشاركة الناس في صنع القرار.
إن الحوار والتواصل والتوافق سنة من سنن التطور، وبالتالي فإننا مع الدعوة لإطلاق مبادرة حوار وطني جادة وحقيقية والتوافق على الملفات الرئيسية من خلال روح ومبادئ الدستور والميثاق، حوار يكون الحكم والسلطة التنفيذية طرفاً رئيسياً فيـه، إضافــة إلى جميــع الجمعيات الرسمية والشخصيات الوطنية غير الممثلة في الجمعيات ومرتبطة بحركة الشارع السياسية، حتى تكتمل أركان هذا الحوار للوصول بالوطن والشعب إلى حالة التوافق الوطني المعززة للحريات والضامنة للعدالة والمساواة، المؤسسة للمواطنة الدستورية الحقة.