بسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يتساءل الكاتب الأمريكي جورج فرديمان: "هل تعرفون ما هو أهم حدث عالمي في بداية القرن الحادي والعشرين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ إنه التحالف الأمريكي الإيراني". ويرى فريدمان أن الإيرانيين حققوا عن طريق الأمريكان ما فشلوا في تحقيقه على مدى ثمانية أعوام من الحرب ضد صدام حسين وهو ما يؤكده تصريح نائب الرئيس الإيراني السيد محمد علي أبطحي إذ يقول: "إن أمريكا لم تكن لتحلم بغزو العراق أو أفغانستان لولا الدعم الإيراني".
ويذهب كثير من المحللين السياسيين إلى أن حجم المصالح المشتركة بين إيران وأمريكا أكبر بكثير من حجم الخلافات التي يبرز في مقدمتها موضوع الملف النووي الإيراني. ولعل مما يثير الأستغراب أن تسلط وسائل الإعلام المختلفة الضوء على نقاط الخلاف بين البلدين بينما يتم التعتيم كلياً على نقاط التلاقي والاستراتيجيات المشتركة فيما يخص العراق والأقليم عموما.
لقد غزت أمريكا العراق بتعاون وتنسيق لا يخفى على أحد مع الأحزاب العراقية المرتبط أغلبها بإيران كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي ولد وترعرع وتسلح في طهران، وحزب الدعوة وغيرها من الجماعات المرتبطة بإيران منذ ما قبل الحرب العراقية – الايرانية. كما دفعت إيران بكل ثقلها من أجل إنجاح مؤتمر لندن ألذي أسس لموضوع أحتلال العراق ورسمت فيه القوى الرئيسية مواضيع تقسيم الكعكة في عراق بعد صدام حسين.
إن الذي لم يكن العراقيون يتحسبون له بالمطلق أن تختار واشنطن بجيشها الجرار في العراق الأحزاب والشخصيات الشيعية الإيرانية النشأة والتنظيم والهوى لتطلق يدها في العبث بمكونات دولة العراق بكل ما تعنيه من بنى تحتية وهياكل تنظيمية وأدوات تنفيذية وغيرها، وظهر بشكل مفاجأ وزن مركزي لرجال دين لم يكن لهم دور يذكر قبيل الغزو كآية الله علي السيستاني الذي غدا كعبة للسياسيين العراقيين وقيادة القوات المركزية الأمريكية في العراق وسط تركيز إيراني واضح، وبات السيستاني صمام أمان العراق والعراقيين حتى اعتبرته مجلة التايم الأمريكية عام 2005-2006 واحداً من أهم مائة شخصية تحكم العالم!!
وفي ما يسمى بإنتخابات عام 2005 لإختيار مجلس النواب العراقي عملت أمريكا كل ما بوسعها كي تفوز بها الجماعات الموالية لإيران فأصبح الحكيم وميليشياته المتمثلة بما يسمى فيلق بدر حكاما للعراق من الناحية الفعلية وذراعا مركزية من أّذرع الأحتلال في مواجهة المقاومة العراقية وتصفية الضباط والطيارين والعلماء والصحفيين والكفاءات العراقية.
لقد اعترف الاستراتيجي والسياسي الأمريكي المعروف هنري كسنجر في مقال له "بأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق ما كان ليستمر لأسبوعين فيما لو أطلقت المرجعيات المرتبطة بإيران فتاوى بمجرد التظاهر ضد الأمريكيين" وفي هذا الصدد حدثني أحد المسؤوليين العراقيين قبل غزو العراق بإن السيستاني ومراجع شيعية أخرى كتبوا بيانات وبتوقيعهم تدعوا العراقيين إلى "الجهاد" ضد القوات الأمريكية فيما لو نفذت غزوها للعراق لكن السيستاني عاد وعمم شفويا من خلال أتباعه أنه متنصل من هذا البيان وأن فتواه لإتباعه كالآتي: "لا تقاتلوا القوات الأمريكة لإنه لا يجوز الدفاع عن حاكم جائر"!!.
إذن ايران عاونت امريكا على احتلال العراق علنا وهي تحتل العراق فعليا بشكل مباشر مع الأحتلال الأمريكي عبر فيلق القدس واطلاعات وفيلق بدر اضافة الى الاحزاب الطائفية المدعومة علنا من ايران مثل (المجلس الأعلى) و (الدعوة) و(التيار الصدري) وغيرها. كما أن الجميع يرى ويلمس توجهات اعوان وايران الذين يسعون قدما في تفتيت العراق الى فدراليات واقاليم بهدف انهاء وجوده كدولة وهو ذات النهج الذي دعا إليه جوزيف بايدن (نائب الرئيس الحالي للولايات المتحدة) في مقترح رسمي قدمه الى الكونجرس الأمريكي يدعو فيه إلى تقسيم العراق إلى كيانات ثلاثة إستنادا إلى ألتعدد ألطائفي والعنصري.
لقد ذكر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز" "تريتا بارسي" في مقدمة كتابه "التحالف الغادر" أن " المسئولين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه، مقابل ما ستطلبه إيران منها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين و تنتهي مخاوف الطرفين". وبعد أن يذكر هوبكينز حقائق مثيرة في العلاقات بين واشنطن وطهران يخلص القول في نهاية كتابه ألى إنّ إيران ليست "خصما للولايات المتّحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام وأفغانستان بقيادة حركة طالبان "وقد يكون هذا متطابقا مع ما أوصى وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس قبل ثلاث سنوات في دراسة كلفه بها الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش حيث أوصى بسياسة "القفازات الحريرية مع إيران بدلاً من القوة".
أن المتابع إذا ما تجاوز القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات و التراشقات الإعلامية و الدعائية بين إيران و الولايات المتحدة يرى أن هناك تشابها مثيرا بين الدولتين في العديد من القضايا وأنّ ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما وأن هناك تحالف من وراء الكواليس بين أمريكا وإيران وهو بالطبع ليس تحالفا أستراتيجيا إذ يجب أن نعترف بإختلاف أستراتيجيات كل دولة لكنه مبني على مصالح الدولتين في المنطقة كما أن الولايات المتحدة تراقب تحرك القوى ونموها في روسيا ودول الأتحاد السوفييتي السابقة والصين ويهمها جدا أن لا تدفع بإيران إلى أحضان هذه القوى الصاعدة.
خلاصة القول فإن علم السياسة يقول أن من حق ايران او امريكا او أي بلد ان يدافع عما يعتبره مصالحا حيوية بالطرق والاساليب التي يراها مناسبة ولكن في الحالة العراقية صورة لم تحضر في التجارب الدولية السابقة حيث تحالفات الأضداد وتنفيذ للأستراتيجيات دون المواجهة ويبقى للعراق وشعب العراق أن يعي أن الأمريكان والإيرانيين في العراق هم شركاء وأن ليس لهم إلا خيار المقاومة الذي أقرتّه السنن والشرائع الدينية والدنيوية ليتخلصوا من الأحتلالين ويتركوا أيران وأمريكا ليواجهوا بعضهم في بقية قضايا المنطقة والتسلح النووي.
الثلاثاء 14 صفر 1430 / 10 شباط 2009