ترسخ رمزية استخدام الحذاء (القندرة) عند أهل العراق وعموم أهل المنطقة، إمعانا في احتقار من يشبه بالحذاء أو يرمى في وجهه الحذاء، وللعودة للذاكرة فقد خرجت جماهير العراق إبان العهد الملكي في تعبيرها عن غضبها من محاولات جر العراق لما سمي في بـ ''حلف بغداد''، فكانت هتافات كثيرة ومثيرة ضد الملكية والحكومة العميلة في ذلك الوقت، إلا أن أبلغها معنى وأوقعها أثرا وأبقاها زمنا وأرسخها في الذاكرة كان الهتاف الذي أطلقه المتظاهرون بالقول '' نوري السعيد القندرة وصالح جبر قيطانه'' في تعبير بالغ الدلالة على احتقار جماهير العراق للعمالة والعملاء والتوابع والأذناب.
كذلك فإنه مهما حاول الإعلام الأميركي تقديم صور مصطنعة ومزيفة عما خلفته القوات الأميركية وعملاء الاحتلال من ويلات علي العراق وشعبه تحت مسميات الديمقراطية والحرية ومحاربة الإرهاب، فإن الزيف والصور المصطنعة سرعان ما تنكشف وتفضح ويبقى الواقع المرير والصور الحقيقية ماثلة في ذاكرة الشعوب والأوطان، فقد أعدت الإدارة الأميركية ماكينة الدعاية والدجل وشركات العلاقات العامة سيناريوهات كثيرة ومسرحيات مفبركة أكثر منذ احتلال بغداد وحتى هذا اليوم لتزييف الواقع واستمرار الكذب، إلا أنها جميعها ذهبت هباء منثورا، أما الصورة الومضة الصاعقة المدوية فكانت في الأسبوع الماضي عندما وصل رئيس الإدارة الأميركية ''بوش'' إلى العراق لاستكمال تزييف الصورة ومواصلة مسلسل الكذب على العالم حول نجاحات مدعاة في العراق وديمقراطية مسخ فيه، فكان أبلغ تعبير عن احتقار السياسة الأميركية واستمرار زعيمها في الكذب والدجل فكان رد منتظر الزيدي التي وجه فردة حذائه إلى وجه الرئيس الأميركي رئيس الدولة الأعظم والقطب الأوحد، أتبعها بالفردة الثانية للحذاء وهو يقول ''هذه قبلة الوداع من العراقيين يا…'' فكانت الصورة الصادقة للتعبير عما يكنه شعب العراق وشعوب المنطقة كافة من احتقار وازدراء وقرف ورفض للسياسة الأميركية ورعونة اليمين المحافظ فيها وإمعانه في إذلال البشر وكل من يختلف مع مخططاتهم الجهنمية في المنطقة والعالم. مشهد بليغ الدلالات أيضاٌ على حين نقلت لنا الصورة المالكي وهو يحاول تلقي الحذاء بيديه ليبعده عن وجه بوش.
قال بوش في رده على ذلك بأنه لم يكن يحس بالتهديد محاولا التخفيف من وطأة الصدمة على نفسه، وذلك صحيح من الناحية المادية، فالصحافي الزيدي وصفه زملاؤه بالهادئ والمسالم، قد مر على عشرات الحواجز الأمنية والتفتيش الدقيق قبل أن يصل إلى موقع المؤتمر الصحافي في المنطقة الخضراء، ثم إن الصحافي قد أمعن في التعبير عن الاحتقار للرئيس الأميركي وسياساته من خلال رمزية الحذاء ''القندرة'' الموجه إلى وجه الرئيس الأميركي. قيل إن الشعب العراقي سوف يستقبل الجيش الأميركي بالورود، فكانت المقاومة العراقية الباسلة التي أفسدت حلم الإدارة الأميركية بالهيمنة على المنطقة، واستمرت الحرب ولم تنته رغم أن بوش أعلن انتهاءها في العام 2003 ظنا منه أن الأمور قد استقرت له وللذين جاؤوا على ظهر الدبابة الأميركية، فكانت توابيت ونعوش الجنود الأميركان تنقل سرا إلى الولايات المتحدة خوفا من نقمة الشعب الأميركي، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والمرضى النفسيين، وهاهو العراق اليوم يودع رئيس دولة الاحتلال بالقنادر، فقد رأينا المظاهرات والمسيرات الحاشدة في المدن العراقية تخرج تأييدا لصنيع الزيدي.
حقا إنها أبلغ صورة سيحفظها التاريخ لشعب أصر على توديع رئيس الدولة العظمى التي جرت الويل والخراب على الشعب العراقي باحتقار لا يمكن وصفها وستظل صورة الرئيس الأميركي وهو يتلقى حذاء منتظر الزيدي، صورة خالدة تلخص الحقبة السوداء لما جره الاحتلال الأميركي البغيض من ويلات ومآس وفتن على العراق والعراقيين بل والمنطقة بأسرها، ورغم ما حاول إبداءه بوش من محاولة يائسة فأظهر نفسه بمظهر المتماسك، إلا أن تلك اللحظات ستظل تلاحقه في يقظته ومنامه، خصوصاُ حين يقدم له المالكي رئيس الوزراء المعين من الاحتلال شرحا وافيا عن رمزية الحذاء في تاريخ المنطقة، وأن يبدي له الأسف بأنه حاول التخفيف عنه بأنه أي المالكي حاول أن يقيه الأحذية لكن كما يقول أهل المغرب '' الله غالب''، أو فليكلف بوش معاهد الدراسات لديه ليقدموا له عرضا عن مسيرة من لاحقته الأحذية عبر التاريخ وكيف أضحى مصيرهم، وما معنى أن يُرمى زعيم الدولة الأعظم بالأحذية وكيف استحالت الورود التي وُعدوا بها إلى أحذية وقنادر، وهل تدخل الأحذية ضمن أدوات الإرهاب، أو فليصدر بوش توجيهاته بأن يكون حضور مؤتمراته الصحفية المقبلة قد نزعوا أحذيتهم قبل الدخول إلى قاعة المؤتمر.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.