المقاومة هي صاحبة السلطة الشرعية في العراق.. والأمريكان وزعيمهم بوش هم المعتدون المحتلون ويجب أن يدفعوا ثمن عدوانهم وجرائمهم
بعد أسبوع من توقيع "الاتفاقية الأمنية" بين الإدارة الأمريكية وحلفائها في المنطقة الخضراء في بغداد, أعلن جورج بوش -الذي سيغادر البيت الأبيض بوجه أسود- أنه عندما دخل البيت الأبيض قبل ثماني سنوات, لم تكن في نيته شن أي حرب, وأنه خُدع بتقارير الاستخبارات العسكرية التي أوهمت إدارته بوجود أسلحة دمار شامل في العراق. وهذا الاعتراف المتأخر جاء بعد اعترافات مماثلة لأركان حكمه مثل كولن باول وزير الخارجية ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق, ورامسفيلد وزير الدفاع السابق, وجورج تنت من مجلس الأمن القومي. ولكن اعتراف بوش بكذب معلومات الاستخبارات الأمريكية حول وجود أسلحة دمار شامل مزعومة في العراق, جاء بعد أن ضمن من خلال الاتفاقية الأمنية, عدم مساءلته عن أعماله الإجرامية بحق الشعب العراقي, حيث جاء في الفقرة (21) من الاتفاقية تنازل كلا الطرفين عن أية حقوق إزاء بعضهما البعض.
الغزو العسكري الذي نفذه بوش ضد العراق ومن ثم احتلاله عام ,2003 لم يكن بتفويض من الأمم المتحدة, وكان ضد إرادة الأمريكيين أنفسهم, وعدم رضا العديد من الدول الغربية. وعلى هذا الأساس فإن الفعل العسكري الأمريكي, وفي ضوء اعترافات أركان البيت الأبيض في عهد بوش, يُعد عدواناً في شرعة الأمم المتحدة وبالذات في ضوء الفصل السابع من الميثاق, ومن المفروض أن يُعاقب المعتدي, بردع جماعي من مجموعة الأمم المتحدة وبالذات الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن, وذلك لتطبيق فقرات الأمن الجماعي في الميثاق بمعاقبة المعتدي.
ولكن الأمم المتحدة المحكومة من قبل الخمس الكبار في مجلس الأمن, ومحكومة من قبل الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة, وتفكك الاتحاد السوفييتي, غير قادرة على مثل هذا الفعل, أي غير قادرة على اتخاذ قرار جماعي بردع المعتدي بقوة اكبر منه مشكلة من مجموعة الأمم المتحدة الموقعة على الميثاق, ويعود السبب لامتلاك الخمسة الكبار حق النقض (الفيتو). وتطبيق مضامين الأمن الجماعي لم يتحقق إلا في الحرب الكورية (1950-1953) بقرار من الجمعية العامة, في صيغة إلتفافية على مجلس الأمن لتحاشي استخدام المندوب السوفييتي لحق (الفيتو), وكذلك في حالة احتلال الكويت ,1990 حيث صدر قرار الحرب من مجلس الأمن بدعوى حماية الأمن والسلم الدوليين.
المهم أن توقيع الاتفاقية الأمنية بين حكام بغداد وواشنطن, أنقذ بوش من أية مساءلة قانونية, كونه هو الذي قاد الحرب ضد بلد من مؤسسي الأمم المتحدة الخمسين وبدون أية مبررات عسكرية, وبعيدة عن أية أخلاق تُعير بالاً للقانون الدولي. فإدارة بوش الآن ومن خلال اتفاقية الذل والعار, ستكون غير مسؤولة عن تدمير العراق اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وبشرياً. وبوش غير مسؤول عن تدمير البنى التحتية والمنشآت الصناعية التي تُعد بالألوف, وغير مسؤول عن تدمير الجيش العراقي والقوات الأمنية, وغير مسؤول عن نهب الثروات النفطية, وغير مسؤول عن مليون قتيل عراقي, وغير مسؤول عن المجازر التي ارتكبتها قواته ضد المدنيين خاصة اغتصاب نساء العراق, وغير مسؤول عن تشريد أربعة ملايين من ديارهم وخارج وطنهم, وصاروا لاجئين في بلدان الجوار وبلدان العالم. وبالتالي فإنه غير ملزم بدفع تعويضات عن كل هذه الجرائم التي يمكن أن تحكم فيها محكمة الجزاء الدولية لصالح العراقيين.
وبالمقابل فإن حكومة المنطقة الخضراء قد فرطت بحقوق العراقيين الآنف ذكرها, ولن تكون قادرة على المطالبة بتعويضات مالية لكل المتضررين خلال السنوات الخمس الماضية. وعلاوة على التفريط بهذا الحق الجزئي من حقوق العراقيين, فإن هذه الحكومة, ومن أجل أن تبقى في السلطة, شرعنت بقاء القوات الأمريكية في العراق, بحيث تُصبح تسميتها قوات صديقة موجودة في البلاد وفق اتفاق ثنائي, وليس قوات احتلال. وفي الحقيقة فإن بقاء القوات الأمريكية حتى عام 2011 في ضوء مضمون الاتفاقية, وقد تُجَدد إذا بقي أركان التحالف السياسي الحاكم في السلطة, هذا البقاء هو من أجل المحافظة على الحكام فوق كراسي السلطة, ومن أجل إكمال المخطط الأمريكي الصهيوني القاضي بتقسيم العراق, وإشعال نار الفتنة أكثر وأكثر. حتى لا يعود العراق قوياً إلى محيطه العربي, وحتى لا يؤدي أي دور قومي في المستقبل.
وسواء وقعت الاتفاقية الأمنية أم لا, فإن العراق محتل, وبعد الاتفاقية صار العراق محتلاً احتلالاً تعاهدياً مشروعاً أو مشرعناً, والأمر الواضح للعيان أن الحكومة الموجودة في سدة الحكم موجودة بحراب المحتلين, وبالتالي فإن هذه الحكومة لا تملك شيئاً حتى تعطيه للآخرين, فالمحتل هو الذي صاغ قرار حل الجيش العراقي, وقرار اجتثاث البعث وصاغ الدستور, وقانون النفط, وأخيراً قانون الانتخابات المحلية في المحافظات. وما استجابة أطراف الحكومة لكل هذه الاملاءات التي دمرت العراق, إلا لتحقيق مصالح شخصية ذاتية للأشخاص أو للأحزاب المؤتلفة في السلطة.
فالأكراد الذي يحكمون إقليم كردستان العراق باستقلالية تامة منذ عام 1991 عندما فرضت الولايات المتحدة خط العرض (36) شمالاً, هم من أكبر المستفيدين من توقيع الاتفاقية الأمنية, ولو تعثر توقيعها مع الإدارة الأمريكية فإن حكومة كردستان كانت مستعدة أن توقعها ثنائياً مع الإدارة الأمريكية, بدليل أن مسعود البرزاني عرض على بوش إقامة قواعد عسكرية أمريكية في منطقة كردستان, فالأكراد يتصرفون بمعزل عن حكومة بغداد, رغم أن الرئيس منهم والخارجية منهم إضافة إلى عددا كبيرا من المواقع الاقتصادية منهم. فهم يتعاقدون مع الشركات النفطية العالمية بدون علم حكومة بغداد أو موافقتها, كما أنهم يريدون ضم كركوك الغنية بالنفط عنوة بدعوى أن الأكراد يشكلون غالبية سكانها, وهذا واقع مغلوط, كما أنهم يطالبون بضم نواح عديدة في ديالى وصلاح الدين والموصل بدعوى وجود أكراد فيها, ولا نستبعد أن يطالبوا بمنطقة معزولة في بغداد بدعوى أن فيها حوالي نصف مليون كردي.
أما أحزاب الائتلاف الشيعي فهم يسعون أيضاً إلى حكم ذاتي بدعوى تطبيق الفيدرالية في مناطق الجنوب والتحكم في نفط الرميله ومجنون. وأما القوى المحسوبة على السنة, فإنهم اكتفوا ببعض الهبات الجزئية أو الأجندات الصغيرة التي وافقت عليها الحكومة, ولم يسجلوا موقفاً تاريخياً للأجيال المقبلة.
إن جميع الأطراف السياسية في العراق الممثلة في البرلمان استخدمت كل أساليب الخداع والضغط من أجل تمرير الاتفاقية الأمنية إرضاء لسيدهم بوش, وتخليصه من عبء المسؤولية القانونية إزاء عدوانه غير المبرر على العراق, كما أنهم لم يحترموا مشاعر العراقيين الذين عانوا كثيراً من عدوانية الجنود الأمريكيين المحتلين. وحتى موافقة البرلمان ب¯ (149) صوتاً من أصل (198) وانسحاب (77), لا تعد موافقة للبرلمان المكون من (275) عضواً, ولا يُعبر عن إرادة الشعب العراقي الذي اقترب تعداده من ثلاثين مليونا.
كما أن القوى الحاكمة في المنطقة الخضراء لم يكترثوا للأصوات المؤثرة في المجتمع العراقي, خاصة هيئة علماء المسلمين, وعدد من العلماء الأعلام مثل كاظم الحائري, وعبدالكريم زيدان, وغيرهم الذين أصدروا فتاوى تحرم الاتفاقية والتوقيع عليها, ودعوتهم أبناء العراق لإسقاطها. كما أن هذه القوى المهووسة لم تُعر بالاً للمقاومة العراقية التي كان لها دور بارز ومهم في عملية التغيير التي حصلت في الانتخابات الأمريكية, فهذه المقاومة التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف الجنود الأمريكيين, مستمرة في الجهاد, ونأمل أن توحد جهدها العسكري والسياسي وتؤسس لها مكاتب في العواصم العربية وعواصم دول العالم, كي تدافع عن حقوق العراق في التحرر ودفع تعويضات عن كل الأضرار التي وقعت سواء القتلى أو الجرحى أو المعتقلين بدون محاكمة أو المهجرين بالملايين.
المقاومة هي صاحبة السلطة الشرعية في البلاد, لأنها تُجسِّد أمل العراقيين في التحرر من نير المحتل الأمريكي. فالأمريكان وزعيمهم بوش المودِّع للبيت الأبيض هم المعتدون والمحتلون ويجب أن يدفعوا ثمن عدوانهم وجرائمهم, ومن يفرط بهذا الحق فهو خائن لبلاده وشعبه, وسوف يكون خارج مسار التاريخ.0
موقع الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية