بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الخلفيات والمضمون والآثار
(1-2)
الاتفاقية تعيد الوطن العربي الى عهود الوصاية والحماية العراق الآن تحت الاحتلال وعقوبات الفصل السابع وبالتالي هو دولة منقوصة السيادة ومسلوبة الارادة
ترغب ادارة بوش من خلال الاتفاقية فرض او واقع امام ادارة أوباما
الاتفاقية تجعل ارادة العراق رهينة بيد امريكا
الوصف القانوني للوجود الامريكي ان جورج الخامس يتعامل مع جورج الخامس
16/11/2008
تقديم وتمهيد:
يحمل مشروع الاتفاقية الأمنية الذي قدمته أمريكا إلى الحكومة العراقية من أجل الموافقة عليه، تاريخ 21/10/.2008 وخلال الأسبوع الأول من تسلم العراق للمشروع، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن المشروع غير قابل للتعديل، وأن على السلطات العراقية توقيعه كما هو، وأكد على ما قاله بوش وزير الدفاع الأمريكي. وفي مساء يوم 28/10/، 2008 أعلن الناطق الرسمي لحكومة العراق، بأن حكومته سوف تقترح على الحكومة الأمريكية إجراء تعديلات طفيفة على المشروع، تتناول تعديل مضمون بعض المواد، وإجراء تعديلات تتعلق بالصياغة على بعض المواد أيضاً، وذلك من أجل المحافظة على سيادة العراق.
وبتاريخ 29/10/، 2008 تحدثتُ في محطة المنار لمدة ساعة ونصف في برنامج "ماذا بعد"، تناولتُ خلالها مشروع الاتفاقية بتفصيل توضيحي لكل مادة من مواد المشروع، وانتهيت إلى القول أن كل مادة وكل بند في المشروع يسلب سيادة العراق ويصادر إرادته، ومن ثم فإن هذا المشروع لا تنفع معه التعديلات الطفيفة، إن كان هناك أي حرص على حرية العراق وسيادته.
وخلال الأيام العشرة الأخيرة، أخذت الأنباء الصادرة عن السلطات العراقية والسلطات الأمريكية تتحدث عن تعديلات رفضتها أمريكا وأخرى وافقت عليها، لكن التفصيلات بشأن هذه التعديلات، سواء المرفوضة أو المقبولة من أمريكا، لا تزال طي الكتمان، في حين أن ما تناولته وسائل الإعلام يدخل في إطار العموميات التي لا يمكن الإرتكان إليها في أية دراسة موضوعية بهذا الصدد.
ومن ناحية أخرى، أخذت حكومة العراق بإرسال الرسائل والرسل إلى إيران وسورية وعدد من الدول العربية والجامعة العربية، للتأكيد على أن العراق لن يسمح بأن تكون أراضيه منطلقاً للإعتداء على دول الجوار، في حين أن مواد الاتفاقية بوضعها الحالي، تسلب من العراق سيادته وإرادته، وسيكون النص الذي يعطي لأمريكا حق الدفاع عن النفس، رغم أي نص في الاتفاقية، ذريعة بيد أمريكا تتحرك بموجبه في الإتجاهات كافة، مع العلم أن أمريكا أعلنت أن نص الدفاع عن النفس غير قابل للمفاوضة أو التعديل !!
وانطلاقاً من مبدأ عرض الحقائق كما هي، فإني أعرض فيما يلي لخلفيات ودواعي الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا، ثم لمضمونها وآثار هذا المضمون. بأقصى صورة من التبسيط، وذلك من أجل أن يحكم أبناء الأمة على ما يراد للعراق من مستقبل ومصير، وحسبي أني نبهت وذلك أضعف الإيمان.
1- في الخلفية التي تنطلق أمريكا منها لفرض الاتفاقية الأمنية:
بتاريخ 28/11/، 2007 وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اتفاقية إعلان مبادئ لتحديد العلاقة بين أمريكا والعراق على نحو يكفل وجود تعاون وصداقة طويلة الأمد بين البلدين. تقع الاتفاقية على صفحتين من الحجم المتوسط، وبينت ثلاثة مجالات ينبغي عقد اتفاقيات بشأنها هي:
أ. المجال السياسي والدبلوماسي والثقافي
ب. المجال الاقتصادي
ج. المجال الأمني
وقد أوردت اتفاقية إعلان المبادئ، العناوين الرئيسية التي يشتمل عليها كل واحد من المجالات الثلاثة السابقة، ونص البند الأخير من الاتفاقية على أن تبدأ مفاوضات بين العراق وأمريكا بأسرع وقت ممكن للتوصل إلى توقيع اتفاقية تتضمن الحالات السابقة بين حكومتي البلدين قبل 31/7/.2008 ويبدو أن الحكومة الأمريكية وجدت أن الاستعجال ينبغي أن ينصب على الاتفاقية الأمنية التي تعطي المشروعية لإقامة قواعد عسكرية في العراق، لتستقر فيها قواتها المحتلة البالغة (150) ألف جندي، ومثلهم من قوات شركات الحماية والعناصر المدنية، وبعد ضمان هذه المشروعية، يسهل على أمريكا فرض اتفاقيات في المجال السياسي، والمجال الاقتصادي الذي يفتح باب العراق على مصراعيه للشركات الأمريكية من أجل النهب المنظم لخيرات العراق.
ودخل العراق في مفاوضات مع الجانب الأمريكي بخصوص الاتفاقية الأمنية، لكن المطالب الأمريكية الكثيرة أذهلت العراقيين الذين حاولوا بدورهم التخفيف ما أمكن من الشروط التي تطلبها أمريكا.
وأدى هذا إلى عدم إنجاز الاتفاقية الأمنية قبل 31/7/.2008 وكمحصلة للمفاوضات بين الطرفين، قدم الجانب الأمريكي مشروع الاتفاقية الأمنية الذي سنتحدث عنه من أجل توقيعه من الجانب العراقي.
2- الوصف القانوني للوجود الأمريكي الآن في العراق:
نعرض تالياً للكيفية التي تعامل فيها جورج الخامس مع جورج الخامس في العراق.
أ. استندت أمريكا ومن تحالف معها لاحتلال العراق إلى أن في العراق أسلحة دمار شامل وله صلات مع القاعدة، وسخرت وزير خارجيتها كولن باول ليعرض أدلة على الذرائع الأمريكية أمام مجلس الأمن، ولكن تبين بعد ذلك أن أمريكا اعتمدت على تزوير لوثائق ومعلومات، ولا يزال باول يعيش عذاب الضمير لأن الإدارة الأمريكية جعلت منه كبش فداء للإدلاء بمعلومات كان يعتقد أنها صحيحة، وتبين أنها كاذبة. وبعد أن تبين كذب أمريكا وتزويرها، أصبحت ذريعتها في احتلال العراق التخلص من الإرهاب وإقامة ديمقراطية تقتدي بها دول المنطقة. لكن المؤلم أنه حل مكان الديمقراطية المدعاة تدمير العراق وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين من أبناء الشعب العراقي.
ب. وفي أعقاب احتلال أمريكا للعراق، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1483/، 2003 الذي يؤكد فيه أن العراق دولة تم احتلالها من قبل أمريكا وبريطانيا. ومن أجل أن تتجنب أمريكا وصف وجودها في العراق بأنها دولة محتلة، سخرت الحكومة العراقية المؤقتة التي عينها بريمر، بصفته مندوب أمريكا السامي في العراق، بالكتابة إلى مجلس الأمن طالبة اعتبار وجود القوات الأمريكية في العراق، ومعها القوات متعددة الجنسية، وجوداً تعاهدياً يتجدد سنة فسنة بقرار من مجلس الأمن بطلب من العراق. وبناء على هذا الطلب، أصدر مجلس الأمن قراره رقم (1546/2004) المؤكد بالقرار رقم (1637/2005)، باعتبار وجود أمريكا في العراق وجوداً تعاهدياً.
ج. وفي عام ، 2006 طلب رئيس وزراء العراق نوري المالكي من مجلس الأمن تمديد الوجود الأمريكي في العراق حتى تاريخ 31/12/.2007 ورغم أن المادة (52) من الدستور العراقي تستوجب موافقة ثلثي مجلس النواب العراقي على الطلب الذي قدمه المالكي إلى مجلس الأمن، إلا أنه، أي المالكي، لم يعبأ بالدستور ولم يعرض الأمر على مجلس النواب، وصدر قرار مجلس الأمن بالتمديد المطلوب برقم 1723/.2006
د. أما الوجود الأمريكي حتى تاريخ 31/12/، 2008 فقد صدر بشأن شرعيته قرار مجلس الأمن رقم 1790/، 2007 الذي أُرفقت به رسالة المالكي إلى مجلس الأمن بهذا الخصوص. ولعل ما صاحب الطلب الذي وجهه المالكي إلى مجلس الأمن من وقائع، يمثل الكيفية التي يتم بها العبث بمصائر الشعوب. ذلك أنه عندما وجه نوري المالكي طلبه إلى مجلس الأمن التمديد للوجود الأمريكي، لم يكن قد عرض الأمر على مجلس النواب وفقاً للمادة (52) من الدستور. واعترض على طلب التمديد (144) نائباً عراقياً من أصل (175)، حيث وقعوا على الاعتراض وسلموه إلى ممثل الأمم المتحدة في بغداد، مؤكدين أن التمديد وفقاً للدستور يستوجب موافقة ثلثي النواب، في حين أن الأمر لم يعرض على مجلس النواب أصلاً. وبعد أن صدر قرار مجلس الأمن بالتمديد للقوات الأمريكية، تبين أن اعتراض النواب العراقيين بقي في درج مكتب ممثل الأمم المتحدة، ولم يرسله، وكان عذره أنه نسي إرسال الاعتراض الى مجلس الأمن!!!
ه. وهكذا، فإن الوجود الأمريكي في العراق جاء نتيجة احتلال دولة العراق من قبل أمريكا بالقوة المسلحة في نيسان عام ، 2003 وتأكدت صفة الاحتلال هذه بقرار مجلس الأمن رقم (1487/2003). أما تغيير صفة الاحتلال إلى وجود تعاهدي يتم تمديده بقرار من مجلس الأمن بناء على طلب العراق، فهذا أمر جاء بناء على اتفاق بين جورج الخامس وجورج الخامس. ذلك أن طلب الصفة التعاهدية لعامي 2004 و ، 2005 صدر من الحكومة العراقية المؤقتة التي نصبها المندوب السامي بريمر على العراق، الذي تأتمر بأمره قوة تتمثل في الجيوش الجاثمة على أرض العراق. أما حكومة المالكي التي طلبت من مجلس الأمن تمديدات للوجود الأمريكي حتى 31/12/، 2008 فقد كان طلبها مخالفاً للدستور العراقي الذي تم وضعه بإشراف أمريكي، فضلاً عن أن الطلب الموقع من المالكي قد تم في ظل وجود ذات الجيوش التي ظلت جاثمة على أرض العراق حتى الآن. ولذلك فإن وصف الوجود الأمريكي بالتعاهدي، لم يغير من الطبيعة الاحتلالية لهذا الوجود، بجيوش تقتل وتدمر وتنهب كما تشاء من غير رقيب أو حسيب، وأفرادها ضباطاً وعساكر ومرتزقة يتمتعون بالحصانة من تطبيق القانون العراقي أو الخضوع للقضاء العراقي، وفقاً للأمر رقم (17) الذي أصدره بريمر بتاريخ 24/6/.2004
و. ووفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية المؤرخة في 23/5/، 1969 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 27/1/، 1980 فإن طلب الوجود التعاهدي لأمريكا في العراق يستوجب أن يصدر عن دولة ذات سيادة تتمتع إرادتها بحرية كاملة، وأن لا تكون تحت سيطرة قوة تهددها صراحة أو ضمناً عند عدم الامتثال لما تريد. فإذا كانت الدولة منقوصة السيادة أو مسلوبة الإرادة أو كانت تخضع لقوة احتلال، فإن توقيعها على أي موضوع تعاهدي يصبح باطلاً عديم الأثر.
وكمحصلة لما سبق، فإنه في ظل القواعد التي تحكم العمل التعاهدي، يكون وصف الوجود الأمريكي في العراق كوجود تعاهدي بناء على طلب دولة العراق، متعارضاً كلياً مع الحقائق الواقعية والقانونية. ونتساءل: أليس في إلباس الوجود الإحتلالي ثوب الوجود التعاهدي تزويراً للحقائق ليكون أداة التزوير مجلس الأمن، تماماً كما حدث في تزوير الوثائق التي استند إليها كولن باول أمام مجلس الأمن لإثبات وجود أسلحة دمار شامل في العراق كذريعة لفرض عقوبات الفصل السابع عليه وكانت الأداة مجلس الأمن أيضا?
3- لماذا هذا الاستعجال الأمريكي في الحصول على توقيع العراق على الاتفاقية الأمنية:
نعتقد أن هذه الأسباب تتمثل في التالي:
أ. ينص البند قبل الأخير من اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعها جورج بوش ونوري المالكي بتاريخ 28/11/2007 على أن التمديد الذي تطلبه السلطات العراقية من مجلس الأمن للوجود الأمريكي في العراق حتى نهاية عام 2008 سيكون التمديد الأخير.
ب. ورد في الفقرة الخامسة من رسالة المالكي بطلب تمديد الوجود الأمريكي في العراق المرفقة بقرار مجلس الأمن رقم 1790/، 2007 أن طلب التمديد حتى 31/12/2008 سيكون الطلب الأخير، وصدر قرار مجلس الأمن بالتمديد حتى التاريخ المذكور بناء على هذا الطلب، مع العلم أن قرار مجلس الأمن لم يرد فيه أي ذكر عن أن هذا التمديد سيكون الأخير.
ج. ترغب الإدارة الأمريكية في أن تكون الاتفاقية الأمنية سنداً لمشروعية وجودها في العراق والخروج من مظلة مجلس الأمن وتمديداته، والاستئثار بالعراق وحدها، بعيداً عن أية احتمالية لمضايقات دولية، وخاصة بعد النمو الروسي على الساحة الدولية، واحتمالية استخدامه لحق الفيتو عند طلب التمديدات المستقبلية، كوسيلة لإثبات روسيا لفاعلية تأثيرها في ميزان القوى الدولية.
د. ترغب إدارة بوش في فرض أمر واقع، يتمثل في وجود اتفاقية تشرعن وجود القوات الأمريكية في العراق أمام الإدارة الجديدة، جمهورية كانت هذه الإدارة أم ديمقراطية، فلعل ذلك يحقق الغايات التي سعت إليها إدارة بوش، وعند الاقتضاء ليكون على هذه الإدارة الجديدة أن تتحمل نصيبها من الخسائر الأمريكية في العراق، حتى لا تظل أيادي إدارة بوش هي وحدها التي تلوثت بالعراق.
4- لماذا هذا الإصرار الأمريكي على أن تكون هناك اتفاقية وليس معاهدة بينها وبين العراق:
نعتقد أن أسباب هذا الإصرار هو ما يلي:
أ. إن صلاحية الموافقة على المعاهدات (Treaties) في الدولة الأمريكية هو من اختصاص الكونغرس الذي تسيطر عليه أغلبية من الحزب الديمقراطي، في حين أن توقيع الاتفاقيات (Agreements) تدخل في صلاحيات الرئيس الأمريكي وحده. وبالنظر إلى أن إدارة بوش لا تريد الدخول في مواجهة خاسرة مع الحزب الديمقراطي الذي يعارض سياسة هذه الإدارة في العراق، فقد أطلقت صفة الاتفاقية على ما تزمع عقده مع العراق، من أجل الاكتفاء بتوقيع الرئيس بوش وحده عليها بمعزل عن الكونغرس.
ب. وفقاً لمعاهدة فيينا لقانون المعاهدات الدولية (Treaties) التي أصبحت نافذة عام ، 1980 فإن المعاهدات التي تعقدها الدولة الواقعة تحت الاحتلال مع الطرف المحتل، تكون باطلة، على ما أسلفنا. ولذلك، فإن إدارة بوش تريد تجنب سريان اتفاقية فيينا على ما ستوقعه مع العراق، من خلال إطلاق اسم اتفاقية وليس معاهدة على ما ستوقعه مع دولة العراق.
5- مضمون مشروع الاتفاقية الأمنية ومدى آثاره على العراق ودول المنطقة:
يحمل مشروع الاتفاقية تاريخ 21/10/، 2008 ويتكون من (27) مادة، ويقع على (14) صفحة من الحجم المتوسط. ويمكن تسكين المواد الواردة في الاتفاقية تحت ستة موضوعات رئيسية هي، الهدف من الاتفاقية، وسائل تحقيق هذا الهدف، الالتزامات التي تفرضها الاتفاقية على العراق، سلطات القوات الأمريكية في العراق، الحصانات التي تتمتع بها هذه القوات، ثم أخيراً موضوع الانسحاب. ونتناول هذه الموضوعات تباعاً وفقاً لنصوص الاتفاقية.
أولاً: الهدف من الاتفاقية:
ورد الهدف من الاتفاقية في المادة الرابعة تحت عنوان المهام. وحددت هذه المادة المهام بأنها: "ردع أي من التهديدات الداخلية والخارجية أو كلها ضد جمهورية العراق وتعزيز التعاون لإلحاق الهزيمة بالقاعدة في العراق… والمجموعات الإرهابية الأخرى والمجموعات الخارجة على القانون بما في ذلك فلول النظام السابق".
ويلاحظ على هذا النص ما يلي:
أ. أن العدو الذي ستلاحقه القوات الأمريكية في المحصلة للقضاء عليه، هو المجموعات التي تقوم بالإرهاب. لكن اصطلاح "إرهاب" ليس له مدلول محدد في القانون الدولي حتى الآن، ولم تقبل أمريكا خلال المؤتمرات الدولية والإقليمية، بأن يتم تحديد مدلول الإرهاب. ولذلك فإن كلمة إرهاب تنطبق على أي سلوك أو نشاط يصدر عن شخص أو مجموعة أو جهة أو دولة، ما دامت أمريكا تعتبر هذا السلوك أو النشاط عملاً إرهابياً.
ب. ووفقاً للنص، فإن للقوات الأمريكية سلطات داخل العراق، في أن تدمر وتقتل وتعتقل على النحو الذي تريد، ما دامت تعتبر ما تقوم به هو ملاحقة للإرهاب.
ج. وما دام النص يعطي للقوات الأمريكية سلطة ردع التهديدات الخارجية لأمن العراق، فإن هذا يعني أن لأمريكا الحق في أن تنطلق من أرض العراق لدخول الدول الأخرى بهدف القتل والتدمير فيها تحت ذريعة ملاحقة الإرهاب حماية لأمن العراق. وما قامت به القوات الأمريكية من اعتداء وحشي بربري على سورية وإعمال القتل والتدمير في منطقة البوكمال يوم الأحد 26/10/، 2008 خير دليل.
د. ويلاحظ هنا أن الفقرة الثانية من المادة الرابعة تنص على أن تتم ملاحقة الإرهاب بالتنسيق مع السلطات العراقية، لكن الفقرة الرابعة من ذات المادة أفرغت التنسيق من محتواه عندما نصت على أنه: "ما من شيء في هذا الاتفاق يحد من حق الطرفين »أي الأمريكي والعراقي« في الدفاع عن النفس كما هو معترف به في القانون الدولي النافذ".
ومن منطلق هذا النص، تستطيع أمريكا أن تدمر وتقتل وتعتقل داخل العراق وخارجه من دون تنسيق مع العراق، ما دامت تعتبر أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس. وخير دليل على ذلك أن القوات الأمريكية اعتدت على سورية ودمرت وقتلت في البوكمال من دون إعلام السلطات العراقية، وذلك تحت ذريعة أن ما قامت به كان دفاعاً عن النفس، وفقاً لمفهومها للقانون الدولي. والحقيقة أنه لا غرابة في الأمر، إذ الليلة شبيهة بالبارحة، ذلك أن أمريكا تعتبر احتلال إسرائيل للأراضي العربية وما تمارسه من قتل وتدمير هو دفاع عن النفس وفقاً لفهمها للقانون الدولي.
وكمحصلة لما سبق، فإن أمريكا تهدف من الاتفاقية ضمان وجود عسكري مشروع لها في العراق، يكفل لها تحقيق مصالحها، والامتداد داخل دول الجوار والمنطقة عموماً، لتفعل ما تريد وترتب ما تريد تحت ذريعة ملاحقة الإرهاب وحماية أمن العراق.
ثانياً: الوسائل الأمريكية في تحقيق الهدف أو المهام:
أما وسائل أمريكا في تحقيق أمن العراق من خلال ملاحقة الإرهاب على النحو السابق، فهو القوات العسكرية المنصوص على نوعيتها وأسلحتها في المادة الثانية. ووفقاً لهذه المادة، فإنه يدخل في عداد هذه القوات ما يلي:
أ. القواعد العسكرية للقوات الأمريكية والمتعاقدين مع هذه القوات من شركات حماية، ومدنيين من غير المقيمين عادة في العراق. أما عدد هذه القواعد فلم يرد بشأنها نص في الاتفاقية. لكن المادة (25/2) بينت أنها القواعد المتفق عليها. وهذا يعني أنه إما أن يكون هناك اتفاق مستقل بشأن هذه القواعد، وإما أنه سيجري بشأنها اتفاق منفصل. لكن جريدة الإندبندنت البريطانية الواسعة الانتشار وذات المصداقية العالية، كانت قد ذكرت أن أمريكا طلبت أن يكون لها في العراق (50) قاعدة عسكرية رئيسية و(350) قاعدة عسكرية فرعية!!
ب. لم تذكر الاتفاقية عدد القوات العسكرية التي سيصبح وجودها مشروعاً في العراق .
مشروع الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية
الخلفيات والمضمون والآثار
(2-2)
للطائرات الامريكية والتي تعمل لحسابها حق التحليق في الاجواء العراقية والاقلاع والهبوط ويمنع على السلطات العراقية صعودها او تفتيشها
للقوات الامريكية حق انتاج حاجتها من الماء والكهرباء وجميع ملتزمات قواعدها وتشغيل انظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية من دون حق للطرق بالمطالبة بأية رسوم
اذا ما ارتكب اي امريكي جريمة ضد عراقي، فان امريكا تنظر في رفع الحصانة عنه، افاصل ان يحاكم الامريكي في بلدة اذا ارتبك جريمة في العراق وعلى السلطات العراقية تسليمه الى القوات الامريكية.
تنسحب القوات الامريكية من المدن والقرى لتستقر في القواعد المتفق عليها في تاريخ لا يتجاوز 30/6/2009 وتنسحب القوات الامريكية كليا من الطرق في تاريخ لا يتعدى نهاية عام 2011 الا اذا تم التحديد.
17/11/2008
تقديم وتمهيد:
يحمل مشروع الاتفاقية الأمنية الذي قدمته أمريكا إلى الحكومة العراقية من أجل الموافقة عليه، تاريخ 21/10/.2008 وخلال الأسبوع الأول من تسلم العراق للمشروع، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن المشروع غير قابل للتعديل، وأن على السلطات العراقية توقيعه كما هو، وأكد على ما قاله بوش وزير الدفاع الأمريكي. وفي مساء يوم 28/10/، 2008 أعلن الناطق الرسمي لحكومة العراق، بأن حكومته سوف تقترح على الحكومة الأمريكية إجراء تعديلات طفيفة على المشروع، تتناول تعديل مضمون بعض المواد، وإجراء تعديلات تتعلق بالصياغة على بعض المواد أيضاً، وذلك من أجل المحافظة على سيادة العراق.
وبتاريخ 29/10/، 2008 تحدثتُ في محطة المنار لمدة ساعة ونصف في برنامج "ماذا بعد"، تناولتُ خلالها مشروع الاتفاقية بتفصيل توضيحي لكل مادة من مواد المشروع، وانتهيت إلى القول أن كل مادة وكل بند في المشروع يسلب سيادة العراق ويصادر إرادته، ومن ثم فإن هذا المشروع لا تنفع معه التعديلات الطفيفة، إن كان هناك أي حرص على حرية العراق وسيادته.
وخلال الأيام العشرة الأخيرة، أخذت الأنباء الصادرة عن السلطات العراقية والسلطات الأمريكية تتحدث عن تعديلات رفضتها أمريكا وأخرى وافقت عليها، لكن التفصيلات بشأن هذه التعديلات، سواء المرفوضة أو المقبولة من أمريكا، لا تزال طي الكتمان، في حين أن ما تناولته وسائل الإعلام يدخل في إطار العموميات التي لا يمكن الإرتكان إليها في أية دراسة موضوعية بهذا الصدد.
ومن ناحية أخرى، أخذت حكومة العراق بإرسال الرسائل والرسل إلى إيران وسورية وعدد من الدول العربية والجامعة العربية، للتأكيد على أن العراق لن يسمح بأن تكون أراضيه منطلقاً للإعتداء على دول الجوار، في حين أن مواد الاتفاقية بوضعها الحالي، تسلب من العراق سيادته وإرادته، وسيكون النص الذي يعطي لأمريكا حق الدفاع عن النفس، رغم أي نص في الاتفاقية، ذريعة بيد أمريكا تتحرك بموجبه في الإتجاهات كافة، مع العلم أن أمريكا أعلنت أن نص الدفاع عن النفس غير قابل للمفاوضة أو التعديل !!
وانطلاقاً من مبدأ عرض الحقائق كما هي، فإني أعرض فيما يلي لخلفيات ودواعي الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا، ثم لمضمونها وآثار هذا المضمون. بأقصى صورة من التبسيط، وذلك من أجل أن يحكم أبناء الأمة على ما يراد للعراق من مستقبل ومصير، وحسبي أني نبهت وذلك أضعف الإيمان.
ثالثاً: التزامات العراق نحو أمريكا بموجب مشروع الاتفاقية:
نستخلص من مواد مشروع الاتفاقية، أنه سوف يقع على عاتق الدولة العراقية الالتزامات التالية:
أ. يضمن العراق للقوات الأمريكية حق الوصول إلى القواعد والمساحات المتفق عليها لاستخدامها من قبل هذه القوات والمتعاقدين مع أمريكا، وليس للسلطات العراقية حق دخول تلك القواعد (مادة 6).
ب. يحق للمركبات والسفن التي تديرها أمريكا أو تدار لحسابها الدخول والخروج إلى إقليم العراق والتحرك داخله بحريّة (مادة 9/1).
ج. يحق للطائرات الأمريكية العسكرية والمدنية والطائرات التي تعمل لحسابها، التحليق في الأجواء العراقية، والتزود بالوقود جواً، والهبوط والإقلاع داخل أرض العراق (مادة 9/2).
د. على السلطات العراقية أن تمنح للطائرات سابقة الذكر إذناً كل سنة للهبوط والإقلاع (مادة 9/2).
ه. يمتنع على السلطات العراقية الصعود إلى الطائرات أو تفتيشها (مادة 9/2).
و. لا تفرض على الطائرات والسفن التي تستخدم مطارات أو موانئ العراق دخولاً وخروجاً وحركة وانتظاراً، أية ضرائب أو رسوم من أي نوع، (مادة 9/5).
ز. تعفى الطائرات والسفن والمركبات الأمريكية والتابعة للمتعاقدين مع أمريكا من متطلبات التسجيل داخل العراق (مادة 9/5).
ومحصلة الالتزامات السابقة وحدها، تكفي للقول أن دولة العراق توافق على التنازل عن جوانب كثيرة من عناصر السيادة لتمتع بها السلطات الأمريكية والقوات العسكرية الأمريكية والمتعاقدين معها.
رابعاً: الصلاحيات السيادية الأخرى التي يمنحها مشروع الاتفاقية للقوات الأمريكية على أرض العراق:
اضافة إلى حرية القوات الأمريكية والمتعاقدين معها في التحرك داخل العراق وخارجه وملاحقة من تعتبره خطراً عليها أو على أمن العراق، فإن للقوات الأمريكية أيضاً:
أ. حق إبرام العقود للحصول على خدمات من أي مصدر داخل العراق وخارجه، وتكون هذه العقود محكومة بالقانون الأمريكي (10/مطلع المادة).
ب. للقوات الأمريكية حق إنتاج ما تحتاجه من ماء وكهرباء وجميع ما يلزم لقواعدها (مادة 10/1).
ج. يكون للقوات تردداتها اللاسلكية الخاصة بها (مادة 10/2)، ولهذه القوات تشغيل أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية الخاصة بها (مادة 10/2).
د. ليس من حق العراق مطالبة أمريكا بدفع أية رسوم عن استخدام موجات الإرسال والترددات الخاصة بها على أرض العراق (مادة 10/4).
ه. لأفراد القوات الأمريكية والعنصر المدني حمل الأسلحة أثناء تحركهم في أي مكان في العراق (مادة 13).
و. لأفراد القوات الأمريكية والعنصر المدني دخول العراق ومغادرته بموجب بطاقات هوية صادرة من أمريكا (مادة 14/1)، ولا تطبق القوانين العراقية على هؤلاء في الدخول أو الخروج (مادة 14/3).
ز. للقوات الأمريكية والمتعاقدين معها حق الاستيراد والتصدير لما تريد، دون أن يخضع ذلك للتفتيش أو متطلبات التراخيص أو أي قيود (مادة 15/1).
ح. تسري رخص السواقة الصادرة في أمريكا وتراخيص المهن كما هي داخل الدولة العراقية (مادة 17).
ط. تسري صلاحية التراخيص والتسجيل الصادرة في أمريكا على أرض العراق، بالنسبة للمركبات التجارية المحورة لغايات أمنية (مادة 18).
ي. للقوات الأمريكية حق إنشاء كيانات تشمل مكاتب بريد، خدمات مالية، متاجر، مناطق ترفيه وغيرها من الخدمات، دون ترخيص من العراق (مادة 19/1)، وتتمتع هذه جميعاً بالإعفاءات المالية والضريبية (مادة 19/4).
ك. للقوات الأمريكية حق إنشاء المصارف (البنوك) الخاصة بها بما في ذلك حق تبديل العملات (مادة 20/، 1 2).
ل. للقوات الأمريكية الحق في ردع التهديدات الداخلية والخارجية لأمن العراق (مادة 4).
خامساً: الحصانات والولاية القانونية للقوات الأمريكية:
تشتمل هذه الحصانات على ما يلي:
أ. وفقاً للمادة (12) تتمتع القوات الأمريكية والمتعاقدين معها بالحصانات الدبلوماسية المنصوص عليها في اتفاقية فيينا المؤرخة في 18/4 نيسان .1961 وبالرجوع إلى المواد (22 وما بعدها) من اتفاقية فينا نجد أن هذه الاتفاقية خاصة بالبعثات الدبلوماسية، أي بالسفراء والدبلوماسيين في السفارات. ومؤدى ذلك أن جميع أفراد القوات الأمريكية وشركات الحماية لهم حصانة السفراء. وهذا يعني أنه إذا كان عدد أفراد هذه القوات (150) ألفاً فإن الاتفاقية تجعل كل منهم يحظى بمركز السفير، ويتمتع بالحصانات التالية:
1- حصانة جميع المباني والمنشآت والمساكن والسيارات والأفراد، من أي تفتيش أو إلقاء القبض على الأفراد الذين يرتكبون جرائم على أرض العراق.
2- حصانة الاتصالات والمراسلات والحقائب.
3- حق أي فرد من القوات الأمريكية كصاحب حصانة مثل السفير، في رفض المثول أمام القضاء العراقي عند ارتكابه جريمة، أو حتى رفض المثول كشاهد على جريمة.
ب. أما الاتفاقية الأمنية، فقد أضافت الحصانات والإعفاءات التالية:
1- إذا ارتكب أمريكي جريمة ضد عراقي، فإن أمريكا تنظر في أمر رفع الحصانة عنه تبعاً لملابسات الموضوع (12/2)، لكنها ليست ملزمة برفع الحصانة.
2- والأصل أن الأمريكي يحاكم في أمريكا إذا ارتكب جريمة ضد شخص مقيم في العراق، وسوف تبذل أمريكا جهودها لتسهيل حضور الضحية أو ذويه إلى أمريكا لمتابعة قضيته!! (12/4).
3- إذا ألقت السلطات العراقية القبض على أي شخص من القوات الأمريكية أو المتعاقدين معها بسبب ارتكابه جريمة، فعلى السلطات العراقية تسليمه فوراً إلى سلطات القوات الأمريكية (12/6).
4- إذا كانت الأضرار التي ألحقتها القوات الأمريكية بالمواطنين العراقيين ناتجة عن غير الأنشطة القتالية، تدفع السلطات الأمريكية تعويضاً عادلاً ومعقولاً عنها، ويكون ذلك خاضعاً للقوانين واللوائح الأمريكية (21/1). ويلاحظ هنا أن الأضرار التي تحدث للعراقيين، من قتل وتدمير وإيذاء هي بسبب الأنشطة القتالية التي تقوم بها القوات الأمريكية، وهذه لا تسأل عنها أمريكا، في حين أن الأضرار التي يتحدث عنها النص لا تنطبق إلا على المشاجرات الشخصية بين الأمريكيين والعراقيين التي تحدث في الملاهي والمقاهي والمطاعم وغيرها من الأماكن العامة أو أماكن الترفيه!!
5- أما الأضرار التي تلحق بالجانب الأمريكي والسلطات العراقية وقواتها بسبب تدمير الممتلكات أو الإصابات أو الوفاة، فإن الطرفين الأمريكي والعراقي يتنازلان عنها بموجب الاتفاقية الأمنية (21/1). هذا مع العلم أن النص يقابل بين الأضرار التي تقع بسبب تدمير ممتلكات العراقيين من ناحية وتدمير ممتلكات الأمريكيين من ناحية أخرى، في حين أن هذا التقابل غير قائم حقيقة، لأن ما تحدثه القوات الأمريكية من تدمير، يقع على أرض العراق، أما القوات العراقية، فهي لا تمارس أي نشاط على الأرض الأمريكية ليحدث التدمير هناك بسبب هذا النشاط.
وفي ضوء ما سبق، فإن الصلاحيات السيادية التي أعطيت للقوات الأمريكية داخل العراق والحصانات التي أعطيت لها، مضافة إلى التزامات العراق التي سبق ذكرها، نقول كل هذا لا يبقي للعراق أي سيادة، وسوف تصبح إرادة السلطات العراقية وإرادة العراق رهينة بيد أمريكا.
سادساً: انسحاب القوات الأمريكية من العراق:
أ. تنسحب القوات الأمريكية المقاتلة من جميع المدن والقرى لتستقر في القواعد المتفق عليها في تاريخ لا يتجاوز 30/6/، 2009 إلا إذا طلبت السلطات العراقية خلاف ذلك (المادة 26/ب).
ب. تنسحب القوات الأمريكية كلياً من العراق في تاريخ لا يتعدى نهاية عام 2011 (26/أ/1)، إلا إذا تم تمديد المدة.
ج. يبدأ العمل بالاتفاقية اعتباراً من 1/1/2009 (27/3).
د. مدة سريان الاتفاقية ثلاث سنوات (27/1)، ويجوز تعديلها بموافقة الطرفين (27/2).
ه. ولكل طرف طلب إنهاء الاتفاقية، على أن يسري هذا الإنهاء بعد سنة من تسلم الطرف الآخر إخطاراً خطياً بذلك (27/3).
* يجوز تمديد الاتفاقية بموافقة الطرفين (27/1).
ويلاحظ على موضوع الانسحاب الذي تنص عليه الاتفاقية، أنه يشكل اسما من غير مضمون حقيقي على الواقع. والسبب هو أنه من السهولة على القوات الأمريكية القابضة على إرادة العراق، توجيه أي حكومة عراقية تعيش في ظل الاحتلال، للطلب من أمريكا التمديد أو التجديد للوجود الأمريكي على النحو الذي ترغب به أمريكا.
6- آثار الاتفاقية:
إن ما سبق عرضه يعني ما يلي:
أ. إن أمريكا دولة مغتصبة للعراق، احتلتها بالقوة العسكرية خروجاً على الشرعية الدولية، ولأسباب ثبت زيفها وكذبها، وتهدف من الاتفاقية إلى إعطاء المشروعية للوجود الأمريكي في العراق.
ب. إن الاتفاقية ستنقل أمريكا للعراق عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، لتصادر سيادته، وتمكين أمريكا من استنزاف طاقات العراق وخيراته وثرواته.
ج. إن زرع أمريكا في العراق بما تمثله من هيمنة إمبراطورية، سوف يعصف، ليس بسيادة العراق وحده، وإنما بأية سيادة لدول الجوار أيضاً، بل ومنطقة الشرق الأوسط بكاملها، ما دام أن العراق سيصبح مركز انطلاق لمتابعة ما تعتبره أمريكا إرهاباً بكل مكان في المنطقة، والاعتداء على سوريا خير دليل. وأذكر الدول العربية هنا أنه سبق لأمريكا أن احتجت على إقامة قواعد سوفييتية طلبت كوبا بناءها على أرضها، وهدد جون كنيدي بضرب السفن السوفييتية إن وصلت إلى شواطئ كوبا، وكادت أن تنشب حرب عالمية ثالثة عام 1962 لولا قيام خروتشوف بسحب سفن بلاده. وكانت حجة أمريكا أن وجود قواعد سوفييتية في دولة مجاورة لها يشكل تهديداً لها ولأمنها. ولذلك، فمن حق الدول العربية الاستناد إلى ذات المنطق والحجة، والاحتجاج على وجود قواعد أمريكية في العراق.
د. إن وجود أمريكا في العراق سيمكنها من الزحف غير المرئي إلى داخل دول المنطقة لابتزازها، تحت ذريعة انطلاق الإرهاب منها، أو ذريعة انعدام الديمقراطية فيها، بما يستتبع ذلك إمكانية تغيير الأنظمة السياسية لإقامة شرق أوسط على الطريقة الأمريكية، خدمة لها ولإسرائيل.
ه. وعلى المستوى الأخلاقي، فلا مانع عند أمريكا، كما تدل التجارب، من شراء المواطنين في دول الجوار وتعبث بقيم السلوك في هذه الدول.
و. وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو قد مزقت الوطن العربي، فإن محصلة الاتفاقية الأمريكية العراقية، سوف تعيد الوطن العربي إلى عهود الوصاية والحماية، وسوف تزيد الوطن العربي ضعفاً وتمزقاً، عن طريق استخدام أمريكا لوجودها كعصا طويلة ضد دول الوطن العربي وإيران، من أجل تحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل.
7- تمنيات:
أتمنى على السلطات العراقية أن تتذكر:
أ. أن العراق الآن تحت الاحتلال وتحت عقوبات الفصل السابع، وبالتالي هو دولة منقوصة السيادة ومسلوبة الإرادة، ووفقاً للقانون الدولي وشرائع السماء والأرض، فإن الاتفاقية هي اتفاقية إذعان، وتوقيع العراق عليها باطل بطلاناً مطلقاً لانعدام إرادة التعاقد.
ب. أن سلطات العراق يمكن أن تعلن أن أول مطلب لها هو رفع عقوبات الفصل السابع وإنهاء الاحتلال الأمريكي، وذلك لانعدام أسباب العقوبات والاحتلال ابتداء، أو على الأقل لانعدام وجود هذه الأسباب في الوقت الحاضر. أما المقاومة العراقية الموجودة في الوقت الحاضر وتسميها أمريكا إرهاباً، فسببها الأساسي هو الوجود الأمريكي، وسوف تتلاشى تدريجياً بانسحابه. وعندما يصبح العراق حراً كامل السيادة والإرادة، فإنه سيكون أهلاً للتعاقد وفق مصالحه التي يقدرها بإرادته الحرة.
ج. إنني أذكر السلطات العراقية، أنه بعد أن تم انتخاب أوباما، فقد دخلت إدارة جورج بوش في مرحلة انعدام الوزن ومرض الموت، وأن المماطلة العراقية بالتوقيع سوف تؤجل فكرة الاتفاقية إلى حين تولي الإدارة الأمريكية الجديدة ولايتها، وعندها سيكون عليها الوفاء بالوعود التي أطلقها الرئيس المنتخب أثناء حملته الانتخابية، بالنسبة للإنسحاب من العراق، كما سيكون للانهيار المالي في أمريكا مفاعيله عند الإدارة الجديدة، من حيث أن نفقات القوات في العراق، سوف تزيد الحال سوءاً في أمريكا، وسيؤدي الضغط العراقي من ناحية وتجنب أمريكا لمزيد من الإنفاق من ناحية أخرى، إلى التعجيل في رحيل القوات الأمريكية عن العراق.
د. وأذكر الأبطال في المقاومة العراقية أن أحد الأسباب الأساسية للإنهيارات المالية في أمريكا هو نزيفها في العراق، كما أذكرهم بأن دفاعهم عن وطنهم مشروع، وأن موعد قطف ثمار جهادهم قد حان، وها هي أمريكا تترنح الآن أمام خسائرها في الأرواح والأموال في العراق، وانهياراتها المالية وعجوزات ميزانيتها أمام العالم أجمع. فمزيداً من المقاومة لشهرين فحسب، وعندها سيتحقق انتصار العراق وانتصار العالمين العربي والإسلامي على يد المقاومة العراقية.
و. ويكفي هنا أن أذكّر بالمقاومة الفرنسية للاحتلال النازي التي لا يزال العالم الحر يتغنى ببطولات أبنائها، وأن هذه المقاومة جعلت من حكومة فيشي التي عقدت اتفاقية مع الألمان لوقف التدمير في فرنسا، حكومة خائنة، وأن رئيس هذه الحكومة الجنرال بيتان، بطل فرنسا في الحرب العالمية الأولى، حكم عليه بالإعدام لأن توقيع اتفاقية مع المحتل خيانة.
إن الشعوب لا تنسى والتاريخ لا يرحم،
والمجد والخلود لكل شهيد دافع عن أمته ووطنه.
*أستاذ في القانون الدولي
العرب اليوم
شبكة البصرة
الاثنين 19 ذو القعدة 1429 / 17 تشرين الثاني 2008