مؤتمر الأجور الذي عقده الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين حديثاً، وما رافقه من تصريحات وإفصاحات، يدعو إلى إعادة النظر في العلاقة بين أطراف الإنتاج في بلادنا، ففي اعتقادي لازالت النظرة إلى العلاقة ومسارها التي ينظر إليها كل طرف قد تكون متناقضة مع الآخر، بل قد يكون البعض غير مؤمن بالحوار أساساً.
وبغض النظر عن الموقف من تحديد حد أدنى للأجور في البحرين من عدمه، وذلك موضوع يمكن العودة له مجدداً، إلا أنني اعتقد أن الدعوة إلى إيجاد مجلس أعلى للأجور هو شكل من أشكال الحوار الاجتماعي، الذي نتوق إلى تعزيزه بين أطراف الإنتاج، والذي يمكن من خلاله التوافق بين أطراف الإنتاج حول الأجر وماهيته ووظيفته الاجتماعية ودوره في تحقيق الرفاه الاجتماعي ومراعاة تحقيق الموازنة بين ربحية المنشأة وحق العامل في الحياة الكريمة.
ورغم تحفظنا على دعوة البعض إلى ترك موضوع الأجر ليكون خاضعاً للعرض والطلب، إلا أننا يمكن أن نتفق على جعل موضوع العرض والطلب هو المحدد الرئيس للأجر لو تبع ذلك الأمر آليات أخرى ومن ضمنها موضوع إنهاء إغراق البلاد بالعمالة الوافدة الرخيصة تحت مسميات شتى، وتشبث الكثير من الفاعلين في القطاع الخاص بأن تستمر ممارسات الكفالة والأجر وأوضاع العمالة الوافدة السكنية والصحية والاجتماعية في وضع الكفاف كما هو الحاصل الآن، رغبة في تقليل كلف الإنتاج كما يقال، إضافة إلى ضرورة الكف عن التخويف المستمر لأجهزة الحكومة، ممثلة في وزارة العمل أساسا بهروب الاستثمارات، إذا اتخذت بعض الإجراءات لتحسين شروط وظروف العمل، وتحسين عرض العمل من العمالة الوطنية.
لا أدري لم التلويح بالاتفاقيات الدولية في هذا الجانب فقط، قضية الأجر، رغم أن في الاتفاقيات الدولية ما يدعو إلى وضع حد أدنى للأجر، وكذلك ما تتعرض له دول المجلس من ضغوط دولية واسعة لإلغاء نظام الكفيل الذي يتشبث باستمراره دعاة رفض آليات تعديل وإصلاح الخلل في سوق العمل ومعالجة تشوهاته.
إلى متى يستمر بعض الفاعلين في القطاع الخاص في الضغط باتجاه استمرار حالة شوهاء في سوق العمل، بل ومتى سيتخذ القطاع الخاص مبادرات تراعي مستجدات ووضع سوق العمل، وضرورة تبني سياسات لرفع الكفاءة الإنتاجية، وعدم الاعتماد على العمالة الرخيصة كأساس تنافسي له مع الأسواق الأخرى. إذا لم يؤمن الفاعلون في القطاع الخاص بأن العمل لم يعد سلعة خاضعة للعرض والطلب فقط، وان العمل والأجر له وظيفة اجتماعية لتحقيق الرفاه الاجتماعي لأفراد المجتمع، وإذا لم يقتنع القائمون على القطاع الخاص بأن دور الدولة لم يعد تقديم مساعدات اجتماعية، وليس ما يطالب به العامل صدقات وعملاً خيرياً، وأن العامل طرف أساسي في الإنتاج، وان نظرية إطلاق اليد لاقتصاد السوق ورفض تدخل الدولة في طريقها إلى السقوط المريع، فلن تحقق الحكومة والمجتمع أي تقدم لمعالجة تشوهات سوق العمل القائم على عمالة رخيصة تقدم لها الدولة كل خدمات البنية التحتية والاجتماعية، بينما يقدم لها القطاع الخاص الكفاف.
جريدة الوقت البحرينية الثلثاء 13 ذو القعدة 1429 هـ – 11 نوفمبر 2008