* تنبيه مسبق قبل ان نفاجأ باتفاق امريكي إيراني على حسابنا
* النص الكامل للصفقة الكبرى التي عرضتها إيران على أمريكا
* لماذا حرص نجاد في امريكا على الإشادة بغزو واحتلال العراق؟
* ايران عرضت الاعتراف باسرائيل والضغط على حزب الله والمنظمات الفلسطينية
* يريدون تقاسم النفوذ في المنطقة مع امريكا
هذا امر معروف في السياسة.
بالنسبة لاي بلد او حكومة، حين يتعلق الامر بأزمة كبيرة متفجرة مفتوحة على كل الاحتمالات، يجب ان تدرس كل احتمالات المستقبل المطروحة، سواء كانت احتمالات قوية مرجحة، او ضعيفة، او حتى متبعدة بالنسبة للبعض. هذا بالطبع، كي لا تفاجا باحتمال لم تتوقعه او تضعه في حسبانك ولم تدرس مسبقا نتائجه وتبعاته.
واليوم، لدينا في المنطقة ازمة متفجرة مفتوحة لم يتم حسمها هي الازمة الايرانية والعلاقات الايرانية الامريكية.
هي ازمة لا تعني ايران وامريكا والغرب فقط، بل هي تعني بداهة وبنفس القدر كل دول المنطقة.
في وقت من الاوقات، كان الحديث عن حسم هذه الازمة بالحرب هو الحديث المطروح بالحاح.
اليوم، ولاسباب كثيرة، لم يعد حديث الحرب مطروحا بالحاح على الاقل في الوقت الحاضر. وفي امريكا، يستعد الامريكيون لاستقبال رئيس جديد قريبا لا احد يعرف على وجه اليقين كيف ستكون توجهاته وسياساته ازاء هذه الازمة وغيرها.
لكن الامر الملفت انه اذا كان حديث الحرب قد تراجع، فان حديثا آخر يتصاعد.. حديث عن ضرورة اجراء حوار بين امريكا وايران. هو حديث مطروح من الجانبيين معا، الجانب الايراني والجانب الامريكي في اوساط الساسة والمحللين.
الحديث لا يدور فقط عن حوار سياسي بين امريكا وايران، وانما عن احتمال ان يسفر هذا الحوار عن صفقة كبرى شاملة بين البلدين لتسوية الازمة ومختلف القضايا المعلقة المرتبطة بها. تفاصيل كثيرة مطروحة اليوم في شأن مثل هذه الصفقة، من الجانب الايراني والامريكي على حد سواء.
اسئلة كثيرة لا بد ان نطرحها هنا ونفكر فيها:
1- هل التوصل الى مثل هذه الصفقة الكبرى بين امريكا وايران ممكن اصلا؟ ما هي الاحتمالات المرجحة لذلك؟.
2- صفقة مثل هذه.. كيف يمكن ان تكون؟.. ما هي ابعادها وبنودها والجوانب التي يمكن ان تشملها بالضبط؟
3- اين يمكن ان تقع المصالح العربية في صفقة كهذه؟. هل ستخدم مصالحنا ام ستأتي على حسابنا؟.
4- ما الذي من المفترض ان تفعله الدول العربية، ودول الخليج العربية بوجه خاص ن ازاء احتمال كهذا؟.. أي موقف يجب اتخاذه بالضبط؟.
في مقال اليوم والمقال القادم، سنحاول ان نجيب عن هذه الاسئلة، وان نستكشف القضية من كافة جوانبها.
والهدف الاساسي هو ما اشرت اليه.. تنبيه الدول العربية الخليجية كي لا تفاجا بتطورات لا تتوقعها. بعبارة ادق، كي لا يفاجا العرب باتفاق امريكي ايراني على حسابناا وحساب مصالحنا.
***
ما قاله نجاد في امريكا
معروف ان الرئيس الايراني احمدي نجاد قام في اواخر سبتمبر الماضي بزيارة الى امريكا لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة والقاء خطاب.
في هذه الزيارة اجرى نجاد لقاءات صحفية ومقابلات كثيرة. لكن اهم هذه اللقاءات على الاطلاق، اللقاء المطول الذي عقده مع ممثلين لحركات السلام الامريكية، والذي تحدث فيه وتحاور مع المشاركين لساعات. هذا للقاء لم يحظ باهتمام اعلامي واسع على اهميته الكبرى.
في اللقاء تحدث نجاد مطولا عن قضايا كثيرة اثارها المشاركون وخصوصا قضايا حقوق الانسان في ايران ووضع المراة، وبالطبع القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي.. الخ الخ.
لكنني توقفت مطولا عند امرين كبيرين اثارهما نجاد في هذا اللقاء وتحدث عنهما، واعتبر ان ما قاله بهذا الخصوص هو اخطر ما قاله في زيارته لامريكا على الاطلاق.
وانقل هنا ما قاله الرئيس الايراني عن احد الاساتذة الامريكيين حضر هذا اللقاء وسجل ما دار فيه.
اولا: حرص نجاد في اللقاء على الاشادة بما اقدمت عليه امريكا من غزو واحتلال للعراق.
بحسب الاستاذ الذي سجل ما دار في اللقاء، قال ان احمدي نجاد اعرب، بسعادة ظاهرة، عن تأييده لغزو العراق. ونقل عن نجاد قوله:" اخيرا كان، قادة امريكا، قادرون على اتخاذ قرار جيد في حياتهم " مشيرا الى قرار غزو واحتلال العراق واسقاط نظام صدام حسين. لكن نجاد طالب بعد ذلك بانسحاب امريكا من العراق على اساس ان مهمتهم انتهت، ويجب ان يتركوا المنطقة لحالها.
مبدئيا، ليس في هذا الذي قاله نجاد عن تاييد الاحتلال، ثم المطالبة بعد ذلك بالانسحاب من جديد. فهذا يندرج في اطار الاستراتيجية الايرانية التي باتت معروفة الان. ايدت الغزو وساعدت امريكا، الى ان حققت اهدافها في العراق، واصبحت ترى الان ان من مصلحتها انسحاب القوات الامريكية.
لكن لما قاله نجاد مغزى آخر.
في تقديري انه بهذه الاشارة الى تاييد الاحتلال وتقدير ما فعلته امريكا، اراد بالاضافة الى تذكير الامريكيين بفضل ايران هنا، ان يعطي رسالة مؤداها انه رغم كل شئ هناك قاعدة للحوار والتوصل الى اتفاق مع امريكا. يؤكد هذا المعنى ما قاله نجاد بعد ذلك.
ثانيا: في اللقاء، سئل الرئيس نجاد هذا السؤال:
ماذا عن القناة الخلفية السرية التي تم عبرها تقديم اقتراح ايراني الى امريكا في عهد الرئيس خاتمي، بعقد صفقة شاملة كبرى لتسوية القضايا الاساسية المعلقة في العلاقات الامريكية الايرانية، تغطي القضايا النووية واسرائيل والارهاب.. الخ؟.
اجاب الرئيس الايراني: المشكلة الاساسية انه لم يكن هناك رد من الولايات المتحدة. وعندما اصبحت القناة الخلفية قناة امامية، اختفى كل شئ". يقصد انه عندما وصل عرض الصفقة بالفعل الى الادارة الامريكية ماتت القضية.
ثم قال نجاد بعد ذلك: الان ليست هناك حاجة الى قناة خلفية سرية. نحن مستعدون لاجراء حوار بناء مع الولايات المتحدة.
هذا الذي قاله الرئيس نجاد يعتبر امرا مثيرا حقا.
منذ نحو عامين اتابع ما ينشر عن هذه الصفقة الكبرى التي سبق وعرضتها ايران على امريكا.
واستطيع ان اؤكد ان هذه هي المرة الاولى التي يعترف بها مسئول ايراني على الاطلاق، ناهيك عن ان يكون هذا المسئول هو الرئيس نجاد نفسه، بوجود عرض هذه الصفقة.
فما هي اذن، قصة هذه الصفقة الكبرى التي عرضتها ايران على امريكا؟.
***
قصة الصفقة
عرض الصفقة هذا قدمته ايران الى امريكا في عام 2003، وتحديدا في شهر مايو. ومن واقع ما نشر من تقارير واخبار هذا العرض، فقد مضت قصته على النحو التالي.
في ذلك العام، كان تيم جيلمان سفير سويسرا في ايران. والسفارة السويسرية ترعى المصالح الامريكية في ظل عدم وجود سفارة امريكية. وكان صادق خرازي سفيرا لايران في فرنسا.
وحسب ارجح التقديرات، فان صادق خرازي بالتعاون مع السفير السويسري قاما معا بوضع الافكار الاساسية، او المسودة الاولية لهذا العرض.
بعد ذلك، تم عرض هذه المسودة على القيادات الايرانية الكبرى، وتحديدا على المرشد الاعلى خامنئي والرئيس الايراني محمد خاتمي، ووزير الخارجية كمال خرازي.
السفير السويسري قال بعد ذلك، انه اجرى مناقشات مطولة جدا مع صادق خرازي، وان خرازي اكد له انه راجع كل كلمة في هذه الوثيقة مع المرشد الاعلى خامنئي، ثم مع الرئيس خاتمي، ثم مع وزير الخارجية، وانهم جميعا وافقوا عليها، وتم التعامل مع الامر بسرية تامة. ولهذا لم يعرف أي احد بشأن هذه الوثيقة في ذلك الوقت خارج هذه الدائرة.
حين قام السفير السويسري بعد ذلك بتقديم هذا العرض الى الادارة الامريكية اكد في الخطاب الذي ارفقه به تأييد القيادات الايرانية له. وقال: انطباعي القوي هو ان هناك ارادة قوية من النظام في ايران لمعالجة المشكلة مع امريكا عبر هذه المبادرة التي تطرحها.
الذي حدث بعد ذلك انه، وعبر السفير السويسري، تم ارسال نسختين من العرض الايراني الى الادارة الامريكية.
تم ارسال نسخة بالفاكس الى وزارة الخارجية الامريكية بتاريخ 4 مايو 2003.
وفي نفس الوقت تقريبا، تم ارسال نسخة الى البيت الابيض عبر احد اعضاء الكونجرس وسطه السفير السويسري ليقوم بالمهمة. وتسلم النسخة كارل روف الذي كان في ذلك الوقت نائبا لرئيس هيئة موظفي البيت الابيض.
وكما بات معروفا الآن، تجاهلت الادارة الامريكية تماما هذا العرض الايراني، ولم تهتم بالرد او التعليق عليه باي شكل.
ولم يعرف الكثير عن هذا العرض الايراني اعلاميا الا بعد ذلك بنحو عامين.
وفي مطلع عام 2007، سئلت كوندليزا رايس عما اذا كانت قد اطلعت على هذا العرض الايراني في حينه، وكانت وقتها مستشار الامن القومي، قالت " انا لا اتذكر ما اذا كنت قد اطلعت على هذا الامر".
وبسبب التجاهل الامريكي التام للعرض، وحين تسربت اخباره وتفاصيله، ظهرت تقديرات كثيرة، واوحت بعض المصادر الايرانية انه لم يكن عرضا ايرانيا رسميا، وانما مجرد اقتراحات بادر بطرحها السفير السويسرى من تلقاء نفسه.
بالطبع، من السهل توقع الاسباب التي جعلت الادارة الامريكية تتجاهل العرض الايراني ولا توليه أي اهتمام في ذلك الوقت.
كان هذا في اعقاب الغزو الامريكي للعراق مباشرة. وكانت الادارة الامريكية آنئذ في ذروة عنجهيتها، واعتقادها بأنها حققت " نصرا" كبيرا في المنطقة، وبأن المقادير آلت اليها، ولم يكن بحسبانها انها سوف تواجه ازمة او مشكلة كبرى في العراق بعد الاحتلال.
ومن ثم، لم تشعر الادارة الامريكية ان هناك ما يدعوها الى قبول هذه الصفقة، او استرضاء ايران والتفاهم معها بشأن قضايا المنطقة عموما.
***
النص الكامل
هذه الوثيقة التي عرضت فيها ايران على الولايات المتحدة التوصل الى صفقة كبرى، لها اهمية بالغة اليوم، للاسباب التي ساشرحها بعد قليل.
ولهذا، يهمني ان اقدم هنا ترجمة كاملة لنصها. وهذه ترجمتي الخاصة بالطبع.
وهذا هو النص الكامل:
الاهداف الايرانية:
(تقبل الولايات المتحدة حوارا" على اساس الاحترام المتبادل"، وتوافق على ان تضع ايران الاهداف التالية على اجندة الحوار)
* وقف الاعمال العدائية ضد ايران من جانب امريكا: (التدخل في الشئون الداخلية، "محور الشر"، وقائمة الارهاب)
* الغاء كل العقوبات: العقوبات التجارية، الارصدة المجمدة، القيود على التجارة الدولية والمؤسسات المالية.
* العراق: حكومة ديمقراطية في العراق – تأييد المطالب الايرانية بالتعويضات – احترام المصالح الوطنية الايرانية في العراق والروابط الدينية مع النجف وكربلاء.
* حق الحصول على التكنولوجيا النووية والتكنولوجيا الحيوية والكيماوية.
* الاعتراف بمصالح ايران الامنية المشروعة في المنطقة.
* الارهاب: ملاحقة الارهابيين المعادين لايران، واولهم مجاهدي خلق وتاييد ترحيل اعضائها من العراق
اهداف امريكا:
(تقبل ايران الدخول في حوار " على اساس الاحترام المتبادل" وتوافق على ان تضع الولايات المتحدة الاهداف التالية على اجندة الحوار:
* اسلحة الدمار: الشفافية الامنية الكاملة والتأكد من ان ايران لن تقوم بتطوير او امتلاك اسلحة دمار شامل – التعاون الكامل وكالة الطاقة الدولية
* الارهاب: اتخاذ اجراءات حاسمة ضد أي ارهابيين " اولهم القاعدة" على الاراضي الايرانية- التعاون الكامل وتبادل كامل للمعلومات ذات الصلة.
* العراق: تنسيق النفوذ الايراني واستخدامه لدعم الاستقرار السياسي واقامة مؤسسات ديمقراطية وحكومة غير دينية.
* الشرق الاوسط:
1- وقف أي دعم مادي لجماعات المعارضة الفلسطينية (حماس والجهاد.. الخ) من ايران – ممارسة الضغط على هذه المنظمات لوقف اعمال العنف ضد المدنيين في حدود 1967.
2- اتخاذ اجراء من حزب الله كي يصبح مجرد منظمة سياسية داخل لبنان.
3- قبول اعلان الجامعة العربية في بيروت (المبادرة السعودية وحل الدولتين)
الخطوات:
1- اعلان عن اتفاق متبادل على الخطوات الاجرائية التالية:
11- اصدار بيانين متزامنين بهذا النص:
" لقد كنا دوما على استعداد لاجراء محادثات مباشرة ومسئولة مع الولايات المتحدة/ مع ايران، بنية حسنة وبهدف مناقشة، على اساس الاحترام المتبادل، مصالحنا المشتركة ومشاغلنا المتبادلة على اساس الحقائق الموضوعية، ولكننا اوضحنا دوما ان مثل هذه المحادثات يمكن ان تجري فقط اذا تم تحقيق تقدم حقيقي على الطريق لحل مشاغلنا"
111- عقد اجتماع مباشر على مستوى مناسب (في باريس على سبيل المثال) على اساس الاهداف السابقة المتفق عليها
أ – اتخاذ قرار بالخطوات المبدئية المتبادلة التالية:
* العراق: تشكيل مجموعة مشتركة – دعم ايراني فعال لاستقرار العراق – التزام امريكي بدعم فعال لمطالبة ايران بالتعويضات في اطار المفاوضات حول ديون العراق الخارجية.
* الارهاب: التزام امريكي بنزع سلاح مجاهدي خلق وطردهم من العراق واتخاذ اجراء ضد قيادات المنظمة – التزام ايراني باتخاذ اجراءات فعالة ضد اعضاء القاعدة في ايران – اتفاق على التعاون في تبادل المعلومات.
* اصدار بيان ايراني ب " بتاييد حل سلمي في الشرق الاوسط يشمل الاطراف المعنية"
* اصدار بيان امريكي بأن " ايران لا تنتمي الى محور الشر"
* قبول الولايات المتحدة بوقف القيود المفروضة ضد ايران في المؤسسات المالية والتجارية.
ب – انشاء ثلاث مجموعات عمل متوازية حول، نزع السلاح، الامن الاقليمي، والتعاون الاقتصادي. هدف هذه المجموعات هو التوصل الى اتفاق على ثلاثة خرائط طريق متزامنة. وفي مناقشات هذه المجموعات يقبل كل من الطرفين بان يضع الطرف الآخر اهدافه (انظر اعلاه) على اجندة النقاش:
1- نزع السلاح: خريطة طريق تجمع بين الاهداف المشتركة من جانب، والشفافية الكاملة من حيث الالتزامات الدولية والضمانات بعدم تطوير اسلحة الدمار الشامل مع حق الحصول على التكنولوجيا النووية من جانب آخر.
2- الارهاب والامن الاقليمي: خريطة طريق للاهداف المذكور سابقا فينما يتعلق بالشرق الاوسط والارهاب.
3- التعاون الاقتصادي: خريطة طريق لالغاء العقوبات المفروضة والغاء تجميد الارصدة
ج – اتفاق على جدول زمني للتطبيق.
د – اصدار بيان عام بعد الاجتماع الاول عن الاتفاقات التي تم التوصل اليها.
***
ما معنى هذا؟
تعمدت تقديم هذه الترجمة الكاملة للصفقة التي عرضتها ايران على امريكا لانها كما قلت لها اليوم اهمية كبيرة في تقديرى.
بالطبع، كما نعلم، حدثت تطورات كثيرة جدا في المنطقة وفي العالم، منذ تم تقديم هذا العرض في 2003، وحتى اليوم.
ومع هذا، فسوف تظل هذه الوثيقة في تقديرى، من حيث التوجهات العامة والمواقف والسياسات الايرانية التي تطرحها، هي الاساس اذا طرح بشكل جدي اجراء حوار ايراني امريكي للتوصل الى اتفاق او صفقة.
وبالفعل، كما سوف نرى في المقال القادم، فان المحللين الاستراتيجيين الامريكيين الذين يطرحون اليوم ضرورة اجراء حوار مع ايران وضرورة التوصل الى صفقة كبرى معها ويقدمون تصورات تفصيلية لمثل هذه الصفقة، يستلهمون هذه الوثيقة الايرانية.
ولنلاحظ ان الرئيس الايراني نجاد حين اشار الى هذه الوثيقة في اجتماعه مع ممثلي حركات السلام في امريكا، لم ينتقدها، ولم يقل مثلا ان الزمن قد تجاوزها او ان المواقف التي طرحت فيها لم تعد مطروحة. اكتفى فقط بانتقاد عدم اهتمام امريكا بها والرد عليها.
اذن ن ما معنى هذا؟
ماذا تعنى قراءة الوثيقة بالنسبة لنوع المواقف والسياسات التي تطرحها ايران في مقابل التوصل الى صفقة شاملة مع امريكا؟.
بالطبع، اي قارئ لنص الوثيقة كما قدمته، سوف يصل بسهولة الى الاجابة. لكن من المهم ان ننبه بصفة خاصة وباختصار الى جوانب ثلاثة:
اولا: ايران تقدم نفسها لامريكا كما لو كانت كل مقادير قضايا المنطقة بيدها. بعبارة اخرى، كما لو كان حل هذه القضايا على النحو الذي تريده امريكا هو فقط رهن بما تفعله ايران. ينطبق هذا على قضايا مثل الارهاب او الصراع العربي الاسرائيلي او الامن الاقليمي.
كان هذا في عام 2003، فما بالك اليوم بعد النفوذ الذي رسخته ايران في العراق وفي المنطقة.
ثانيا: ايران مستعدة من حيث المبدا ومن حيث التنفيذ العملي الى تغيير مواقفها وسياساته جذريا في مقابل التوصل الى صفقة مع امريكا، وبما يتناقض تماما مع المواقف والسياسات المعلنة.
لنلاحظ في الوثيقة كيف تعرض ايران الاعتراف بالمبادرة العربية، وهو ما يعني عمليا استعدادا للاعتراف باسرائيل. وكيف انها تعرض تحويل حزب الله الى مجرد منظمة سياسية، والى ممارسة الضغوط على منظمات المقاومة الفلسطينية كي توقف عملياتها.. الخ
ثالثا: والمقابل الذي تطلبه ايران من امريكا يعتبر كبيرا جدا في جوهره.
القضية هنا ليست مجرد تطبيع العلاقات مع امريكا ورفع العقوبات وحسم الازمة النووية في مقابل ضمانات. ايران تطالب عمليا باعتراف امريكي بنفوذها ودورها في المنطقة. بعبارة ادق هي تطالب عمليا بتقاسم النفوذ في المنطقة مع امريكا، وبتقنين هذا في اتفاقات رسمية، بكل ما يعنيه هذا وما يترتب عليه.
***
في المقال القادم بإذن الله، سوف نعرض بالمقابل للتصورات المطروحة على الساحة الامريكية اليوم للصفقة الكبرى مع ايران. ثم سنناقش هل احتمال التوصل الى صفقة كهذه ممكن اصلا؟ وماذا على دولنا العربية الخليجية خصوصا ان تفعل بالضبط.