نقول لهم ثور يقولون احلبوه – مثل عربي
يدور منذ فترة ليست بالقصيرة حديث متواتر عن مناهضة الاحتلال ودعم المقاومة العراقية من قبل بعض الذين شاركو في غزو العراق، دعما او اعدادا اودعاية، ويكتبون نقدا مفرحا للاحتلال، لكنهم بنفس الوقت لا يقطعون الصلة بالاحتلال او بعملاء الاحتلال! ويتجلى ذلك في دعوتهم، للمالكي، مثلا، للتعقل والتزام الخط الوطني ورفض الاحتلال وان ذلك ان حصل فسوف يدعمون حكومته! او من خلال مناهضة الاحتلال ولكن مع الاستمرار في معاداة القوة الرئيسية سياسيا وعسكريا في ارض العراق التي تقاتل امريكا بتواصل لم ينقطع منذ عام 1991! او انهم يتصرفون وكأنهم كانو على حق حينما ايدو الاحتلال واعدو له! فهل هذا الموقف سليم؟ وكيف نفسره؟
اعمدة الاحتلال هل فيهم امل؟
ان من يتصور ان اشخاصا مثل المالكي او الجعفري واضرابهما الذين كانو ومازالو الداعمين الرئيسيين للاحتلال، قد ارتكبو عملا ثانويا يمكن نسيانه او القفز من فوقه يضعون انفسهم في واحدة من خانتين: اما خانة السذاجة والجهل بطبيعة عمل الاحتلال، خصوصا عمل الولايات المتحدة الاستخباري، او انهم يعون ان المالكي واضرابه عملاء ومعادون للشعب العراقي وشاركو في اقذر عمل ضده وضد الكيان الوطني العراقي لكنهم، بصفتهم رجال الصفحة الثانية للاحتلال، عليهم ان لا يقطعو الصلة مع رجال الصفحة السابقة الذين بنيت قواعد الاحتلال على اكتافهم.
ان دعوة المالكي واضرابه للانحياز الى صف الشعب ورفض الاحتلال، لمجرد دخول ازمة العراق مرحلة الحسم وتصاعد التنافس الايراني – الامريكي حول العراق، هي دعوة ساذجة، ان افترضنا حسن النية، لان مثال المالكي يقدم لنا صورة واضحة جدا ومتبلورة جدا لعملاء مزدوجين لايران وامريكا، كانو ومازالو الاداة الرئيسية في غزو وتدمير العراق وابادة اكثر من مليون ونصف المليون عراقي فقط بعد الغزو، وهذا الدور اخرجهم بصورة جازمة ونهائية من اطار من يمكن ان يتوب ويتراجع عن موقفه لانه ببساطة خيانيا، اذا كان عراقيا، وهو تجسسيا، اذا كان من قام به يحمل جنسية اجنبية ايرانية او امريكية او بريطانية او غيرها. ان الغزو بما انطوى عليه من كوارث وجرائم بشعة لا يسمح لوطني معارض لنظام وطني ان يقوم بدور الخادم للاحتلال والمنفذ لاوامره على الاطلاق، وفي ضوء هذه الحقيقة فان العديد ممن ناهضو الحكم الوطني التقدمي في العراق قبل الاحتلال رفضو الانخراط في عملية الاحتلال ودعمها رغم احتفاظهم بمعاداة النظام الوطني، وهذا الصنف من المعارضين وطنيين ويجب مد اليد اليهم من اجل دحر الاحتلال.
في السياسة، كما في القانون، الجهل لا يعفي من المسؤولية، واولئك الذين يمتدحون المالكي الان بسبب اعتراضاته على الاتفاقية الامنية هو واتباع ايران، لاغراض تكتيكية، ويتوقعون منه ويطالبونه باتخاذ ( موقف وطني شجاع ) ضد الاحتلال ويعلنون انهم سيدعمونه اذا فعل ذلك، مع ان اعتراضه يقع ضمن مناورات وتنافس الاحتلالين الامريكي والايراني حول تقاسم العراق، يقعون في فخ التورط في موضوع اكبر منهم ، والدليل هو انهم يطالبون بحلب الثور! كما انه يكشف عن حقيقة ان نقدهم للاحتلال يقع في اطار محاولة تلميع وجوههم وتجنب العزلة والحرق الكامل، وانهم مازالو من اعوان الاحتلال ولكن بشكل مموه. واذا كان حتى الطفل يعرف ان البقرة هي التي تحلب وليس الثور لانه مخلوق هكذا، فان من يتوقعون من المالكي واضرابه من عملاء الاحتلال التحول نحو رفض الاحتلالين الامريكي والايراني هم ليسو اكثر من رجال الصفحة الثانية الذين اعدهم الاحتلال قبل وقوعه للعب دور مهم في مرحلة لاحقة للاحتلال، وبعد ان تستنفذ ادوار من خدمو الاحتلال في مراحله الاولى.
ليس سذاجة ان يتجاهل من يدعو المالكي لاتخاذ موقف وطني جذوره واعماله الاجرامية الخيانية، لانهم يعلمون بشكل دقيق ان امريكا ومخابراتها بالذات قد اعدت لكل مرحلة من مراحل الاحتلال رجالا مختلفين، لذلك زجت في المرحلة الاولى منه برجال عرفو لنا بوضوح وكانت تتوقع ان يكونو كبش فداء تحملهم مسؤولية جرائمها في العراق، لازالة بقع الدم العراقي من وجهها وسفحه على وجوه رجال المرحلة الاولى. عليكم ان تتسائلو الان اين ذهب احمد الجلبي واياد علاوي وعدنان الباججي وزعيم حزب الاخوان المسلمين في العراق محسن عبدالحميد، وغيرهم من الوجوه الاجرامية ، والذين كانو رجال المرحلة الاولى من الاحتلال؟ لقد طواهم النسيان وعادو الى حجومهم الحقيقية كجواسيس تافهين ومجرمين اصبحو يتحملون مسؤولية جرائم الاحتلال، وجاءت امريكا بالجعفري والمالكي لاكمال لعبة ترسيخ الاحتلال، ومن المؤكد ان الاحتلال سيأتي بغيرهما قريبا.
كل هذه التغييرات تقع في اطار ما يسمى ب ( تغيير الادوات ) التي تحترق وتحمل مسؤولية الجرائم التي ارتكبها هؤلاء بامر من الاحتلال ذاته. والان وامريكا تواجه مرحلة حاسمة من احتلالها للعراق فان المطلوب هو تقديم رجال المرحلة الجديدة والذين منعتهم من الاشتراك في تحمل اي مسؤولية في المرحلة الاولى بعد الاحتلال وكلفتهم بلعب دور المعارض للاحتلال ولكن من خارج العراق وبصورة سلمية! ان اولئك الذين يدعون المالكي لاتخاذ موقف وطني الان كمن يريد حلب الثور وهو عمل مستحيل، وهم يعرفون ان الثور لا يمكن حلبه، لكن من دربهم على الحديث ( هل تتذكرون ان المخابرات الامريكية قد ادخلت في التسعينيات بعض المنتمين لما كان يسمى ( معارضة عراقية ) في دورات لتعليمهم كيفية خوض النقاشات مع مناهضي الحصار على العراق اضافة لتعليمهم بعض اداب وقواعد السلوك المقبول؟ ) يريد الان منهم ازالة فكرة ان من خدم الاحتلال في المرحلة الاولى ليس جاسوسا ولا خائنا وانما يمكن ان يكون قد اجتهد واخطأ، وهكذا يهيئون الراي العام لفكرة انهم عندما ايدو الاحتلال فانهم اجتهدو واكان اجتهادهم كان خاطئا لذلك فانهم يمكن ان يقودو او يساهمو في قيادة المرحلة القادمة مرحلة استقلال العراق، رغم انهم لا يختلفون عن المالكي الا في توقيت خدمتهم للاحتلال.
معيار التمييز الحاسم
ربما يطرح البعض سؤالا منطقيا وهو: كيف نميز في اطار ما كان يسمى ( المعارضة العراقية ) بين الذين ينتقدون الاحتلال ويطالبونه بالرحيل تطبيقا لخطة تغيير الادوات، وبين الذين ينتقدون الاحتلال انطلاقا من موقف وطني لاشك فيه؟ هنا يجب ان نحدد بدقة بانه ليس كل من عارض النظام الوطني عميل، فهذه الفكرة اضافة لكونها خاطئة فانها ضارة بالمطلب الاول للمقاومة العراقية وهو ضرورة حشد كل العراقيين الذين يتطلعون للتحرير بغض النظر عن خلفياتهم ومواقفهم السابقة، وهو مطلب عقلاني وضروري جدا ولا غنى عنه لمن يريد تحرير للعراق لاتعقبه كوارث الاقتتال العراقي – العراقي مجددا. ان اقامة تحالف وطني عريض يضم كل مناهضي الاحتلال شرط حاسم ومسبق لاعادة بناء العراق على اسسس ديمقراطية شعبية سليمة تضمن مساهمة كل العراقيين في الحكم وغلق طريق التأمر بين القوى الوطنية بنفس الوقت.
واذا كان الله قد فتح باب التوبة فليس بمكنة مخلوق ايا كان ان يغلقه، وعلينا ان نشجع تراجع من ايد الاحتلال نتيجة تقدير خاطئ او انفعالات عاطفية، وان نقيم معه افضل العلاقات الممكنة وان ندمجه في اطار الحركة الوطنية العراقية الواسعة المناضلة من اجل تحرير الوطن العراقي العظيم من الاحتلالين الامريكي والايراني. ولكن ولكي لا نقع مجددا في خطأ التفكير بحسن نية علينا ان نحدد الشرط الحاسم للموقف الوطني في العراق، والذي يميز جذريا بين الوطني الحقيقي والوطني المزيف المعد للاختراق واثارة المشاكل، وهو معيار الالتزام الكامل وغير المشروط بستراتيجية المقاومة العراقية المسلحة، وبالاخص التقيد بقرار استلام المقاومة، بكافة فصائلها، للسلطة بعد التحرير ورفض اي فكرة لحكومة تكنوقراط او غير ذلك. وحينما نقول المقاومة المسلحة فاننا كذلك نؤكد بان من يرفض الاحتلال سياسيا يصبح جزء من المقاومة العراقية فقط اذا تبنى البرنامج السياسي والستراتيجية الاساسية للمقاومة المسلحة، القائمة على الانسحاب الكامل دون قيد او شرط وتسلم المقاومة للسلطة، اما اولئك الذين يضعون انفسهم كند للمقاومة ويطمعون باستلام السلطة بعد التحرير فهم اما واهمون يجهلون التاريخ وطبيعة العمل السياسي او انهم يريدون تخريب العمل الوطني التحرري.
من هنا فان اولئك الذين يقولون انهم ضد الاحتلال لكنهم يريدون حكومة مثل حكومة المالكي ولكنها تعلن رفضها للاحتلال، او ان تتشكل حكومة من سياسيين كانوا يعملون ضمن العناصر التي ارتبطت بالمخابرات الامريكية او البريطانية قبل الاحتلال لكنها الان تدعي انها ضد الاحتلال وتكتب ضده، نقول ان اولئك هم المخادعون الذين الذين يريدون القفز على المسرح في ظل الاحتلال ولخدمة متطلبات المرحلة الجديدة منه، وهم بلا دماء عراقية على وجوههم لخداع بعض الطيبين! لا مفر لكل من يريد تمييز نفسه عن العملاء من ان يكون جزء من العمل المقاوم، وهو شرط يتطلب اول ما يتطلب الالتزام التام بستراتيجية التحرير التي تبنتها المقاومة المسلحة وتعمل وفقا لها منذ بدء الغزو وحتى الان، وبدون ذلك فان الكلام عن مناهضة الاحتلال ليس سوى محاولة لتضليل الراي العام ومساعدة الاحتلال على تطبيق الصفحة الثانية من الاحتلال، وهي صفحة رفع الصوت الناقد للاحتلال ولكن الداعي الى الواقعية والعمل سياسيا مع الاحتلال لاجل تحرير العراق! انها سياسة حلب الثور. فهل سمعتم يوما ان من حلب الثور حصل على الحليب؟ وماذا سيخرج من الثور اذا حلب؟ بالتاكيد انه مادة مقززة جدا بدل الحليب، وهي نتاج عملية استمناء يقوم بها شخص اخر خدمة للثور!!!
26 / 10 / 2008