يوماً بعد آخر تبدي إيران عدم استعدادها الجاد لمسيرة السلام مع دول الخليج العربي، فبعد أكثر من خمس سنوات على غزو العراق تمادت تصرفات إيران في علاقتها مع أقطار الخليج العربي إلى الأسوأ، وأخذت تتصرف بهذه الكيفية، وبنشر عضلاتها في المنطقة، هذا الأمر الذي لم تستطع أن تباشر به مسبقاً، حيث وقفت القيادة الوطنية القومية للعراق ضد تلك المطامع الاستعمارية الإيرانية، وجندلت عناصرها في معارك القادسية الخالدة. وها هي اليوم إيران تستفرد بأقطار الخليج العربي تهديداً، فهي مرة تجدد مطالبتها بالبحرين وتدعي أن هناك من أبناء البحرين من يؤيد هذه المطلبية غير المشروعة، ومرة تهدد بتدمير ومحاصرة المضائق المائية الواقعة في مياه الخليج العربي، ومرة ثالثة ترفض عودة الجزر العربية الثلاث العائدة جغرافياً وتاريخياً وحقوقياً إلى دولة الإمارات العربية الشقيقة، وتقيم عليها ما تشاء من المنشآت بغية تكريس احتلالها لهذه الجزر العربية.
فبعد أكثر من خمسة وثلاثين عاماً من احتلالها للجزر العربية الثلاث ترفض إيران إعادة هذه الأراضي إلى أصحابها الحقيقيين، بل ترفض حتى النقاش في هذه المسألة، وتعتبر كل من يطلب ذلك.. أن هذا تدخلاً في الشئون الإيرانية الداخلية والخاصة بإيران فقط!! وقد سعى الكثير من الحكومات العربية والإسلامية لحل هذه المشكلة الاستعمارية إلا أن الحكومة الإيرانية رفضت ذلك، بل رفضت حتى المثول أمام المحكمة الدولية التي قبلت بها دولة الإمارات العربية المتحدة كطرف قانوني لحل هذه المعضلة الاستعمارية. لقد أرادت إيران من احتلال هذه الجزر العربية أن تحل محل بريطانيا التي سحبت بعضاً من قواتها العسكرية من المنطقة في عام 1970م و 1971م، لتعزيز مطامحها السياسية وأطماعها التوسعية، مستهدفة وجودها على الساحة الخليجية العربية ولو بقوة استخدام السلاح، وهذا ما حصل، فبعد استيلائها القسري على هذه الجزر وطرد من كان عليها، حاولت توسيع أطماعها في عدوانها على العراق ومحاولة اختراق دول الخليج العربي واحتلالها من بوابة العراق، إلا أن يقظة وإدراك القيادة الوطنية والقومية العراقية آنذاك أبادت هذه المطامع وأرجعت العناصر المعتدية إلى أراضيها تجرها أذيال الخيبة. إلا أنه بعد اشتراكها مع القوات الأمريكية العسكرية في غزو واحتلال العراق أصبح الأمر بالنسبة إليها منتهياً، وبذلك أصبحت الأقطار العربية أرضاً وشعباً لقمة سائغة في فم إيران، غير آبهة بما تسميه على سبيل المخادعة «الأخوة الإسلامية« أو «بحقوق الجار«، ناهيك عن التدخلات المستمرة في الشئون الوطنية والقومية للأقطار العربية في الخليج العربي وفي الوطن العربي. والآن، ما هو السلام الذي تريده إيران في هذه المنطقة؟ وما هي أهدافه؟ وكيف تترجم إيران هذا السلام؟ ولحساب من سيكون هذا السلام؟ أولاً- من يعتدي على أراضي الغير بالقوة ويرفض التخلي عنها لا يرغب في السلام بتاتاً؛ لكون هذا السلام معناه عودة الحق إلى أصحابه وتسليم الاراضي تلك إلى أصحابها، وهذا ما لا تريده إيران أبداً. وثانياً – ان من يطلب السلام مع الآخرين عليه أن يتخلى عن نهجه العدواني اللساني والعضلاتي، وهذا الأمر إيران مستمرة في ترجمته على مستوى المنطقة. وثالثاً – إن الزيارات المكوكية للرئيس الإيراني ولعناصر نظامه إلى المنطقة الخليجية والعربية ليست سعياً إلى السلام، فالحكومة الإيرانية لو كانت جادة فعلاً في تصفية الخلافات الإيرانية – العربية فعليها أولاً مغادرة جبهة العداء إلى جبهة الأصدقاء، وتخليها عن مطامعها الاستعمارية تجاه دول المنطقة ثانياً، لكون المطامع الاستعمارية ليست مرادفة للسلام. ورابعاً – إن السلام الإيراني مقرون بالمصالح الإيرانية ومطامعها في التراب الخليجي والعربي غير آبهة بالمصالح العربية الوطنية والقومية. وخامساً – لا يمكن لإيران أن تحقق السلام على حساب المصالح العربية، فالسلام له كفتان، على أن يتحقق مبدأ لا ضرر ولا ضرار، ولكن السلام الإيراني المعقوف يضر بأقطار الخليج العربي ولا يضر بإيران.. بل يحقق لها مزيد من الاستحقاقات «غير المستحقة لها« مقابل مزيد من التنازلات العربية «غير المشروعة«. وسادساً – لو كان لإيران أي عداء مع الولايات المتحدة الأمريكية فعليها بتصفية ذلك الصراع في طهران أو في واشنطن، وعدم نشر عضلاتها في عواصم المنطقة العربية لتصفية هذا النزاع الأمريكي – الإيراني (هذا لو افترضنا أن هناك نزاعاً في الحقيقة). وسابعاً – لو أن إيران فعلاً قادرة على استخدام ما لديها من قوة وقدرات عسكرية لمجابهة الولايات المتحدة الأمريكية فلماذا لا يكون أمر منازلاتها مع واشنطن حقيقياً وميدانياً ومن دون وسائط سياسية وبشرية «غير إيرانية«؟ أي ان على إيران أن تستخدم بشرها الإيراني في تلك المواجهة المزعومة، وعدم استخدام الأذرع الإيرانية الموجودة في بعض الأقطار العربية. إذاً، إيران لا تبحث عن السلام، فالمعتدي لا يعترف إلا بالسلام المعقوف، أي السلام الذي يحقق مصالحه، ويكرس أطماعه، ويعمق وجوده على أرض ليست هي بأرضه، وإيران تعرف أن دولة الإمارات العربية المتحدة لن تقف عاجزة عن استرداد حقها، وإن كانت مطالبات مجلس التعاون لدول الخليج العربي لإيران باسترجاع هذه الجزر العربية كالغيوم الخالية من المطر، وأن الأنظمة العربية وجامعتها خاضعة للجزارين الأمريكي والصهيوني. فلا يمكن للأنظمة العربية في هذه المرحلة استرجاع أي حق عربي بعد أن دفنت اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولا يمكن لها أن تدافع عن حق الشعب الفلسطيني والعراقي والأحوازي والإماراتي واللبناني بعد أن غيبت الاتفاقيات المنفردة «العربية – الصهيونية« والتحالفات المنفردة «الأمريكية ـ العربية« كلمة المصير العربي المشترك، وحولتها إلى مصير عربي منفرد، فها هي واشنطن وإيران والعدو الصهيوني ينفردون بالعراق تمزيقاً وتقتيلاً وتفجيراً. إن السلام الذي تريده إيران لا يهدف إلا لتحقيق مصالحها، ويعمل على تصدير أهداف ومبادئ نظامها السياسي إلى الخارج، فهي تنفق الأموال الطائلة جداً على الكثير من المنظمات في خارج إيران تحت مظلة «الجهاد« و«محاربة الاستكبار العالمي« وتأسيس «المنظمات المناوئة لأنظمة دولها« وفي فتح المعسكرات «لتدريب وإعداد فيالق التخريب«.