وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم بالأمس في جدة، أدانوا الاجراءات التي اتخذتها ايران في جزيرة أبوموسى الاماراتية بفتح مكتبين، ودعوا الى اغلاقهما واحترام سيادة الامارات على الجزر. هذا موقف بديهي كان لابد ان يعلنه مجلس التعاون الخليجي اتساقا مع موقفه المبدئي من قضية الجزر فالمجلس يعتبر ان هذه الجزر هي جزر إماراتية محتلة. وهو في كل مناسبة يدعو ايران الى ضرورة التجاوب مع الدعوات العربية لحل القضية، إما بالتفاوض المباشر وإما بإحالة القضية الى التحكيم الدولي. ومجلس التعاون حين يتخذ هذا الموقف، فهو يقوم بواجبه في الوقوف بجانب الامارات، وهو واجب تمليه ليس فقط اعتبارات التضامن مع الإمارات، وإنما أيضا اعتبارات الحق والعدل. وهو ليس موقف مجلس التعاون وحده، وانما هو موقف عربي عام عبرت عنه كل القمم العربية.
غير ان مجلس التعاون حين يتخذ هذا الموقف من قضية الجزر المحتلة ويصر على حلها، فإنه ينطلق أيضا من اعتبارات الحرص على العلاقات مع ايران، وعلى حل واحدة من أكبر الأزمات التي تعوق تطور هذه العلاقات، وتسهم في عدم الاستقرار في المنطقة. ولهذا، جاء رد الفعل الإيراني على الموقف الذي أعلنه وزراء خارجية مجلس التعاون غريبا، بل ومستفزا. إيران، وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أدانت موقف مجلس التعاون، واعتبرته «تدخلا في شئونها الداخلية«، وأصرت على اعتبار ان الجزر الثلاث «تابعة لإيران إلى الأبد«. وهذا الموقف الايراني ليس جديدا. فهي تعلنه في كل مرة تعلن دول مجلس التعاون أو الدول العربية موقفها من الجزر الإماراتية المحتلة. غير أن الذي يستدعي التوقف عنده فيما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الايرانية هو اتهامه دول مجلس التعاون بـ «اثارة المزاعم الواهية والبعيدة عن الحقائق التاريخية للمنطقة والتي تؤدي الى صرف أذهان الرأي العام عن القضايا الهامة من المنطقة«. هذا الكلام ينطوي على استخفاف ليس فقط بحكومات مجلس التعاون ومواقفها، وإنما بالشعوب العربية نفسها. الموقف العربي من قضية الجزر ليس مبنيا على أوهام، بل مبني على حقائق تاريخية وحقوق ثابتة. وإذا لم يكن احتلال جزر عربية هي واحدة من «القضايا الهامة للمنطقة«، فماذا تكون إذن؟ والأكثر استفزازا من هذا، ان المتحدث الايراني دعا دول المنطقة الى «اعتماد الواقعية« والى «اتخاذ مواقف وخطوات تساعد على التقارب والتضامن في المنطقة والعالم الاسلامي«. «الواقعية« التي تريدها ايران على هذا النحو، ليس لها سوى معنى واحد.. ان على دول المنطقة ان تقبل الاحتلال الايراني للجزر، وان ترضخ للمنطق الايراني بالكامل وتنسى هذه القضية تماما. وهذا في عرف ايران «يساعد على التقارب«. أي ان ايران بعبارة أخرى، تريد تقاربا وتضامنا يقوم على قاعدة الرضوخ للمواقف الايرانية، حتى لو كان الأمر يتعلق بأرض عربية محتلة. لا يمكن أن يكون هذا الموقف الايراني علامة على رغبة حقيقية في تطوير العلاقات، أو في إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة. والغريب أن يجيء هذا الموقف الايراني في نفس الوقت الذي تحدثت فيه قطر عن اقتراح بفتح حوار مباشر بين دول مجلس التعاون وايران. والحوار لا شك مطلوب ومهم. ولكن كيف يمكن لحوار أن يبدأ، وكيف يمكن ان يكون مثمرا أو يأتي بأي نتائج ايجابية، مع مثل هذه المواقف الايرانية؟. كيف يمكن لحوار ان يبدأ أو ينجح إذا كانت ايران مصرة على ألا تقدم أي بادرة تدل على تفهمها لمواقف دول وشعوب المنطقة؟
أخبار الخليج
العدد 11122 الخميس 4 رمضان 1429 هـ 4 سبتمبر 2008 م
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.