هذه ظاهرة اصبحت متكررة. اعني هؤلاء المسئولين الامريكيين الذين يتركون مناصبهم، ثم يتحولون فجأة الى نقاد للسياسة الامريكية، ويكشفون عن نقائصها، ويحاولون التملص من جرائمها في العالم عموما، وضد دولنا العربية خصوصا. حدث هذا مرارا وتكرارا. مثلا، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت. حين كانت وزيرة للخارجية كانت مواقفها من العرب عموما عنصرية قبيحة واستعمارية بلا حدود. يكفي ان نشير فقط الى مقولتها الشهيرة التي يعرفها الجميع. حين سئلت في احد المرات، هل مقتل نصف مليون طفل عراقي بسبب العقوبات هو ثمن مقبول. اجابت بلا تردد : نعم. أي ان مقتل نصف مليون طفل عراقي هو ثمن مقبول كي تحقق امريكا ما تريده في العراق، وكي تستمر العقوبات.
بعد ان غادرت منصبها حاولت ان تتملص من مواقفها، وقالت عن هذا التصريح بالذات في ندوة في مدينة عربية انها لم تكن تقصد، وما شابه ذلك. واصبحت من الحين الى الآخر تنتقد سياسة بوش في العراق. ومثلا، وزير الخارجية السابق كولن باول. فضيحته الشهيرة معروفة حين وقف امام العالم كله في مجلس الامن الدولي وقدم عرضا لنحو ساعتين عما اكد انها ادلة لامتلاك العراق أسلحة دمار وذلك كي يبرر العدوان. انتظر باول حتى ترك منصبه كي يقول انه تم خداعه، واعتذر عما قاله. نقول هذا الكلام بمناسبة ما يقوله آخر المسئولين الامريكيين الذين ساروا على هذا النهج. نعني سكوت ماكميلان المتحدث السابق باسم بوش والبيت الابيض. فقد اصدر كتابا جديدا يقول فيه ان حرب العراق لم تكن ضرورية، وان قرار الغزو كان خطأ استراتيجيا كبيرا. ولم يكتف بهذا، بل هو يتهم بوش صراحة بأنه خدع الشعب الامريكي عن عمد لتمرير الحرب. طبعا، من الوارد جدا ان أي انسان، سواء كان مسئولا او غير مسئول، من الممكن ان يغير قناعاته ومواقفه بشكل عام ويتبنى مواقف جديدة. وليس في هذا بحد ذاته ما يعيب. كما انه ليس بالامر السيئ، حين يكتشف مسئول الحقيقة، ان يعلنها. لكن السؤال في حالة هؤلاء المسئولين الامريكيين السابقين هو التالي: هل هؤلاء المسئولين حين كانوا في السلطة، كانوا حقا مخدوعين مغرر بهم، ولم يكتشفوا الحقيقة الا لاحقا حين تركوا مواقع السلطة؟ الاجابة هي على وجه اليقين: لا. خذ حالة غزو واحتلال العراق. المعلومات التي كشفت عنها الجهات الامريكية في الفترة الماضية كلها تؤكد ان كل المسئولين الامريكيين كانوا يعرفون الحقيقة جيدا. كانوا يعلمون ان العراق لا يمتلك أي اسلحة دمار. أي انهم جميعا حين كانوا في السلطة كانوا يكذبون ويعرفون انهم يضللون الشعب الامريكي والعالم عن عمد. المخابرات الامريكية نفسها اكدت انها في تقاريرها قبل الغزو كانت تؤكد لبوش واركان ادارته انه لا توجد أي اسلحة دمار في العراق. اذن، كلهم شركاء في الجريمة مع بوش. ولهذا، نقول انه على الرغم من ان المواقف التي يعبر عنها امثال هؤلاء بعد تركهم المنصب، والانتقادات التي يوجهونها لبوش، تبدو جيدة وايجابية، لكن حقيقة الامر انهم ليسوا جديرين بأي احترام. حقيقة الامر انهم نصابون وكذابون ومخادعون وسخفاء جدا.
نشر في : أخبار الخليج