بسم الله الرحمن
حضرات الأخوة الأعزاء
في البداية أتوجه بالشكر والتقدير للسيد عادل علي الرويعي على هذه الدعوة الكريمة، وأن أحي الدور الذي يلعبه مجلسه الكريم في تعزيز التواصل وروح الأخوة والمحبة بين أبناء الوطن، ونشر الوعي الاجتماعي والثقافي في بلدنا العزيز، ويسرني أن أكون بينكم اليوم هنا لنتحاور معا في واحدة من القضايا الهامة والحساسة التي باتت تطال كل فرد وكل عائلة في البحرين، وهي ظاهرة ارتفاع الأسعار. ونظرا لمحدودية الوقت، ولإفساح مجال اكبر للحوار، فأنني سوف أحاول التركيز في طرح محاور حديثي وهي ست محاور رئيسية.
المحور الأول: أرقام عن التضخم والغلاء في البحرين:
وفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للمعلومات، وهو الجهة المسئولة عن إصدار البيانات الخاصة بالتضخم والأسعار، فقد بلغ معدل التضخم خلال شهر نوفمبر 2007 حوالي 8.4% بالمقارنة مع نوفمبر العام الماضي. وقد استتبع ارتفاع الأسعار عالميا ارتفاع أسعار السلع المحلية بالتبعية وهي الحقيقة التي أشار إليها ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك لشهر نوفمبر 2007 بنسبة 4,8 في المائة مقارنة بشهر نوفمبر من العام السابق بينما ارتفع خلال شهري يناير 0.6% مقارنة بشهر ديسمبر 2007.
ويحتسب الجهاز المركزي للمعلومات مؤشر التضخم استنادا إلى 12 مجموعة من السلع الاستهلاكية نذكر منها أولا مجموعة الطعام والشراب والتبغ وثانيا مجموعة الملابس والأحذية وثالثا مجوعة المسكن وملحقاته عن كهرباء وماء وغاز ووقود ورابعا التجهيزات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية للمنازل وخامسا الخدمات الطبية والرعاية الصحية وسادسا النقل والخدمات المتصلة به وسابعا الاتصالات وثامنا سلع وخدمات الترفيه والثقافة والتسلية وتاسعا خدمات التعليم.
ويستخدم الجهاز العام 2006 كسنة أساس للمؤشر ويقيس معدل التضخم السنوي في كل شهر عند مستوى أساس يبلغ 100 نقطة لحين الانتهاء من مرجحات جديدة لاحتساب الأسعار في السنوات السابقة.
وبنظرة عامة ندرك جميعها أن المجاميع الرئيسية الثلاث من السلع الاستهلاكية التي تهم المواطن اكبر هي مجموعة المواد الغذائية وقدر ارتفعت بنسبة 9.3% خلال شهر نوفمبر والإسكان 7.34% والملابس 8.2%.
الأوزان النسبية غير محددة كما أن سنة الأساس غير دقيقة والأهم أن الزيادات المحلية لا تتناسب مع الزيادات العالمية كما سوف نشرح لاحقا.
المحور الثاني: ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية:
الحقيقة الأكيدة أن ظاهرة ارتفاع الأسعار ليست محلية وإنما هي ظاهرة عالمية تكتوي بنيرانها غالبية شعوب العالم حتى في الدول المتقدمة منها، إذ تؤكد الأرقام والحقائق أن هناك ارتفاعا في الأسعار العالمية للعديد من السلع بخاصة السلع الغذائية وذلك أما لنقص المعروض منها بسبب التغييرات المناخية المتلاحقة التي أدت إلى التأثير سلبا على معظم المحاصيل الزراعية في الدول المنتجة أو لزيادة الطلب عليها نظرا للزيادات المتتالية في أعداد السكان وتغير نمط الحياة والأنماط الاستهلاكية بشكل عام أو لارتفاع تكاليف الإنتاج الناجمة عن ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، حيث تشير البيانات الصادرة عن البنك الدولي إلى أن نسبة الارتفاع في أسعار سلعة مثل الأرز بلغت نحو 15 في المائة في الربع الثاني من عام 2007 مقارنة بالربع الرابع من عام 2005 ونسبة الارتفاع في سعر السكر بلغت نحو 7،2 في المائة والقمح 4،65 في المائة والشاي 8،10 في المائة والقهوة 4،2 في المائة والزيوت النباتية نحو 30 في المائة خلال الفترة نفسها. كما أن متطلبات منظمة التجارة العالمية تقضي بوقف دعم المنتجات الزراعية المعدة للتصدير من بلد المنشأ مما أسهم هو الأخر في زيادة أسعار هذه النوعية من السلع على مستوى العالم.
المحور الثالث: أسباب ارتفاع الأسعار في البحرين:
لو دققنا في نسب الزيادات في أسعار المواد الغذائية عالميا، وقارناها بالزيادات اتي حدثت في البحرين فأن أغلب التقديرات تذهب أن نسبة زيادات تلك المواد في البحرين هي ضعفي تلك النسب على الأقل، أي أننا نقدر نسب الزيادات في المتوسط 30% في أسعار المواد الغذائية وربما تصل إلى 40% بالنسبة لبعض المواد مثل بعض أنواع الزيوت والأرز. والسؤال لماذا الزيادات السعرية في البحرين هي أضعاف الزيادات الجارية عالميا، ولماذا المواطن يحس بعبء تلك الزيادات بصورة اكبر مما يشعره بقية مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.
نحن نحدد هنا ست عوامل رئيسية لهذه الظاهرة:
1. السياسات الاقتصادية والنقدية:
اقتصاد البحرين يعتمد بصورة رئيسية على النفط كما نعرف، و لا توجد قاعدة اقتصادية منوعة ومنتجة، وحوالي 90 إلى 95% من السلع الاستهلاكية سواء الغذائية أو المنزلية أو الملابس أو غيرها جميعها مستوردة من الخارج. وهذا يعني أن كافة احتياجات المواطن في البحرين معرضة لتقلبات العرض والطلب العالميين وارتفاع الأسعار وكلف الشحن والمواصلات والتضخم العالمي وانخفاض أسعار الفائدة وغيرها من العوامل.
وثانيا أن نمط الأنشطة الاقتصادية السائد لا يخلق وظائف مناسبة للبحرينيين وبرواتب مجزية بقدر ما يخلق وظائف موجهة للعمالة الأجنبية. ففي عام 2007 أضيفت نحو 27 ألف وظيفة في القطاع الخاص ذهبت 26 أف وظيفة منها أي 96% منها للعمالة الأجنبية وألف وظيفة فقط للبحرينيين.
وثالثا وهو الأهم بالنسبة لارتفاع الأسعار هو ربط الدينار بالدولار الأمريكي بسعر ثابت، وهذا يعني أن تحرك قيمة الدينار أمام العملات الأخرى هو نفس تحرك قيمة الدولار الأمريكي ارتفاعا وهبوطا، وهذا يعني أيضا أن المستوردين في مملكة البحرين من الدول الأجنبية الرئيسية مثل أوروبا واليابان والصين واستراليا يقومون بدفع قيمة وارداتهم بالدولار الأمريكي. وعندما تنخفض قيمة الدولار الأمريكي أمام عملات هذه الدول، فأن ذلك يعني أن أمامهم خيارين أما أن يستوردوا كميات أقل لدفع نفس القيمة من الدولارات أو أن يدفعوا قيمة أكبر من الدولارات لنفس الكمية من الواردات. وفي كلتا الحالتين سوف ترتفع قيمة الوحدة الواحدة من الواردات، ومن ثم يقوم المستورد بإضافة ارتفاع التكلفة على السعر النهائي للمنتج الذي يشتري به المستهلك، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه بصورة مبسطة التضخم أو ارتفاع الأسعار المستورد من الخارج.
وقد خسر الدولار بما يتراوح ما بين 10 إلى 20% من قيمته خلال العامين الماضيين أمام عملات رئيسية مثل الين الياباني والعملات الآسيوية واليورو والجنيه الإسترليني والدولار الاسترالي. ولتوضيح الصورة اكبر نذكر ان البحرين استوردت خلال العام 2006 ما قيمته 517 مليون دينار من الدول الآسيوية وهذا يعني أن 10% على الأقل من هذا المبلغ أي نحو 52 مليون دينار هو بسبب انخفاض قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية على فرض بقاء حجم الواردات نفسها، وهذا المبلغ يضاف في هيئة زيادة في الأسعار على المواطنين ونفس الحديث ينطبق على اليابان التي استوردت منها البحرين 181 مليون دينار والدولار الأوروبية التي استوردنا منها نحو 321 مليون دينار وبريطانيا التي استوردنا منها 71 مليون دينار واستراليا التي نستورد منها اللحوم بقيمة 125 مليون دينار.
ويزداد الأمر سوء بالنسبة للمواطن البحريني العادي في ظل الركود الاقتصادي الأمريكي الحالي حيث يعمد الاحتياطي الفيدرالي وهو البنك المركزي الأمريكي إلى تخفيض سعر الفائدة الأمريكية من أجل تحفيز الاقتصاد الأمريكي على الانتعاش من خلال زيادة الطلب على الخدمات والسلع، وبالتالي تساهم في رفع معدلات التضخم والأجور. كما أنها تسهم في رفع أسعار الأسهم والعقارات. كذلك تؤدي إلى خفض قيمة الصادرات ورفع قيمة الواردات. ونتيجة لارتباط الدينار بالدولار يضطر لبنك المركزي في البحرين لممارسة نفس السياسة وخفض سعر الفائدة البحرينية مع ان هذا التخفيض يلحق الضرر البالغ بالاقتصاد البحريني في الوقت الحاضر حيث تؤدي إلى خفض قيمة الدينار البحريني وضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد وبالتالي زيادة الطلب على السلع والخدمات وكلاهما يؤديان إلى المزيد من التضخم.
وقد أجرينا بعض التقديرات الأولية لخسارة دول الخليج من هذه السياسة. فإذا ما قدرت الصادرات الخليجية بنحو 540 مليار دولار عام 2007 (معهد التمويل الدولي يقدر الصادرات النفطية الخليجية فقط بنحو 381 مليار دولار عام 2007) والواردات الخليجية بنحو 350 مليار دولار، وعلى افتراض انخفاض قيمة الدولار الأمريكي بنحو 10% عام 2007 أمام العملات الرئيسية وعلى افتراض أيضا أن ثلثي الصادرات الواردات الخليجية تتم مع غير الولايات المتحدة الأمريكية، فان ذلك يعني أن الدول الخليجية تكبدت نجو 37 مليار دولار خسائر على هيئة انخفاض قيمة صادراتها الفعلية و 23 مليار دولار على هيئة ارتفاع قيمة وراداتها الفعلية أي 60 مليار دولار عام 2007 من جراء ارتباط قيمة عملاتها الدولار الأمريكي.
3. الإنفاق الحكومي والخاص:
نتيجة ارتفاع الإيرادات النفطية للحكومة، فقد زاد الإنفاق الحكومي بشكل كبير، فنلاحظ ان إجمالي المصروفات الحكومية ارتفعت 269 مليون دينار أي بنسبة 12% عام 2006 ليصل حجمها مليار و 558 مليون دينار، وفي حين استقرت المصروفات المتكررة والتي تتضمن أساسا الرواتب شبه ثابتة عند مليار و100 مليون زادت ميزانية المشاريع بنسبة 72% لتصل 457 مليون دينار. ان زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع ولكونه يذهب لتشييد المدارس والطرق والمستشفيات والكهرباء والماء والمواصلات فأنه يخلق طلب قوي على كافة المواد في السوق بما في ذلك مواد البناء والأراضي والعقارات والكثير من السلع الاستهلاكية وأيضا مما يؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعارها.
بالنسبة للقطاع الخاص، فأنه ونتيجة أيضا للانتعاش الاقتصادي تزداد مداخيله مثلما يزداد إنفاقه في الاقتصاد. وعلى الرغم من قسم كبير من استثمارات القطاع الخاص تذهب للاستثمار العقاري والعمراني إلا أن الغالبية الساحقة من مشاريع القطاع الخاص الإسكانية موجهة للطبقة المرفهة والغنية وليس لدووي الدخل المحدود أو حتى المتوسط، فمعظم الفلل التي نسمع عن عرضها للبيع لا تقل قيمتها عن 150 ألف دينار. ومثل هذه السياسة يؤدي إلى ارتفاع قيمة الأراضي والعقارات وبنفس الوقت تصعب أمام المواطن الحالي الحصول على احتياجاته السكنية بأسعار مناسبة بل تجعلها شبه مستحيلة. وقب التوزيعات الأخيرة قدرت عدد طلبات الإسكان على قائمة الانتظار بنوح 83 ألف طلب.
4. ضعف رواتب البحرينيين:
بلغ مجموعة العمالة في البحرين 379 ألف بنهاية عام 2007 منهم 102 بحرينيين أي ما نسبته 27% فقط من الأيدي العاملة منهم 67 ألف في القطاع الخاص ويمثلون 10% من العمالة في القطاع الخاص و 35 ألف في القطاع العام. ويبلغ متوسط الأجور في القطاع الخاص 232 دينار وفي القطاع العام 774 دينار. وعلى الرغم من أن متوسط الأجور للبحرينيين في القطاع الخاص بلغ 513 دينار إلا أن ذلك لا يعكس حقيقة أخرى أن نحو 60% من البحرينيين في القطاع الخاص تقل رواتبها تتراوح رواتبهم ما بين 200 إلى 400 دينار. وهذه الأرقام تفسر لنا لماذا ارتفاع الأسعار في بقية دول المجلس يمكن مواجهتها من قبل المواطن بينما لا يستطيع المواطن البحريني ذلك بسبب انخفاض دخله. وجاءت الزيادة الأخيرة في الرواتب أقل بكثير من احتياجات المواطنين.
5. الدعم الحكومي:
قدمت الحكومة الدعم لثلاث سلع غذائية هي الطحين واللحوم والدواجن بواقع 12 مليون دينار تقريبا لسنة 2006 وما يقرب من 17 مليون دينار في عام 2007. وذكر انه ربما يرتفع هذا الدعم إلى 30 مليون دينار عام 2008، باستثناء المحروقات والكهرباء والماء التي تتراوح المبالغ المرصودة لدعمها ما بين 160 و 180 مليون دينار سنويا بناء على الأسعار العالمية للنفط بمعنى أن مجموع الدعم الحكومي السنوي يبلغ حوالي 200 مليون دينار. وواضح أن هذا المبلغ من الدعم كبير، إلا أن المشكلة تمكن في طريقة الدعم، فالدعم المباشر لهذه السلع يستفيد منها المقتدر وغير المقتدر، كما يستفيد منه الفقير والغني، كما أن القسم الأعظم من تلك الإعانات التي تذهب للمحروقات والكهرباء تستفيد منها شركات كبرى ورجال أعمال ومؤسسات تمارس هي بدورها سياسة رفع الأسعار على المواطنين. ولربما تساهم ال40 مليون دينار الأخيرة في التخفيف نوعا ما من كاهل المواطنين إلا أنها تبقى حلول مؤقتة وقاصرة عن تلبية الأعباء المتزايدة للمواطنين.
6. الرقابة على الأسعار:
لا نستطيع أن نقلل من جهود وزارة الصناعة والتجارة في محاولة الرقابة الأسعار والحد من التلاعب فيها. وحماية المواطن من الغش والتلاعب. وتقوم الوزارة بإعداد التقارير والدراسات الدورية وعمليات المسح المستمرة للأسواق لاستقراء أوضاع السوق ومعرفة التغيرات الطارئة عليه إضافة إلى جمع أسعار ما يزيد على 1500 سلعة بشكل شهري ليتم تحليلها وفق آلية علمية مدروسة. كما شكلت لجنة لدراسة الأسعار برئاسة وزير الصناعة والتجارة. ومع ذلك، نحن مقتنعون تماما ان هناك فئات من التجار تستغل الزيادات الراهنة كذريعة أولا لرفع أسعار كل شيء دون استثناء وثانيا للمبالغة في نسب الزيادة لتحقيق الأرباح السريعة والفاحشة على حساب المواطن. وتبقى أجهزة الوزارة قاصرة عن ملاحقة ومراقبة كافة الأساليب التي يتبعها التجار ومحاسبتهم على وسائل الغش والاحتيال. فنحن نشعر بالفعل هناك مبالغة في ارتفاع أسعار الفواكه والخضروات والأسماك ولكيف كيف يتم الرقابة على هذا الألاعيب ومحاربتها خصوصا في ظل أجهزة الرقابة الشعبية وضعف إمكانيات جمعية حماية المستهلك، وعد رغبة الحكومة في إشراكها في الرقابة على الأسعار.
7. العادات الاستهلاكية:
الأمر المهم الذي ينبغي أن يدركه كل مواطن أنه غدا مستهلكا عالميا وليس مستهلكا محليا نظرا لاعتماده على الاستيراد من السوق العالمية لسد احتياجاته، إضافة إلى التبعات والالتزامات التي فرضتها الاتفاقيات الدولية التي جعلت من العالم سوقا واحدة لتبادل السلع والخدمات بخلاف وضعها السابق كأسواق متناثرة بين أطراف العالم لا تربطها قوانين وأنظمة مشتركة تؤثر على بعضها بعضا. وللأسف فأن بعض العادات الشرائية والاستهلاكية للمواطنين لا تزال تشجع بصورة غير مباشرة على زيادة الأسعار مثل التركيز على شراء سلعة معنية والتخزين المبالغ فيه، كذلك الشراء العشوائي أو الشراء بكميات مبالغ فيها أي الإسراف في الشراء. ووفقا لبعض المصادر فقد احتلت المرتبة الأولى من حيث كميات القمامة بالنسبة إلى دول المنطقة قياسا بمساحاتها وتعداد سكانها.
المحور الرابع: آثار وتداعيات ارتفاع الأسعار في البحرين:
إن ظاهرة ارتفاع أسعار لا يقتصر تأثيرها السلبي على المواطن العادي بل تطال الاقتصاد الوطني والاستثمارات وغيرها، مما يخلق سلسلة من التأثيرات المتبادلة التي تصب كلها سلبا عل المواطن. فعلى سبيل المثال يؤدي ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي تخفيض مستوى المنافسة لدى الشركات في سوق مفتوح يشهد منافسة شرسة، وهذا قد يؤدي إلى تسريح الأيدي العاملة مثلما حصل في مصانع الملابس. كذلك خلق الاضطرابات الاجتماعية وتزايد الضغوط العمالية المطالبة برفع الأجور لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة . علاوة على عرقلة مشاريع التنمية والخطط الاقتصادية وتفشي ظاهرة البطالة والفساد الإداري والمالي.
كما أن تفشي ظاهرة التضخم وعدم القدرة على الحد من آثارها السلبية من شأنها أن يخيف المستثمرين وهربهم باستثماراتهم إلى مناطق أكثر استقرارًا وبالتالي خسارة رؤوس أموال وتقليل حجم الاستثمار في الاقتصاد مما يخفض معدل النمو وخلق الوظائف. كما قد يساهم التضخم في هجرة أصحاب الكفاءات والقدرات العلمية والمهنية المتخصصة والنادرة والبحث عن أماكن تلبي لهم الحياة الكريمة والمعيشية الملائمة .
المحور الخامس : ما هي الحلول لمواجهة ارتفاع الأسعار في البحرين:
تشعب ظاهرة ارتفاع الأسعار وتتسع رقعتها لتشمل جميع فئات المجتمع مما يجعل منها مشكلة مجتمعية بالدرجة الأولى لها آثارها الوخيمة على المواطن وعلى العائلة البحرينية في كافة جوانب حياتها ومدخراتها.
تحتاج ظاهرة التضخم إلى حزمة من الحلول لمواجهة آثارها السلبية والحد من تداعياتها الاقتصادية تشترك فيها كل مكونات المجتمع الحكومي والأهلي وواضعي السياسات الاقتصادية والنقدية ، بغرض السيطرة على آثارها السلبية والحد من أوجاعها الاقتصادية والاجتماعية.
ووفقا لأسباب ارتفاع الأسعار التي تطرقنا لها أعلاه، من الواضح إن مواجهة هذه المشكلة بحاجة لحلول عاجلة وأخرى قد تأخذ بعض الوقت لتنفيذها.
فمن الحلول العاجلة الاعتراف الرسمي والحكومي بظاهرة ارتفاع الأسعار بحجمها الحقيقي والعمل على التعامل معها على هذا الأساس. بعدها يجب إجراء زيادات حقيقية على الأجور والرواتب في القطاعين العام والخاص لا تقل عن 30% وهي نسبة تتناسب بشكل عام مع مستويات الزيادات الراهنة في الأسعار. ونحن نعتقد أن هذه الزيادات يمكن أن تكون متدرجة كما فعلت المملكة العربية السعودية.
كما يجب إعادة هيكلة الدعم المقدم لضمان أن يذهب الأكثر حاجة له. فحاليا كما شهدنا يذهب للكل، ولذلك، يمكن أن يتم تقسيم مبلغ الدعم إلى قسمين الأول يبقى كدعم عام والثاني يعطى مباشرة كعلاوة غلاء لمن رواتبهم تقل عن مستوى معين ولنقل 800 أو ألف دينار.
ويجب أيضا تشديد الرقابة في السوق لمنع كافة أساليب التلاعب بالأسعار وتشديد العقوبات على التجار المتلاعبين من خلال تقوية أجهزة وزارة الصناعة والتجارة.
أما بالنسبة للحلول المتوسطة والطويلة الأجل فمطلوب حقيقة تغيير بنيوي وجذري في هيكل الاقتصاد بعيدا عن أنشطة المضاربات والعقارات والمال إلى أنشطة إنتاجية وخدمية حقيقية تولد وظائف برواتب مجزية لأبناء البلد ولا تقتصر على توليد وظائف متدينة الأجر للعمالة الأجنبية كما يحصل حاليا. مطلوب خطة تنمية طويلة الأجل تنوع الاقتصاد الوطني وتدخل المزيد من الأنشطة مثل الصناعات القائمة على المعرفة، والتعليم والصحة والخدمات المالية وغيرها.
أيضا مطلوب إعادة النظر في سياسات سعر الصرف، فإذا كانت الحكومة قد كررت أكثر من مرة عدم رغبتها بتغيير سياسة ربط الدينار بالدولار نظرا لإضفاء نوع من الاستقرار على السياسات النقدية، ولكون عائدات النفط هي بالدولار، فلا أقل من إعادة تقييم الدينار مقابل الدولار بين فترة وأخرى خصوصا مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي تخفيض سعر الفائدة، ووفق لدراسة بنك دولي، فان عملات الخليج يجب ان ترفع بنسبة لا تقل عن 20 إلى 30% أمام الدولار لتعويض خسائرها.
وأخيرا نقول أن مشكلة ارتفاع الأسعار لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حلها بيد جهة واحدة فقط كما يعتقد البعض، فنح نحمل حقيقة الحكومة مسئولية رفع الرواتب وضبط الأسعار ووقف موجة الغلاء وتغيير بنية الاقتصاد، ولكن المشكلة بحاجة لجهود مشتركة من المؤسسة البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين أيضا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. حسن العالي
نائب الأمين العام للتجمع القومي