عقد مساء يوم الثلاثاء الموافق الأول من أغسطس 2006 اجتماعً مشترك بين الأمانة العامة والهيئة الاستشارية للتجمع القومي الديمقراطي لبحث موضوع الموقف من الانتخابات البرلمانية القادمة، وذلك تنفيذا لقرار المؤتمر العام الثالث للتجمع القومي الديمقراطي الذي عقد يوم 17 مايو 2006 وأحال حسم هذه القضية إلى مايصدر عنهما من قرار.
وقد جرى نقاش مطول خلال الاجتماع المذكور يعتبر في الواقع امتدادا للنقاشات السابقة التي جرت بشكل ديمقراطي وشفاف وعلى مختلف المستويات التنظيمية في التجمع للتوصل إلى القرار الذي يخدم المصلحة الوطنية بصورة موضوعية وواقعية في إطار تقديرنا ودراستنا لمستقبل العملية السياسية برمتها ومدى تطورها وإمكانية تحقيق أي انجاز، في ظل العديد من التحديات والقيود التي تحكم سير العملية الانتخابية والتراجعات التي شهدها المشروع الإصلاحي، الأمر الذي يقلل من حماس المندفعين ويضعف حجج المدافعين عن قرار المشاركة.
ورغم أن التجمع القومي يرفض اختزال مفهوم الإصلاح السياسي والديمقراطي – وبالتالي العمل من أجل تحقيقه – في مسألة الانتخابات البرلمانية فقط خاصة إذا ما جرت هذه العملية وسط ظروف غير متوازنة وغير عادلة ويشوبها خرق للأسس القانونية والدستورية ما يجعل هذه العملية في نهاية المطاف ( مسألة شكلية ) تخدم مصلحة السلطة التنفيذية فقط باعتبارها اللاعب الرئيسي المتحكم في أوراق وقواعد اللعبة السياسية، نقول برغم كل ذلك تبقى " الديمقراطية السياسية " وماتفرضه من التزامات ومنها أجراء الانتخابات البرلمانية أحدى الوسائل الهامة لمقاربة العدالة والمساواة إذا ماجرى التعامل معها وفق المبادئ والقيم الدستورية المتعارف عليها، ومنها مبدأ إعلاء شأن المؤسسة المنتخبة دستوريا وتشريعيا ومبدأ الفصل بين السلطات ليس قولاً بل فعلاً وممارسة وباعتبار هذه المبادئ تمثل أحد أهم مرتكزات النظام الديمقراطي الصحيح.
ولما كان التجمع القومي يحدد مواقفه وقراراته من القضايا الوطنية وهو محكوم بالثوابت الوطنية المشار إليها، فأنه اليوم وفي ضوء قراءته الموضوعية للوضع السياسي ومع إقراره بانعدام فرص التغيير في المدى المنظور ومع قناعته بأن العمل السياسي بخياراته المختلفة تقف في وجهه العديد من التحديات والتعقيدات التي يفرضها الحكم والتي تعوق من تقدم التجربة الديمقراطية بصورة إنسيابية وشفافة وسليمة، ومن هذه المعوقات على سبيل المثال لا الحصر، استمرار النواقص الدستورية الواردة في دستور 2002، رفض تشكيل لجنة وطنية مستقلة تشرف على الانتخابات والاصرار على مسألة التصويت الالكتروني، وإجراء تعديلات على الدوائر الانتخابية مع غياب أية معايير واضحة ومحددة لهذه المسألة، إضافة إلى إصدارها قانون يحد من ممارسة الحقوق السياسية، وقبل ذلك وبعده تأخر إعلان مواعيد الانتخابات وهو ما أثار الهواجس والمخاوف المشروعة من نوايا الحكومة من قبل القوى والجمعيات السياسية، خاصة بعد سنوات من الشد والجذب وانعدام الثقة المتبادلة ورفضها تقديم أية تنازلات للخروج من المآزق الذي وضعت البلاد فيه، هذا كله إضافة إلى التحديات الأخرى التي تواجه العملية الانتخابية ومنها دون شك حالة التراخي وانعدام الثقة وغياب حماس المواطنين بعد تسرب حالة اليأس والإحباط جراء أداء المجلس السابق ونتائجه المتواضعة بل وجملة العملية الإصلاحية – نقول رغم كل هذه الحقائق السياسية على الأرض وتأكيدنا على الثوابت التي تحكم مواقفنا منها – فإن قرار المقاطعة والمشاركة هو قرار سياسيً تحكمه ظروف ومعطيات محددة، كما أن العمل السياسي في جوهره يقوم على مقدرة أي حزب أو تنظيم سياسي على التعامل مع الخيارات المطروحة واختيار الأفضل منها.
ومع إقرارنا بالجهود والتضحيات الكبيرة التي قدمتها جمعيات التنسيق الرباعي (الجمعيات المقاطعة) في سبيل تحقيق مطالبها الدستورية العادلة خلا ل السنوات الأربع الماضية وما صاحبها من نجاحات وإخفاقات، فأن هذه الجمعيات تمر اليوم بمفترق طرق وتقف أمام منعطف هام سوف يحدد طبيعه العمل والتحالفات السياسية خلال المرحلة القادمة، ذلك بالنظر لكون معظمها قد حسم خيارات المشاركة وأخذ يعد العدة لهذا الغرض. لقد خلقت الجمعيات المقاطعة خلال السنوات الأربع الماضية واقع نضالي متميز يعتقد التجمع اليوم بأن أي من هذه الجمعيات لن يستطيع تحمل أعباء الاستمرار في تجسيده وحده. هذا إضافة إلى توجسنا من أكبر خطر يهدد مسيرة النضال الدستوري خلال المرحلة الماضية وهو التقسيم الطائفي برغم من أننا نرى – وكما يبدو – أن المشاركة لن تخفف منه بل ولربما تزيده قساوة في واقع العمل السياسي والديمقراطي.
إزاء هذه التطورات، كان لابد للتجمع القومي من أن يعيد تقييم الوضع السياسي بصورة موضوعية وصياغة الموقف السياسي الذي يترجم حرصه على دعم التوجه العام للقوى السياسية المؤمنة بالإصلاح السياسي والديمقراطي في المملكة – رغم قناعته الذاتية بتراجع وتضايق أفقه في المدى المنظور – ويبقى حضوره السياسي والشعبي ولا يعزله، كما يفسح المجال أمامه للعب دور اكبر في تعزيز الوحدة الوطنية، في الوقت نفسه مواصلة تمسكه بالثوابت والأهداف الوطنية والدستورية ومواصلة النضال على أساس هذه الثوابت والأهداف التي تجسد وفاءه لتضحيات ونضالات شعبنا، فقد توافق أعضاء الأمانة العامة والهيئة الاستشارية المشاركون في هذا الاجتماع على تبني خيار المشاركة في الانتخابات القادمة ودعوة الأمانة العامة للتجمع القومي إلى تنفيذ هذا القرار وما يفرضه من خيارات وخطوات لاحقة تأخذ بعين الاعتبار أمكانيات التجمع الذاتية والظروف الموضوعية التي تحدد طبيعة الخطوات المستقبلية ومداها وجدواها.