هاني الفردان
فجأةً ومن دون مقدمات؛ أُعلِن عبر أحد المستشارين من خلال موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) عن بيان مهم سيصدر خلال ساعات من وزير العدل، من دون الكشف عن فحوى البيان المهم.
بعد ساعة أو أكثر صدر بيان مقتضب جدّاً من وزير العدل يتحدّث فيه عن توجيهات من عاهل البلاد إلى دعوة ممثلي الجمعيات السياسية والمستقلين من مكونات المجتمع السياسي لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي، ولم يشتمل البيان أي تفاصيل أخرى.
بعد 100 دقيقة من بيان وزير العدل، صدر بيان سريع من تجمع الوحدة (معارضة المعارضة) يرحّب بالحوار، حتى وإن كان مع من يسميهم بـ»قوى التأزيم»، والذي رفض مراراً الجلوس معهم على طاولة واحدة، قبل تنفيذ شروطه بوقف العنف و»العمليات الإرهابية» والاعتذار على حد قوله. فما الذي غيّر قناعته عن الحوار، على رغم أنه رفض وبشدة من قبلُ، دعوة ولي العهد، لتخرج السلطة وتبرّر ذلك بأن جميع العالم «فهِمَ غلط» كلام ولي العهد في منتدى حوار المنامة.
لِنفهم «حوار السلطة» اليوم؛ يجب أن نفهم «حوار ولي العهد» بالأمس، والذي لم يكن بينهما سوى 45 يوماً فقط، فلقد نشرت وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية والأجنبية خبر دعوة ولي العهد المعارضة إلى الحوار، وترحيب المعارضة من دون شرط، ولم تصدر أية جهة رسمية منذ السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2012، وعلى مدى أسبوع كامل، أي تصحيح، أو نفي لدعوة الحوار، بل على العكس، شهدنا ترحيباً عالميّاً بهذا المشروع، وقبولاً سريعاً من المعارضة.
الحقيقة أن المعارضة ربحت معركة «دعوة ولي العهد» محليّاً ودوليّاً، ووجدت السلطة نفسها في مأزق الخروج من تلك الدعوة التي لم تكن في الحسبان، فحرّكت عجلة جمعيات «معارضة المعارضة» لرفضه، وشوريين ونواب، في حادثة لم نشهدها من قبل، بأن تتم مهاجمة الدعوة والداعي إليها من تحت قبة البرلمان علناً بسبب دعوته إلى الحوار.
اتهمت السلطة «المعارضة» بـ «الإساءة إلى دعوة الحوار، واستغلتها بشكل مغرض، وتسويقها إعلاميّاً بشكل مغلوط»، وهو الأمر الذي أثار استغراب الجميع؛ فكيف صمتت السلطة أسبوعاً كاملاً عن «الاستغلال السيئ لحديث ولي العهد، وتسويقه بشكل مغلوط»! ليس فقط من قبلِ المعارضة، بل من قبل جميع وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية والأجنبية، وحتى الحكومات الغربية التي عبّرت عن ترحيبها ودعمها لدعوة الحوار.
في ظل الصراعات الداخلية في أروقة السلطة، وانتظار المعارضة إعلان الحوار الذي دعا إليه سمو ولي العهد؛ صدر بيان على لسان «مصدر مسئول»، أكّد أن «ما جاء في كلمة ولي العهد في حفل افتتاح حوار المنامة 2012، أن أي حوار مستقبلي سيكون بين ممثلي مكونات المجتمع البحريني كافة».
أمام الرأي العام الدولي الضاغط في اتجاه إيجاد حل للأزمة البحرينية عبر «حوار جاد ذي مغزى»؛ فإن المعارضة هي من ربحت المعركة، بينما وضعت السلطة نفسها في مأزق، وفي صورة الرافض للإصلاح السياسي. ولم يكن أمام السلطة من خيار سوى مشروع جديد للحوار، يخرجها من تداعيات ونتائج دعوة ولي العهد للحوار، ويجبر المعارضة على رفضه، لتكسب هي المعركة السياسية، ولو مؤقتاً، وتحمّل من خلاله مسئولية التصعيد والتأزيم للمعارضة قبل حلول الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2011.
ما الدعوة الحالية لاستكمال حوار التوافق الوطني، إلا محاولة لجر المعارضة لرفضها، عبر إعادة السيناريو ذاته وآليات وأدوات «حوار التوافق الوطني» في 2011، الذي رفضته المعارضة وقتها، ووقف معها المجتمع الدولي، والذي أقرت السلطة ضمنيّاً بفشله، من خلال تعدد طرح مشاريع الحوار لاحقاً.
بالعودة إلى البيانات الصادرة هذه الأيام بشأن «استكمال حوار التوافق الوطني»؛ سنجدها مقتضبة، ولا تحمل أية تفاصيل عن فحواها وآلياتها، وهو أمر مقصود إعلاميّاً، لضمان ترحيب الرأي العام الدولي أولاً، ومن ثم سيتم الكشف تدريجيّاً عن تفاصيل المشروع، لإجبار المعارضة على رفضه أو الانسحاب منه، بعد أن تم الترويج له دوليّاً، مع تسريبات مقصودة إعلاميّاً أيضاً يُراد منها الضغط في الاتجاه ذاته.
دائماً مَّا تسبق أي حوار أو تفاوض؛ عملية تهيئة للأجواء وتطييب للنفوس، وخلق الأرضية المناسبة له كبوادر حسن نوايا، إلا أنه في مشهدنا الحالي نرى عكس ذلك، وهو ما يؤكد أن العملية برمتها هي لزيادة الضغط على المعارضة للانسحاب من الحوار، أو لضربها بقواعدها وجماهيرها التي سترى في دخول الحوار، مع سوء الأوضاع، تنازلاً وتراجعاً.
الواقع يكشف لنا من خلال التجربة؛ أن المعارضة لن تخسر شيئاً من مشاركتها في الحوار حتى وإن كان «غير حقيقي»، فهي قادرة على تغيير مفاهيم اللعبة السياسية لصالحها في نهاية المطاف، لقناعتها وقناعة العالم بأسره، بأن التغيير نحو الديمقراطية مصير محتوم لكل الشعوب.