حسن المدحوب
«قيدتني بعد جروح اليتم، جثتك يا كل حناني مقيدة»… بهذه الكلمات تستقبل يومياً طفلة عبدالعزيز العبار صورة أبيها المعلقة على جدران بيتهم الآيل للسقوط، هذا الشاب الذي قضى بعد 52 يوماً من دخوله غيبوبة بسبب إصابته بطلق ناري.
صورة العبّار ذي الـ 27 عاماً، المعلقة على جدران منزله مؤلمة، ليس فقط لأنها تظهره في غيبوبته، ولكن الأكثر إيلاماَ أن طفليه الصغيرين يرونها صباح مساء، واليوم هما لم يعودا يتمنيان عودته لهما، فأبوهما غادر الدنيا، ولكن جلّ حلمهما الآن أن يريا أباها محمولاً على الأكتاف ليستقر في مثواه الأخير ويستريح… لا أقل ولا أكثر.
نحن ننظر إلى الأمور من زاوية إنسانية، نتمنى كبحرينيين أن نرى مخرجاً لهذا الجدل المستمر بين عائلة العبار المكلومة في ابنها الشاب وأطفاله الأيتام، وبين الجهات المعنية في الدولة وعلى رأسها وزارتي الداخلية والصحة، ولا يعنينا من قريب أو بعيد الجدل السياسي حول هذا الموضوع.
العبار أصيب في 23 فبراير/ شباط من هذا العام بإصابة مباشرة في رأسه أدخلته في غيبوبة، وقد تضمنت شهادة الوفاة، التي أصدرت له أن سبب الوفاة «توقف في الدورة الدموية»، وأهله يريدون أن يكتب في التقرير أن سبب الوفاة هو إصابته بالطلق الناري، والنتيجة أنهم يرفضون استلام جثمانه إلا بهذا الإقرار.
وزارة الداخلية، صرّحت أنها غير معنية بالأمر، وأن الموضوع هو بين العائلة والطبيب الشرعي، والعائلة ترى أن الوزارة هي السبب في حالة وفاة ابنهم، وهنا يبدو أنه لا يوجد مساحة للأخذ والرد بين الطرفين.
نحن هنا، نتألم جداً من محصلة هذا الجدل، لأن النتيجة هي استمرار بقاء جثمان العبّار في المشرحة، وها نحن وصلنا إلى اليوم رقم 35 دون جديد في الموضوع، وبالتالي استمرار معاناة عائلته وأطفاله نفسياً من هذا الأمر، وكأن الأطفال لا يكفيهم أنهم فقدوا أباهم، لتبدأ معاناة نفسية أخرى بسبب التأخير في الدفن.
من المحزن جداً، أن نفجع بين يوم وآخر بسقوط الضحايا في البحرين بسبب الأزمة السياسية التي تمر بها البحرين منذ 14 فبراير 2011، البحرينيون يتألمون كثيراً كلما سمعوا خبراً عن ضحية جديدة، فالمشهد يبدو قاتماً لهم، وتتناقص في نفوسهم آمال الوصول إلى حل يريح البلاد مما هي فيه من مآسٍ.
نحتاج في وطننا إلى أن نجرب الحلول الإنسانية، ونؤمن بأن دم البحريني أياً كان، غالٍ ونفيس. نحتاج إلى أن نغلّب لغة العقل في التعامل مع الأمور، لا يهمنا تسجيل نقطة هنا أو هناك لهذا الطرف أو ذاك، ما يهمنا أكثر هو أن تتوقف معاناة الجميع، وتعود البحرين كما كانت وادعة آمنة مستقرة.
نتمنى بصدق، أن ينتهي الجدل حول موضوع جثمان الشاب عبدالعزيز العبار، وأن يوارى الثرى قريباً، لعل ذلك يدخل قليلاً من السكينة على قلوب أطفاله الأيتام، وتبقى الرحمة هي الطريق الأفضل في حسم هذا الملف الإنساني.