قاسم حسين
لقد دخل يوم 14 فبراير (شباط) 2011 البحريني التاريخ واستقر نهائياً في أعماق الوجدان الشعبي، دون استئذان أو ترخيص أو حسبان.
وإذ أتصفح أمامي مفكرتي للعام 2011 بعدما أصبحت قطعةً أثرية، أقرأ ما دوّنته من أخبار العالم مرتبةً بحسب أهميتها يوم 13 فبراير. في أعلى الصفحة (حرفياً): استمرار الاحتفالات بسقوط حسني، وقيادة الثورة تسلم مطالبها إلى الجيش. مئات من الشرطة يتظاهرون لرفع الأجور واتصال هاتفي بين طنطاوي وباراك. المجلس العسكري يحل مجلسي النواب والشورى وتمديد حكومة شفيق، ومجلس أمناء الثورة يعتبر ذلك غير كافٍ. باراك: ليس هناك خطر على العلاقات المصرية الاسرائيلية وليبرمان يتوقع إعادة فتح السفارة بالقاهرة.
الخبر المصري كان طاغياً كما نرى، ثم تأتي الأخبار الأخرى: استقالة وزير الخارجية التونسي الجديد بعد مدحه وزيرةً فرنسية. نبيه بري: المحكمة الدولية غير ميثاقية وغير دستورية. مظاهرات في صنعاء وتعز وعدن للمطالبة برحيل صالح. والخبر المحلي الوحيد ورد في السطر قبل الأخير: «تأهب أمني في البحرين وسط تحسب لخروج مظاهرة احتجاجية»، هكذا وبكل بساطةٍ وغفلةٍ واختصار!
في اليوم التالي، 14 فبراير، صعد الخبر البحريني إلى أعلى الصفحة: «يوم الغضب» الذي دعا إليه شباب «الفيسبوك». في الليل مهاجمة قوات الشغب لعرسٍ في كرزكان وضرب المحتفلين وسقوط عشرات الجرحى. سقوط الشاب علي عبدالهادي مشيمع في الديه. تعزيزات سعودية كويتية تصل البحرين لدعم قوات الأمن.
والخبر الرابع والأخير: الرئيس التركي في طهران: المنطقة تشهد تغييرات وتركيا تؤيد مطالب الشعوب. (انتهى).
من الواضح أن الحراك الشعبي الذي انطلق يوم 14 فبراير كان مفاجئاً حتى لكاتبٍ ينشر مقالاً يومياً في صحيفة سياسية مستقلة. كانت هناك قوى جديدة برزت على السطح، تدفع بالحراك السياسي الجديد (الطريف أنّي أسميتهم «شباب الفيسبوك» لسيطرة تلك الصورة النمطية يومها).
جاء ذلك الحراك بعدما وصلت اللعبة الديمقراطية إلى طريق الإفلاس، وأعلن البرلمان عجزه عن تقديم أيّ منتَجٍ مفيد. قبل ذلك بعامين صرّح علي سلمان (رئيس أكبر كتلة معارضة) بأنه لن يترشح للبرلمان في انتخابات 2010، وأن نتيجة التجربة تساوي صفراً. زعيم الكتلة السلفية (عادل المعاودة) صرّح أيضاً بأن الحكومة كسرت مجاديفه. كانت السفينة قد جنحت وارتطمت بالقاع.
في السنوات التي سبقت ذلك، لم تهدأ الساحة السياسية في البحرين، فبعد مقاطعة 4 سنوات، جربت المعارضة المشاركة 4 سنوات أخرى، ولم تعد ثمة خياراتٌ أخرى. كانت كل الطرق تؤدي إلى الفشل والإحباط. حين تدفّقت الجموع الشبابية إلى ميدان اللؤلؤة وسط العاصمة، إنّما كانت تعبيراً عن زمجرة العاصفة.
منذ منتصف العقد الماضي، وكلما حدثت احتكاكات ومواجهات أمنية، كنا نحذّر من ولادة جيلٍ غاضبٍ سيتجاوز كل قواعد اللعبة السياسية وكل اللاعبين.
القمع لن يثنيه، ولا التعذيب والاعتقالات. إنه جيل الغضب العربي الذي بدأ بالتدفق إلى الميادين والساحات في بلدان الربيع العربي، وبلدنا – هذا الوطن المسيّس حتى النخاع – لم يكن استثناءً، وهذا الشعب لم يكن يتيماً في تطلعاته وأحلامه ولا غريباً ولا خائناً.
اليوم، وبعد عامين بالضبط، تخرج 12 مسيرةً سلميةً سلميةً، في مختلف مناطق البحرين، تضم عشرات الآلاف من المواطنين، رجالاً ونساءً، وشاباتٍ وشباناً، وأطفالاً وكهولاً وشيوخاً… كلهم يقول «لديّ حلم». بحرين العدل والمساواة، تضع خلف ظهرها سياسات القهر والتمييز والاستئثار.