أظن، والله اعلم، انه حين يجتمع القادة الأمريكيون العسكريون والسياسيون في اجتماعات مغلقة أو غير مغلقة، ويأتي ذكر تنظيم القاعدة، فان لسان حالهم يكون: تنظيم القاعدة؟.. حماه الله ورعاه. ليس هذا هو حال قادة أمريكا وحدهم، بل حال اغلب قادة دول العالم اليوم، المتقدم والمتخلف على حد سواء.
"القاعدة" أصبحت هي الملاذ الآمن لأغلب قادة العالم.. أصبحت هي طوق النجاة.
أي رئيس دولة يريد ان يظهر انه زعيم قوي حازم، ما عليه سوى ان يخرج على شاشة التليفزيون ويخاطب الأمة، كما فعل أوباما منذ ايام، ويتحدث عن الاجراءات العنيفة القوية التي يعتزم ان يتخذها ضد "القاعدة" التي تهدد امن بلاده.. أي رئيس دولة يريد ان يبرر عجزه عن حفظ الامن في بلاده، أو يوجد مبررا، خارجا عن ارادته، للتمرد ضده، ما عليه سوى ان يتهم "القاعدة".. أي زعيم دولة يريد ان يفرض قبضته الحديدية وان يمرر قوانين أو تشريعات تصادر الحريات وتقمعها، ما عليه الا ان يلجأ الى خطر "القاعدة" تبريرا وعذرا.. أي زعيم أوروبي عنصري قبيح يريد ان يضطهد المسلمين في بلاده، ما عليه سوى ان يشير الى الخطر الارهابي الذي يمثله مقاتلو القاعدة المسلمون الاشرار ومخططاتهم الجهنمية.. وهكذا.. وهكذا.
الذي يحدث في العالم اليوم وطوال السنوات الماضية شيء مذهل حقا يستعصي على أي ادراك أو فهم.
لنتأمل ما حدث خلال اسبوع واحد مضى أو نحو ذلك.. القاعدة تضرب في اليمن.. والقاعدة هي التي خططت ودبرت محاولة تفجير الطائرة الأمريكية.. القاعدة هي التي وراء التفجيرات الدموية في العراق.. القاعدة هي التي وراء كل ما يجري في افغانستان وفي باكستان.. القاعدة موجودة بالطبع في الصومال.. القاعدة هي التي تهدد بريطانيا، ورئيس وزرائها يعتبر العقد القادم كله هو عقد محاربتها.. الخ الخ.
أي "قاعدة" هذه؟!.. أي "قاعدة" هذه التي لها كل هذه القدرات والامكانيات الخرافية، وبحيث يكون في مقدورها ان تثير الرعب والهلع بعملياتها أو بالتهديد بعملياتها، في أمريكا، الشمالية والجنوبية، وفي جميع الدول الأوروبية، وفي جميع الدول الافريقية، وفي جميع الدول الاسيوية، والدول العربية؟
"القاعدة" هذه التي يتحدثون عنها ليس لها وجود.. لا يمكن ان يكون لها وجود.. لا يمكن ان يكون هناك تنظيم لديه كل هذه القدرة والمقدرة.
كل اجهزة المخابرات الأمريكية قدمت تقريرا مؤخرا الى الرئيس أوباما قالت فيه ان كل اعضاء تنظيم القاعدة في افغانستان لا يتجاوز 100 عضو. والمفروض ان افغانستان هي معقل تنظيم القاعدة. فهل من المعقول ان يكون لهذا التنظيم من معقله هذا كل هذه القدرة العالمية الرهيبة؟ واين هو ذلك العقل القيادي الجبار الذي بمقدوره ان يرسم الخطط الرهيبة ويحرك التابعين له في كل دول العالم؟
لقد اصبحنا نقرأ البيانات التي تصدر باسم تنظيم القاعدة، وقد اختلط علينا الامر تماما. لم يعد بمقدورنا ان نعرف، هل هذه البيانات تصدر فعلا عن اشخاص ينتمون الى القاعدة، ام انها تمت صياغتها بعناية في اروقة واقبية وكالة المخابرات الأمريكية، واجهزة مخابرات اخرى في العالم؟
حقيقة الامر ان "القاعدة"، وليس هذا كلاما جديدا، فقد قاله محللون كثيرون من قبل، اصبحت "فكرة".. بعبارة ادق، اصبحت "صرخة" في مختلف انحاء العالم.. حيثما يوجد قهر وظلم وعدوان وامتهان لكرامة الشعوب، سوف توجد "قاعدة".
نعني انه صحيح ان متطرفين في دول كثيرة في العالم يستخدمون اسم "القاعدة" ومن دون ان يعني هذا انهم ينتمون الى تنظيم عالمي واسع بهذا الاسم على نحو ما يتحدث الأمريكيون، بل قد يكون هؤلاء المتطرفون غير مسلمين اصلا.
طبعا.. طبعا. لا يعني هذا الكلام من قريب أو بعيد التقليل من شأن خطر الجماعات المتطرفة وفكرها وممارساتها، سواء حملت اسم "القاعدة" أو أي اسم آخر. حقيقة الامر ان هذه الجماعات تمثل خطرا على دولنا ومجتمعاتنا اكثر بعشرات المرات من الخطر الذي تمثله على أمريكا أو الدول الغربية عموما.
لكن الذي نود لفت الانتباه اليه هو التحذير من خطر هذا التهويل الشديد المتعمد من جانب أمريكا والدول الاوروبية عندما يتحدثون عن تنظيم "القاعدة".. نود التنبيه الى ان "القاعدة" اصبحت ذريعة و"شماعة" تستخدمها الدول الغربية لتبرير اعتداءات وانتهاك لسيادة دول وتنفيذ مخططات استعمارية، ولإطلاق حملات ملاحقة عنصرية ضد الاسلام والمسلمين في الغرب.
للحديث بقية
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.