هاني الفردان
واصلت وزارة الداخلية استدعاء عدد من الرواديد والخطباء ومسئولي المآتم الحسينية، وتم التحقيق في عدد من مراكز الشرطة مع الرادودَين مهدي سهوان وعبدالأمير البلادي، والخطيب الشيخ مهدي الكرزكاني، والملا إلياس المرزوق (حُقق معه 3 مرات)، والشيخ حسن العالي، والسيدعلي الموسوي، ورئيس مأتم العبابسة في عالي، كما تم استدعاء رئيس مأتم السنابس جعفر الشمروخ أمس الأول (الإثنين)، وغيرهم.
جل التهم التي وجهت لمن تم استدعاؤهم هي الازدراء بنظام الحكم في خطبهم أو قصائدهم التي ألقيت في مواكب العزاء أو على المنابر، من دون أية تفاصيل أخرى عن حيثيات التهم والعبارات التي قيلت. ومن بين الأسئلة التي طرحت على الخطيب الشيخ مهدي الكرزكاني: من تعني بحاكمية الظالم، في آية ذكرها في خطبته، وهي «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا»(هود: 113)؟، فردّ عليهم بأنه لا يقصد أحداً، وهذه آية قرآنية، وما يعنيه هو كالذي يعنيه الله في الآية القرآنية، فطلب منه التوقيع على تعهد بالالتزام بالموضوعات الدينية والحسينية.
والسؤال: أين المشكلة في طرح الخطيب السابق؟ أين السياسة فيها؟ وهل أصبحت الآية القرآنية واستحضارها سياسة؟ هل أصبح الحديث عن الظلم والظالمين سياسة؟ وزارة الداخلية أصدرت بياناً قالت فيه «إنه على إثر التجاوزات التي تمت أثناء تنظيم فعاليات موسم عاشوراء، فقد تم استدعاء عددٍ من القائمين على بعض المآتم التي وقعت بها هذه التجاوزات، حيث تم تنبيههم بعدم تكرار مثل تلك الأفعال التي تسيء إلى هذه المناسبة الدينية».
ولأننا لم نعتد على الوضوح في التهم، نطلب من الجهات الأمنية تنويرنا وتوضيح أين حدثت تلك التجاوزات لنقف عليها، ونستنكرها ونشجبها وندينها، إن صحت، فنحن لا نرضى بالإساءة لأحد، وقبل أن ندين ونستنكر نريد أن نعرف ما قالوا. فهل الحديث عن الظلم الذي لا يرضاه الله لعباده، أصبح من المخالفات القانونية؟ وهل ذكر سيرة الإمام الحسين (ع) من شأنه اضطراب السلم العام وإثارة الشحناء والبغضاء بين أبناء الشعب؟ وهل استذكار آية يهدّد الأمن الوطني؟ وهل ذكر الدولة الأموية وقتلها لأهل البيت، أصبح «ازدراءً بنظام الحكم»؟ كلمات الإمام الحسين (ع) الشهيرة مثل عبارة «هيهات منا الذلة»، ربما تعني لدى السلطة تحدياً لها، مع أنها من عموميات ذكرى عاشوراء التي تستحضر كل عام منذ مئات السنين، وليس في الأمر جديد.
أليس من الأجدر أن تعرض وزارة الداخلية على الرأي العام وعلى الملأ، العبارات المسيئة التي وردت في خطب الخطباء، وقصائد الرواديد لتؤكد للجميع سلامة إجراءاتها ومواقفها وخطواتها، ولتتضح للجميع الصورة الحقيقية، وخصوصاً أننا لم نشهد مثل هذه الإجراءات منذ سنوات طويلة، رغم تكرر العبارات التي اعتدنا على سماعها، فما الجديد الذي طرأ يا ترى؟ وهل له علاقة بمحاولة تحجيم موسم عاشوراء والتضييق على الحريات الدينية، والاستجابة لدعوات التأزيميين؟ في نظري يجب أن تعرض الجهات الأمنية تلك العبارات لتخرس كل الألسنة التي تنتقدها لمجرد تطبيقها القانون، ولكي تبرهن لهم بالدليل القاطع والنص الفاقع تجاوزات الخطباء والرواديد ورؤساء المآتم. ويجب أن تضع هذه العبارات أمام مرأى الجميع ليفهم الجميع أنه لا أحد فوق القانون. ويجب أن تنشر عبارات الخطباء التي حرضت وأساءت للطوائف، حتى نسكت تلك الجمعية المتصيدة في الماء العكر، والتي تريد ببياناتها أن تصوّر البحرين كساحة لانتهاكات حقوق الإنسان وحرية ممارسة العبادة والأديان.
في الجانب الآخر، هل من يهدد السلم الأهلي والأمن الوطني ويخلق الشحن الطائفي، فقط في جانب واحد، واتجاه واحد؟
ألم يلعن ويقذف مكوّن رئيسي بأكمله في هذا البلد على المنابر، ولم نرَ تحركاً باتجاه حفظ السلم الأهلي والأمن الوطني والشحن الطائفي، ألم يوصف مكون بأكمله بـ «الأنجاس، والكلاب، والمجوس، واليهود»، ولم تتحرّك السلطة لحفظ كرامته وحقوقه ومحاسبة الجاني؟ بل غضّت الطرف عنه بحجج واهية، وشجّعته بصمتها على التمادي في القذف والسب واللعن في كل مكان، فماذا فعلت كل الجهات الأمنية قبال كل ذلك، حفاظاً على السلم الأهلي والأمن الوطني والاستقرار، ومنع التشاحن الطائفي.
تفسير آية قرآنية تتحدث عن الظلم لا يشار به إلى أحد، وهي كلام الله سبحانه، ولكن عندما ترد عبارة في تقرير سياسي تقول بالحرف الواحد «التحصين من طغيان الطائفة إلى الصبر على طغيان القبيلة»، فإن الأمر واضحٌ وضوح الشمس، ولا يحتاج إلى تأويل في من يقصد بـ «القبيلة»، ومع ذلك لم نشهد اعتقالات، ولا استدعاءات واتهامات بـ «الازدراء بنظام الحكم».
الحديث عن وجود «كره متبادل بين السنة والشيعة» في البحرين هذا لا يؤدي إلى الشحن الطائفي أبداً، وهو خارج من لسان رجل دين أيضاً، أم أن للموضوع والقضية لها رؤية مختلفة؟