منصور الجمري
استخدام بعض الجهات الرسمية لمصطلحات موجودة في كتب التراث قبل ألف سنة وإعطاؤها شكلاً قانونياً يُعتبر أمراً غير حميد وله مدلولات تهدد مفهوم الدولة الحديثة القائمة على مبدأ «المواطنة»، والتي من المفترض أن يتساوى فيها كل فرد مع الآخر بغضّ النظر عن انتمائه… وهذا ما تنص عليه الدساتير، بما في ذلك دستور مملكة البحرين الصادر في 2002، والذي ينص في المادة 18 على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
ولكن، مؤخراً خرجت علينا النيابة العامة لتقول إن هناك تهماً تحقق فيها بشأن الازدراء والتعدي على «مِلّة». ولربما أن من كتبها قد استعان بكتاب «المِلل والنحل» للشهرستاني (توفي في 1153م)، الذي تحدث في موسوعته عن تشكيلات وجماعات في ذلك الزمان وبحسب تعريفات ومصطلحات تلك الفترة التي سبقت تشكيل الدول الحديثة بقرون عديدة.
المشكلة في أن هذه التعريفات قد تحمل مضامين خطيرة لا تنسف فقط الدساتير الحديثة، وإنما قد تُشرْعِنُ التمييز بين الناس، ولاسيما أن التمييز كان أمراً طبيعياً ومقبولاً في الزمن السحيق، أمّا في عصرنا فإنه وإن كان يمارَس على أرض الواقع، لكن المسئولين الرسميين يرددون العبارات الدستورية التي تتحدث عن المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات.
المصطلحات القديمة قد تعني بأن أتباع إحدى المدارس الفقهية ليسوا مذهباً إسلامياً؛ لأن المتعارف عليه أن هناك مذاهب إسلامية (مذاهب السنة الأربعة إضافة إلى المذهب الجعفري والزيدي والإباضي) وأن هذه المذاهب تتفق على أركان الدين الرئيسية ولكنها تختلف في كيفية فهم سُنّة محمد بن عبدالله (ص). وهناك «الملل» وهي تتحدث – في العادة – عن أهل الديانات السماوية، كما أن هناك «النحل» والتي تأتي في إطار «أهل العقائد والآراء الباطلة» بحسب المصطلحات القديمة.
أعلم أن هذا الفهم غير متفق عليه، ولذا فإن الأفضل للجهات الرسمية أن لا تستخدم هذه المصطلحات على الإطلاق، اللهم إلا إذا كانت تقصد مأسسة التفريق بين المواطنين والعودة إلى مصطلحات الماضي .