عيسى سيار
لمن لا يعرف «الميداف» من أبنائنا الشباب، هو «المجداف» بالفصحى، قطعةٌ خشبيةٌ كان يستخدمها الأجداد والآباء للإبحار بالسفن قبل استخدام محركات الديزل والبترول. وكانوا يتحمّلون بصبر منقطع النظير قساوة التجديف بالمجداف لساعات طوال من أجل الوصول بالسفينة إلى بر الأمان. وكم كانت فرحتهم وفرحة أهاليهم بوصولهم بالسلامة محمّلين بالخير الوفير!
لقد تبين للقاصي والداني، والمواطن والمقيم، أن هناك تجمعات ورجال دين وإعلاميين ومن لفّ لفهم، ليس لهم همٌّ إلا تكسير «مياديف» أيّ تحرك حقيقي وجاد يهدف إلى إيجاد بيئة ومناخ صحي لمصالحة وطنية بين مكونات الشعب البحريني، وفتح حوار جاد ومنتج بين الفرقاء السياسيين. ومن المؤسف حقاً أن هؤلاء لا يقدمون حلولاً أو مخرجات أو يسعون بالخير إلى المصالحة، بل شغلهم الشاغل التهديد والوعيد، والتحريض والشخصنة، والمناكفة والتشهير، والدفع باتجاه المزيد من الطائفية والتخندق.
إن من يسعى إلى تكسير «مياديف» أي مبادرات أو وساطات لرأب الصدع والذي ضرب المجتمع البحريني في مقتل، هو دون شك لا يستطيع أن يعيش في بيئة ديمقراطية شفافة، تقوم على المشاركة الحقيقية للشعب البحريني في صنع القرار، ومكافحة الفساد بكل أشكاله.
إن تلك الفئات والشخصيات المحرّضة تعيش وتقتات على استمرار حالة اللااستقرار التي تعيشها البحرين، فالاستقرار المجتمعي يجعل تلك الفئات والشخصيات ومن يقف وراءهم ويدعمهم على الهامش، ويبعدهم عن الأضواء، وبالتالي فإنهم وجدوا ضالتهم التي ينتظرونها ومن يقف وراءهم في الأزمة التي تعيشها البحرين منذ فبراير/ شباط 2011، وقبلها كانوا يعيشون على هامش المجتمع ولا يجدون حتى من يرحّب بهم، إما بسبب تطرّفهم أو سيرتهم الشخصية والمهنية السيئة.
إن من يحارب ويقوم بالتحريض ضد أية مبادرةٍ خيّرةٍ لتحقيق الوحدة الوطنية، نقول له وبالفم الملآن ماذا تريد؟ ما هو البديل الذي تطرحه للخروج من نفق الأزمة المظلم والذي قد يأخذ البحرين إلى المجهول؟ وهل تعتبر رقصك ومن يقف وراءك على جراح الوطن بطولة؟ وهل يمكن للمكوّن السنّي أو المكوّن الشيعي أن يلقي بالآخر في البحر؟
إن المواطن البحريني الذي يعيش ظروفاً معيشية صعبة في ظل ارتفاع أسعار غير مسبوق، والبطالة وغياب الحلول الجذرية لمشكلة الإسكان وغيرها، أصبح واعياً أكثر من أي وقت مضى للدعوات التي يطلقها دعاة الفتنة والتحريض، وهو يتطلع إلى مبادرةٍ جادةٍ من شأنها نزع فتيل الأزمة والعبور بالبحرين إلى بر الأمان.
إن الشعب البحريني مطالَبٌ اليوم قبل الغد، بالتصدّي والوقوف سداً منيعاً أمام تلك الفئات والشخصيات التي تحزن عندما يفرح الوطن وأهله، والتي لا يسعدها أن يُكافَأ شعب البحرين على نضالاته وتضحياته الجسام على مر التاريخ، بتعديلات دستورية توجد ديمقراطية حقيقية لا شكلية. ديمقراطية يكون فيها الشعب مصدر جميع السلطات كما ورد ذلك في المادة (1) من دستور 2002. ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات على المواطنين. ديمقراطية تنقذ البحرين وتخرجها من النفق المظلم الذي تعيش فيه منذ أكثر من عام. ديمقراطية تستطيع أن تحاسب المسئول الذي يتطاول على المال العام. ديمقراطيةٌ تكرّس مفاهيم وقيم المواطنة الحقة القائمة على الانتماء والولاء للوطن وليس للشخوص، وهذا هو السبيل الوحيد الذي من خلاله فقط نستطيع التجديف بالبحرين إلى بر الأمان. ومن هنا يتوجب على شعب البحرين أن يقول لتلك الفئات والشخصيات قفوا! لقد كشفناكم وكشفنا أجنداتكم التحريضية المدفوعة الأجر، واتركوا شعب البحريني يتصالح، اتركوه يتوافق، اتركوه يتنفس عبير الربيع العربي، فمن يرفع الشراع؟
الوسط – العدد 3455 – الأربعاء 22 فبراير 2012م الموافق 30 ربيع الاول 1433هـ
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.